الراصد لتطورات تمكين عصابات الصهاينة من أرض فلسطين يدرك تماما أن المتهم الأول في هذه الجريمة هم العرب حكومات وشعوب، فالحكومات خانت القضية ولا تزال والشعوب بغفلتها وعدم ثورتها على هؤلاء الحكام الخونة الذين لا يزالون يحتلون العروش وكراسي الحكم في بلاد العرب. وأعظم دليل على ذلك هو مشروع صفقة القرن الذي يستهدف ضم الكيان الصهيوني لمنظومة الأمن الإقليمي في إطار من العلاقات السوية والمتبادلة والذي تتباه حكومة العسكر في مصر وحكومة آل سعود ببلاد الحجاز، وعراب الصفقة دويلة الإمارات الشهيرة بإسرائيل العرب! إضافة إلى حكومتي الأردن والبحرين. وجاء نص الوعد المشئوم الذي أرسله وزير خارجية الاحتلال البريطاني آرثر جيمس بلفور كالتالي: «عزيزي اللورد روتشيلد.. يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر". . وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح». بجاحة بريطانية! لم تقف بريطانيا عند حدود جريمة وعد بلفور، بل إن حكومة المحاظفين برئاسة تريزا ماي احتلفت بالذكرى المئوية للوعد المشئوم الذي تسبب في معاناة ملايين المسلمين من أهل فلسطين، وشارك رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو حفل عشاء فى لندن، أقامته تريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا، وكان العشاء بحضور روديريك بلفور أحد أحفاد اللورد بلفور.. فى دلالة بالغة الأهمية. يقول الكاتب والمفكر الدكتور أيمن الصياد في مقاله بالشروق بعنوان « بلفور.. لا سبب للاحتفال هنا.. كما لا منطق للهرولة»: «لم أستغرب أن تقف تيريزا ماي تحت العلم الإسرائيلي لتقول بكل صلافة وحماقة (والوصف لكاتب بريطاني في صحيفة بريطانية): نحن «فخورون» بدورنا في إنشاء دولة إسرائيل «proud of our pioneering role in the creation of the state of Israel»، فمواقف السياسة تصنعها حسابات المصالح، ومعادلات القوى. وليس أقوى اليوم من إسرائيل، كما ليس أكثر وهنا من عرب مزقتهم أطماع سلطة، وأحقاد قبلية، وصراعات طائفية وجدت من ينفخ فيها. ويضيف الصياد في سياق تحليله لموقف الحكومة البريطانية «نسيت السيدة البريطانية، أن تعداد اليهود (العرب بالمناسبة) في فلسطين يومها لم يكن يتجاوز 10%٪ من تعداد السكان، وأن العرب (مسلمين ومسيحيين) كانوا أكثرية ساحقة. ونسيت السيدة البريطانية، التي تطمع في وراثة لقب «المرأة الحديدية»، أن الوعد «التاريخي» الذي احتفلت بمئويته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد كان يقول نصًا بأن ال national home for the Jewish people سيكون في «فلسطين»، وكأنها أرض مهجورة بلا شعب. ونسيت السيدة البريطانية العجوز أن الإمبراطورية «العجوز» أيامها لم تكن لتتبنى هذا الوعد إلا مناكفة «استعمارية» لغريمتها «الاستعمارية» القديمة؛ الإمبراطورية الفرنسية. وأن الوعد لم يكن إلا الفصل الثاني لاتفاق سايكس بيكو. وأن الوعد والاتفاق، كليهما ينتمي إلى قيم وثقافة «استعمارية» لا تنتمي لقيم هذا العصر وحضارته. ونسيت السيدة التي ترأس حكومة دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن أن الدولة «الصنيع» التي وقفت «تفتخر» بإنشائها انتهكت قرارات الأممالمتحدة 32 مرة. (الإحصاء حتى عام 2002). ونسيت السيدة التي تجلس على مقعد ونستون تشرشل، والتي لم تتردد في الخلط بين المقاومة «المشروعة» للمحتل، والإرهاب أن مواطنيها خاضوا لسنوات حرب مقاومة ضد النازي في الحرب الثانية. ونسيت السيدة التي وقفت في القاعة الفخمة تحتفل بضيفها «الإسرائيلي»، وتفتخر بالمناسبة المئوية، أن هذه المنطقة المتوسطة في خرائط العالم لم تشهد استقرارًا منذ صار «الصراع العربي الإسرائيلي» عنوانا. وأن «اللا عدل» القائم على فرض الأمر الواقع، لم يكن ليضمن أبدا سلاما لا يكفله إلا إحساس حقيقي بالإنصاف والعدل. العرب في خدمة الصهاينة ورغم البجاحة والإجرام البريطاني والأمريكي والغربي عموما، لكن المؤسف حقا أن العرب وخيانات حكام العرب على مدار العقود الماضية، كان أكثر من ساهم في تكريس وعد بلفور على الأرض وخدمت الأطماع الصهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم. وحسب الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة فإن «الموقف العربى ليس ببعيد عن الموقف البريطانى، كل ما فى الأمر أن المبادرات العربية انطلقت الواحدة تلو الأخرى، استهدفت جميعها وقف النضال الفلسطينى، كانت هذه المبادرات تأتى دائماً فى أعقاب محاولات فلسطينية لمقاومة الاحتلال، كانت تأتى فى أعقاب كل انتفاضة، مما جعل من مقاومة الاحتلال إرهاباً فى التعريفات العربية المتداولة فى الوقت الراهن، لم يعد هناك أى سند عربى على أرض الواقع لمقاومة الاحتلال الذى أصبح أمراً واقعاً، حتى إن مئوية بلفور لم تجد من يتذكرها سوى فى لندن وتل أبيب». وإذا كانت بريطانيا قد قدمت المساهمة الأكبر فى قيام دولة على أنقاض ودماء دولة أخرى، متناقضةً فى ذلك مع شعاراتها المتعلقة بالعدالة والإنسانية والأخلاق وحقوق الإنسان، «فإن العرب قد ساهموا أيضاً فى ذلك على أرض الواقع، ليس من خلال مواقف متخاذلة فقط، وإنما من خلال خيانات سجلتها الوثائق وكتب التاريخ، منذ عام 1948 وحتى الآن، إلا أن مرور هذه الذكرى المشؤومة هكذا بهذا الصمت، هو دليل آخر على أن الخيانة مستمرة، وهو تأكيد آخر على أن فلسطين لن تتحرر إلا بدماء أبنائها، وأن التعويل على أموال النفط أو ضجيج الميكروفونات، أو حتى طاولات التفاوض، لا يصب إلا فى خدمة الاحتلال، بمزيد من القتل ومصادرة الأراضى، ولنا فى الموقف البريطانى العبرة، وفى مواقف العواصم العربية ألف عبرة!