محمد كمال [email protected] أدَّى الرئيس ما عليه ليثبت أنه مهموم باحتياجات المواطنين الملحة؛ من رغيف العيش، وأنبوبة البوتاجاز، وإزالة القمامة، وغيرها... وحتى تأكيده على قبوله للمساءلة الشعبية والتى قدم عنها الأجوبة أمام محكمة الشعب فى احتفالات "أكتوبر". غير أننا نضىء هنا ضوءا تحذيريا؛ بألا تنساق "الرئاسة" إلى تفاصيل الحياة اليومية يجعلها تؤجل تدشين (مشروع قومى) يجمع الشعب على تحقيقه، وذلك لأن الاحتياجات المعيشية ستظل ملحة إلى الأبد، مهما تغيرت الحكومات والرئاسات. ومن هنا فإن الفترة السابقة كافية ليطمئن الشعب إلى رئيسه، ولتطمئن "الرئاسة" إلى أنه قد حان وقت (المشروع الحلم)، الذى يسير بجوار الخطط التنموية، وأن على "الرئاسة" أن تظهر معدنها الحقيقى باختيار هذا المشروع، والبدء فيه، وعليها حينئذ أن تقدم دراساتها وتصارح الشعب بالتحديات والعقبات الداخلية والإقليمية والدولية التى تواجه المشروع لتستثير كوامن التحدى واسترداد الانتماء الإيجابى للوطن. إن (التنمية الاقتصادية) وحدها لا تصلح أن تكون مشروعا قوميا لبلد مهدد فى حدوده، وفى عناصر الطاقة والمياه الضرورية لحياته، بل فى استقلال قراره بسبب تركة الفساد والتبعية الموروثة؛ لذا ينبغى الإصرار على المشروعات الكبرى التى تحسم عناصر القوة الأساسية للوطن، وعدم الانسياق وراء مدرسة (من يملك قُوته يملك قراره)، والانتقال إلى مدرسة (من يملك إرادته يملك قوته وقراره وكل شىء). وأرانى منحازا لمن يرون أن "المشروع النووى" هو أمثل مشروع قومى مصرى فى الوقت الراهن وذلك لأسباب رئيسية أهمها: 1- إنه المشروع الذى امتلكت "مصر" دراسات وافية عن كل جوانبه عبر عقود طويلة، ولدينا قامات علمية سامقة مستعدة فورا لتحقيق الحلم على الأرض. 2- إن هذا المشروع سيسهم بقوة فى إنجاح خطط التنمية، بالإضافة لاستعادة "الهيبة" التى تعيدنا إلى مربع الفعل والتأثير سواء فى العلاقة مع الدولة العبرية أو فى التأثير فى القضية الفلسطينية، أو فى حماية منابع النيل وأمننا القومى المائى، أو فى معادلة التأثير على توجيه النفط العربى. 3- إن تجارب "الدولة العبرية" و"كوريا الشمالية" و"إيران" فى النضال لتنفيذ مشروعاتهم قد أظهر أمامنا كافة التحديات وكيفية مواجهتها، وبالتالى فإن "دراسة الحالة" تؤكد أنه مشروع يمكن تنفيذه رغم ما قد تثيره سحابات التخويف الدولية من استحالته. 4- إن المشروع سيظهر حجم التحدى والتآمر على "مصر"، وسيظهر الحقائق أمام المصريين، مما سيسهم فى تأكيد استعادة الوعى، ويجمع أبناء الوطن على قلب رجل واحد، ويواجه حالة التشرذم التى تريدها بنا القوى الفلولية، أو ممثلو الأجندات الأجنبية، فتستقيم الحياة السياسية والاجتماعية وينتظم عقدها. استراتيجيتان ولكى تصل "مصر" إلى تحقيق الحلم النووى، فإن أمامها طريقين؛ عليها أن تختار أحدهما لتضع نفسها بين الكبار: أولا: الاستراتيجية التوفيقية وهى التى انتهجتها "الدولة العبرية" مع "فرنسا" عقب قيام دولتها الغاصبة فى "فلسطين"، حيث تولت "فرنسا" بناء القوة العبرية سواء التقليدية أو النووية؛ فكان بناء القوات الجوية العبرية فرنسيا بالكامل، ثم كان عهدا كل من "جى موليه" و"ديجول" قد وضعا اليهود فى مصاف الدول النووية، وكان ذلك فى مقابل مساعدة "فرنسا" لإخراجها من ورطة الصدام مع الثورة الجزائرية، ثم لمنحها استقلالا عن "أمريكا" فى المسألة النووية، وذلك بالحصول على "تكنولوجيا الحاسبات الإلكترونية" الأمريكية من الدولة العبرية، والتى تحصلها بدورها عن طريق برنامج تبادل المساعدات الفنية مع "الأمريكان". حصل اليهود على أسرار استخراج "اليورانيوم" من خامات منخفضة التركيز، وتدرب مهندسوها فى المراكز النووية الفرنسية، وأطلعهم الفرنسيون على نتائج تجاربهم النووية، فكان ذلك سببا فى إنتاج الجيل الأول من القنابل النووية العبرية، وتوجت الجهود التوافقية ببناء مفاعل "ديمونة" الذى يعمل بتكنولوجيا الماء الثقيل ويستخدم "اليورانيوم العادى بدلا من "المخصب" ليحرر اليهود من التبعية "لأمريكا"!