من حق أى مصرى مهما كان انتماؤه السياسى أو معتقده أو توجهه الفكرى أن يختلف مع الرئيس المدنى المنتخب انتخابًا حرًّا مباشرًا من الشعب، وأن ينتقد خططه وبرنامجه ورؤاه وسياساته؛ فقد انتهى زمن الديكتارتورية، و"الرئيس القائد"، و"الزعيم الملهم" الذى يسبح الجميع بحمده، من دون الله، آناء الليل وأطراف النهار. ومن حق الأحزاب والقوى السياسية والوطنية أن تختلف مع الرئيس وتجادله، وتنتقد أداء مؤسسات الرئاسة والحكومة، وتطرح البديل الأفضل من وجهة نظرها فى إصلاح البلاد والارتقاء بمستوى الخدمات، ورفع كاهل المعاناة عن العباد بعد طوال سنوات من القهر والذل والهوان والإرهاب، وعدم أمان المواطن فى سربه أو معافاته فى بدنه، فلم يكن الكثيرون من الفقراء والمطحونين يجدون قوت يومهم. ولكن هناك فرق بين النقد الهادف والبنَّاء من الشخصيات والقوى السياسية والوطنية التى تطرح نفسها لتكون بديلًا فى الحكم للرئيس والحزب الذى حصل على الأغلبية النسبية فى أول انتخابات برلمانية شهد الجميع -فى الداخل والخارج- بنزاهتها وشفافيتها وأكثر من 32 مليون مصرى شاركوا فيها، وبين "الإسفاف" و"التجريح" و"الكذب المفضوح" الذى يمارسه "بعض" المرجفين فى المدينة، ومن تملَّك الحقد والحسد قلوبهم، فأصمَّهم وأعمى أبصارهم، ولم يجدوا فى أى قول أو فعل أو عمل يقوم به الرئيس أو الحكومة من أجل البلاد والعباد إلا كل سوء، فاعتلوا منصات الإعلام من فضائيات "الفلول" والقنوات والصحف الممولة طائفيا والمملوكة لرجال تحوم حولهم الشبهات لعلاقتهم بنظام المخلوع وتحقيق الثروات الطائلة فى عهده دون وجه حق، لإهالة التراب على الرئيس، ويشككون فى كل شىء، ومن أعجب العجب أن يقارنوا بين الرئيس المدنى المنتخب ب52% بديكتاتور فاشىّ، أتقن تزوير إرادة الشعب وكان ينجح ب99.888% واستمرأ السلطة ثلاثين عامًا، فهذا هو الكذب والتضليل وسوء القصد. وأعتقد أن هؤلاء "الكذبة" و"المدلسين" اكتفوا بأنهم "أبواق سوء" يعملون لحساب من يموِّل قنواتهم وصحفهم، ويدفع لهم مئات الآلاف من الجنيهات شهريًّا، ولكن هناك الأغلبية من الإعلاميين الشرفاء الذين يقومون بدورهم الملقى على عاتقهم ولا يهمهم إلا مصلحة وطنهم، فيقولون لمن أخطأ: أخطأت، ومن أصاب: أصبت، ولا يخشون فى قول الحق لومة لائم. لقد جاء خطاب الرئيس محمد مرسى فى ذكرى انتصار 6 أكتوبر العظيم، والاحتفالات الشعبية التى أقيمت بهذه المناسبة، مفعمًا بالصدق والشفافية والصراحة والوضوح، وقول الحق فى خطابه الذى استمر قرابة ساعتين أمام الحشود التى اكتظ بها استاد القاهرة الرياضى. كاشَف الرئيس الشعب بحقيقة أمور البلاد، والمسئوليات الضخمة التى تولاها، والتركة الثقيلة من الفساد والإفساد التى تسيطر على مفاصل صناعة القرار فى عهد المخلوع، وعصابات سرقة الوقود والأراضى وأموال الشعب، وأنه بدأ فى تغيير قيادة الأجهزة الرقابية فى البلاد، لضبط قضايا الفساد وإحالة المتورطين إلى جهات التحقيق والقضاء العادل، دون ظلم أحد أو هضم حقوق أحد أو الجور على أى إنسان مهما كان، وأعلن الرئيس عن كشف حساب ما تحقق فى المائة يوم التى تولاها، فى القضايا التى تعهد أمام الشعب بإيجاد حلول لها فى برنامجه الانتخابى، ولأول مرة نرى رئيسا مصريا عبر تاريخنا الحديث يقول إنه تحقق 40% فى قضية النظافة ورفع القمامة، وحل 70% من مشكلة الأمن، مؤكدا أن هذه الإحصاءات والنسب والأرقام من وجهة نظره التى يختلف معها البعض، وأن العمل جار طبقا للخطط الموضوعة على تنفيذ ما يحقق للشعب طموحاته وآماله وفق مراحل زمنية تقوم على تنفيذها الجهات المختصة. لم يلجأ الرئيس محمد مرسى إلى المداراة أو الغموض أو التعمية، بل كان صريحا واضحا واقعيا، قال ما له وما حققه، واعترف بما عليه، وأنه لم يتحقق ولكن "جار العمل على تنفيذه"، والأهم من ذلك كله أن الرئيس بث روح التفاؤل والأمل فى نفوس المصريين، مؤكدا أن العجلة لن تعود للوراء يوما، وأننا سائرون -بإذن الله- نحو الأفضل، وأن زمن الفساد ولى ولن يعود، ولا أحد فوق المساءلة، وأن أجهزة الرقابة والتحقيق مخولة بجميع الصلاحيات للقيام بدورها فى جميع مؤسسات الدولة بدءا من مؤسسة الرئاسة، وهو أمر لم نسمع به من قبل للذين يطنطنون بعهود القهر والذلة والإرهاب، والرؤساء الذين كانوا لا يحاسبون بما يفعلون، ولم يكن أى جهاز محاسبى أو رقابى يقترب من مؤسسة الرئاسة فى عهد عبد الناصر أو السادات أو المخلوع الذى عاث وهو وزوجته وأبناؤه وأركان حكمه فى الأرض الفساد، ومن كان ينطق ببنت شفة عن حدث ما فى مؤسسة الرئاسة كان يذهب وراء الشمس، والجميع يذكر قصة المصرى الذى قال للمخلوع "اتق الله" فى داخل المسجد النبوى الشريف، فتم اختطافه وإحضاره بطريقة مشبوهة، ووضع فى السجن أكثر من 15 سنة بلا تهمة أو تحقيق. كنا نتمنى من القوى السياسية والحزبية والشخصيات الوطنية بجميع ألوانها وأطيافها، أن تتناول خطاب الرئيس بموضوعية ومنهجية، وتقول له أخطأت فى كذا وكذا وأصبت فى كذا وكذا، وأن تطرح رؤاها فى الإصلاح، وهذا ما قام به الكثيرون، أما بقايا الشيوعيين واليساريين -الذين استخدمهم مبارك ونظامه وجعلهم ديكور معارضة- ورجال "العسكرى" ومن يبحثون عن دور و"شو إعلامى" فقد آثروا أن يكونوا منصات للشتيمة والسب والتجريح وبث الأكاذيب، وهؤلاء فقدوا مصداقيتهم، وانتهى دورهم فى زمن الحرية الذى لا يعرف إلا الحقيقة المجردة ولا شىء غير الحقيقة.