مشهدان يشرحان كيف أصبح حال العرب في ظل حكام سفكوا دماءهم وارتموا في حضن أعدائهم، فأصبح العرب ما بين فكي الذئب، وحصار الثعالب. هناك يرتمي بشار الأسد في حضن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثل الطفل الذي ضل الطريق وفجأة وجد أمه على حافته، فلم يتمالك نفسه ودفعته أشواقه وحنينه ومزقت ضلوعه عبرات سكبها على كتفها.. وهنا امتلأ وجه عبد الفتاح السيسي بالبهجة والسرور، وهو يضع يده في يد رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو مصافحا له، مثل عاشق ينتظر عطف معشوقته أن تقع عينها في عينه، حتى إذا ما ألهبت صدره لحظة الانتظار، جاءته تمد كفها الصغير لتسلم عليه فلم يتمالك نفسه وظل ممسكا بديها حتى تمالكها الخجل من روعة الموقف. حرارة اللقاء الأول ومع الدور المقدس الذي قام به فلاديمير بوتين في إنقاذ بشار الأسد من مصير القذافي ودعمه في المذابح التي قام بها ضد الشعب السوري، ليقتل بسلاحه ما يقترب من مليون سوري ويهجر 13 مليون آخرين، فضلا عن ملايين الإصابات الأخرى، كشف الكرملين أمس الثلاثاء عن زيارة العاشق لعشيقه بمدينة سوتشي، وظهر بشار الأسد في صورة بدا فيها مستنداً إلى كتف بوتين وكأنه يبكي، مما أثار سخرية المغردين السوريين والعرب على مواقع التواصل. وسخر الكاتب والباحث السوري أحمد أبازيد، معلقاً: "عودة الابن الضال.. بوتين محتضناً بشار الأسد بحنان أبوي في سوتشي". وعلق رئيس موقع "بغداد بوست" سفيان السامري ساخرًا: "بابا حبيبي لا أدري ماذا كنت سأفعل بدونك.. اهلًا بك يابني أعمل حسابك نهاية الشهر الجاي سأسحب القوات الروسية". واستنكر الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة ما نقلته قناة "روسيا اليوم" عن بشار الأسد وشكره بوتين على مساعدة الشعب السوري معلقا.."ما أحقر الطغاة حين يقتلون الشعوب ويتحدثون باسمها في آن". ورأى رئيس تحرير صحيفة "المصريون" جمال سلطان أن "زيارات رؤساء الدول لنظرائهم لها بروتوكول معلن مسبقاً واستقبال لائق، بوتين استدعى بشار الأسد أمس الاثنين سرا واجتمع به بغير إعلان ولا مراسم لكي يكلفه بما يجب عليه فعله الآن، تعامل معه كعميل صغير تافه". وكتب محمد القضايمي على تويتر ساخراً "بدون أي استقبال رسمي وبطائرة شحن عسكرية تم استدعاء بشار الأسد.. ذليل عميل يشكر الروس على تدمير سورية وتشريد شعبها لم يسمح له بوضع العلم أو الجلوس مقابل بوتين". وكتب الإعلامي السوري فيصل القاسم "بشار الأسد في حضن الوطن". لوعة اللقاء وفي اللقاء الثاني لم يجد نتنياهو عقب خطابات الغرام والحب الذي يعبر بها عبد الفتاح السيسي، سوى الكشف عنها ليعلن أمام الكنيست أنه تلقى تحيات من رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري نقلها إليه السفير المصري لدى تل أبيب حازم خيرت. وقال رئيس الوزراء الصهيوني "نتنياهو" في الكلمة التي ألقاها في الكنيست إحياء لذكرى مرور 40 عاما على زيارة الرئيس المصري السادات إلى الكنيست: "التقينا للتو مع السفير المصري لدى إسرائيل حازم خيرت وطاقمه. إنه نقل لي تحيات من عبد الفتاح السيسي ومن وزير الخارجية شكري وأنا هنأت بمناسبة حلول هذه الاحتفالية المهمة". وأتت لافتة نتنياهو بعد صورة المصافحة الحميمية بينه وعبد الفتاح السيسي، لتكشف أن العلاقة السرية أخذت صفة الإشهار، لتدشّن مرحلة جديدة، لم يعد فيها السيسي مضطراً لإطفاء أنوار الاتحادية، حتى يتسلل رئيس الحكومة الصهيوني إلى مقر الحكم في مصر، خفيةً، ولا أن يتخفّى السيسي، وهو ذاهب لتلبية استدعاء من نتنياهو، للقاء في مدينة العقبة، كما جرى في العام الماضي. مع السيسي باتت إسرائيل تشعر بالحرج من هذه الهرولة إليها، طلباً للرضا واستجداءً للدعم، وفي الوقت الذي كان يتندر المصريون على حميمية العلاقة بين الرئيس الراحل أنور السادات وبين مناحم بيجن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، وقال أنور السادات عبارته الشهيرة لرئيس الحكومة الإسرائيلية في تلك الأيام مناحم بيجن”إنت كده بتحرجني مع شعبي”، عند إغارة طيران العدو الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي، وتدميره، عقب اجتماع بينهما. ومن ثمانينيات القرن الماضي، حيث السادات وبيجن، إلى التاسع عشر من سبتمبر 2017 تبدلت المواقع، واختلفت رتوش الصورة، حتى أن ملامح وجه بنيامين نتنياهو وهو يرى السيسي يمعن في إظهار فرحته بالجلوس معه في نيويورك، ويبالغ في إبداء حميمية اللحظة وحرارتها، تشي باستشعار الحرج، إلى الحد الذي لن يكون مستغرباً معه أن يكون نتنياهو قد همس في أذن السيسي، وهو يحاول تخليص يده من قبضته الحارة “لا تحرجني أمام شعبي”. ومع استبدال المشهد في الوطن العربي للحال التي ظهر فيها بشار الأسد مع معلمه بوتين، والسيسي مع نتنياهو تتكشف الحالة التي أصبح عليها العرب في ظل الانقلاب على الربيع العربي، ويفرض السؤال الذي يلوح في أفق العرب نفسه: "هل باتت إسرائيل هي الحاكم الفعلي للعرب؟".