، ويمنحهم حرية الاعتماد على موارد "صحراء النقب". وهكذا تنجح "الدولة العبرية" فى الالتفاف على التحدى العلمى، وعلى الحليف الاستراتيجى؛ لتصبح سيدة قرارها، باستراتيجية (توفيقية) مع الاحتياجات الفرنسية. ثانيا: استراتيجية اللعب على التناقضات الدولية تلك التى انتهجتها "إيران"؛ حيث نرى سلوكا استراتيجيا مثيرا للإدهاش، وذلك حين أصر القرار الإيرانى على بناء قوته النووية رغم التباين بين العهدين الديكتاتورى (الشاهنشاهى) والآخر (الثورى)، وذلك رغم التحولات الدرامية سواء فى علاقات إيران الخارجية، أو فى التحول السياسى العالمى بانهيار "الاتحاد السوفيتى". وقد بدأت "إيران" فى بناء قوتها النووية فى عهد "الشاه محمد رضا بهلوى" بمباركة أمريكية لتكون "إيران" العصا الأمريكية الغليظة فى المنطقة، واستغل "الشاه" هذه العلاقة بالإسراع فورا فى بدء المشروع!. فقامت "أمريكا" بإنشاء "مركز أمير آباد النووى بجامعة طهران"، ثم "مركز أصفهان للبحوث النووية" بالمساعدة الفرنسية والرضا الأمريكى. وعندما سقط "الشاه" استكملت الثورة بناء الحلم، حيث تمت ترقية قدرات "مركز أصفهان" بمساعدة صينية حين انكمشت الدول الأوروبية الكبرى عن استكمال العمل مع الإيرانيين، بل لعبت "إيران" على التناقض الدولى فى صيغته الحديثة التى تحاول فيه "روسيا" مجرد إثبات الذات، فوقّعت معها "إيران" عقد إنشاء "محطة بوشهر" لتوليد الكهرباء رغم الضغط الأمريكى على الروس، إلا أن قيمة العقد (940 مليون دولار) كانت تحتاجها "روسيا". وعلى التوازى كانت "إيران" قد فتحت خطوطا لشراء "سيكلوترون" من "بلجيكا" و"كاليترون" من "الصين" وهى أجهزة تؤدى مرحلة متقدمة وهى فصل "نظائر اليورانيوم". ورغم أن "إيران" قد وقعت (معاهدة حظر الانتشار النووى)، بل وضعت "مفاعل بوشهر" تحت الرقابة الدولية، وتم التفتيش عام 96 ولم يجدوا شيئا، إلا أن الإيرانيين يفاجئون العالم بالتعاون مع "الصين" عام 2003 لإنتاج الصواريخ بعيدة المدى رغم الرفض والضغط الأمريكيين. ثم أصبح العقد الأخير هو عقد الإصرار والمناورة الإيرانية المحسوبة لإتمام قوتها النووية سواء السلمية منها، أو ما يظن أنها عسكرية، وذلك عبر استراتيجية ناجحة باللعب على التناقضات الدولية. هاتان تجربتان لدولتين فى أتون الصراع والتحدى الدولى والإقليمى، لم نرصدهما لنثير الإعجاب بهما، ولكن لنؤكد أن المستحيل وهمٌ تصنعه الميديا والعملاء. وعلى "رئاستنا" أن تستفيد من مثل هذه التجارب الكبرى، وألا تظل رهينة لتفاصيل عملية (التنمية) –مع أهميتها القصوى– وألا تتباعد بالوقت عن طرح مشروعنا الوطنى الجاذب للهمم، والمبشر بالمستقبل، والمطيح بالسفهاء الذين بزغت نجوميتهم بلا معنى فى أوقات الاضطراب والانتقال التى يعيشها الوطن. ولدينا اختيارات عديدة سواء بالميل نحو المعسكر "الشرق الأسيوى" الذى لم تكن له غايات استعمارية قبل ذلك فى بلادنا، وأمامنا "الصين" الساعية لطرح نفسها كقطب عالمى مواز "للأمريكان"، ولدينا فرصة ما زالت سانحة مع الدول المتفككة عن الكيان "السوفيتى" السابق، حيث نستطيع أن نؤدى للجميع مصالح كبرى لوضعيتنا بالمنطقة، لنجنى ثمارا تبادلية لإنجاح استراتيجيتنا. نحن نسعى لنكون دولة مؤثرة ومستقلة، ولهذا أوصافه، وللأوصاف تحديات، وفرصتنا مع د. مرسى كبيرة لعلمى الشخصى بإيمانه بهذا المشروع، ولأنه "عالم" ويدرك مدى تأثير التطور العلمى الكبير فى حياة الأمم، ولأنه يمتلك الشعبية التى ستقنع الجماهير بوجوب الاصطفاف لبناء الإرادة المصرية، ولأن "مصر" فى عهده ستكون مرهوبة الجانب إذا خطت خطوات كبيرة تجعل القوى الدولية تحسب حساباتها قبل أن تضغط لإفشال مشروعنا. أرجو من مستشارى "الرئيس" ومن الحكومة أن يقوموا بدورهم؛ حتى يقوم "الرئيس" بمهمته الأساسية فى ضخ عناصر القوة فى شرايين الوطن.