كشف تقرير صحفي لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، مقامرة قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، بالاقتصاد المصري، بشكل لم يجرؤ أي من أسلافه على خوضها، من خلال تخفيضٍ حادٍ في قيمة العملة، وارتفاع أسعار الوقود بنسبة 50٪ في يونيو الماضي، وتضاعفت كذلك أسعار الغاز المنزلي وتجاوَزَ معدل التضخم السنوي ال30٪، في الوقت الذي يراهن فيه السيسي على الاستثمار الأجنبي، قبل أنَّ يتسبَّب الألم الاقتصادي في حدوث انفجار اجتماعي آخر بمصر. اقتصاد العسكر
ويعتمد السيسي بشكل كبير على اقتصاد العسكر، في تحسين صورته أمام الجيش، واحتكار المؤسسة العسكرية لأرزاق المصريين، وتحكمها في الاقتصاد، وزادَ السيسي، من الدور، الكبير بالفعل، الذي تضطلع به القوات العسكرية في الاقتصاد المصري.
وقال التقرير إنه بالرغم من افتتاح ما يُعرف بمشروع قناة السويس الجديدة خلال عام واحد، فإنه ما زالت هناك حالة من عدم اليقين حول الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع، الذي عول عليه السيسي في أن يكون أمل مصر الاقتصادي، وأشارت إلى أن تنفيذ مشروع توسعة قناة السويس، الذي تكلف 8.6 مليار دولار ممولة بالكامل ب"اكتتاب شعبي"، وتم ضغط الوقت للانتهاء منه في سنة واحدة بدلاً من 3 سنوات- كان إشارة على أن السيسي يكافح لدحر حالة عدم اليقين السياسي التي تعيشها البلاد، والانتقادات الدولية لسجلها في مجال حقوق الإنسان، والاقتصاد البطيء غير القادر على إنتاج ما يكفي من الوظائف لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من السكان.
وأشار التقرير لخسائر قناة السويس بعد التفريعة، حيث ماتزال العائدات السنوية تسير في معدلاتها الطبيعية، دون تحقيق قفزات مفاجئة كما وعد المسؤولون؛ إذ تراجعت إيرادات القناة بنسبة 3.2 في المائة إلى 5.005 مليار دولار في عام 2016، مقابل 5.175 مليار في 2015.
انفجار محتمل
وأكد التقرير أن الملايين من المصريين يصطفون يومياً أمام المخابز الحكومية لشراء 5 أرغفة من الخبز، وهو جزءٌ بسيط من تكلفة القمح. ويمتد الدعم الغذائي إلى نحو 80٪ من الأسر المصرية، وقد تأسَّس هذا الدعم لأولِ مرةٍ كجزءٍ من تقنين الاستهلاك خلال الحرب العالمية الثانية.
ويزرع المزارعون في جميع أنحاء مصر محاصيلهم بمضخات المياه التي تعمل على الديزل، وحتى بعد الزيادة التي حدثت في شهر يونيو، والتي بلغت 55٪، لا يزال سعر بيع الديزل لا يتعدَّى 77 سنتاً لما يقارب ال4 لترات، أي أقل من ثلث أسعار التجزئة في الولاياتالمتحدة.
وقال مسؤولون حكوميون إنَّ المنظومة تضرَّرت، على مدى عقودٍ من الزمن؛ نتيجة إعادة بيع المسؤولين الأغذية، والوقود، والغاز المدعومين، بشكلٍ غير قانوني، للمشترين في مصر وخارجها.
وفي عام 1977، حاول الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، معالجة مشاكل الدعم عندما بدأ فتح الاقتصاد والتخلي عن الإرث القومي الاشتراكي والقومي العربي الخاص بسلفه جمال عبد الناصر. وكجزءٍ من اتفاقيةِ قرضٍ مع صندوق النقد الدولي، أمر السادات بتخفيض الدعم على الخبز والسكر وزيت الطهي.
وأدى الإعلان إلى احتجاجات جماهيرية شلَّت البلاد. وقُتل العشرات، وسرعان ما ألغى السادات قراره.
وتعلَّم خليفته في الحكم، حسني مبارك، الدرس. فعلى مدار 3 عقود هي مدة حكمه، كان مبارك حذراً تجاه المساس بالدعم، حتى عندنا مضى قدماً في تنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي، مثل الخصخصة واتفاقات التجارة الحرة.
واندلعت ثورة يناير 2011 في مصر جزئياً؛ بسبب الفساد والمحسوبية، التي رافقت برنامج التحرير الاقتصادي لمبارك، ومال الشعور العام تجاه الحنين إلى السياسات الاشتراكية للرئيس جمال عبد الناصر.
وزُجَّ بالعديدِ من رجال الأعمال الكبار في السجن، وأُبطِلَت صفقاتُ الخصخصة، وانهارت السياحة، التي تشكَّل قطاعاً هاماً في الاقتصاد، عندما عزف الوافدون المحتملون عن زيارة البلاد. ومع تقلُّص احتياطات النقد الأجنبي، الضروري لاستيراد السلع والخدمات، ساهم نقص الوقود والكهرباء المتاحة، في إعاقة النمو الاقتصادي بصورةٍ أكبر.
وكان قد أصدر السيسي قراراً بتعويم الجنيه المصري، الذي فقدَ نصف قيمته تقريباً أمام الدولار الأمريكي فور تعويمه. ثم وقَّعَت حكومته اتفاقاً مع صندوق النقد في نوفمبر؛ للحصول على قرضٍ قيمته 12 مليار دولار مقابل التعهُّد بخفض دعم الوقود والغذاء.