العلاج على نفقة الدولة بات حلما بعيد المنال في شبة دولة قائد الانقلاب "السفيه"، رغم انتهاء كثير من دول المنطقة من نشر مظلة تأمينها الصحي على مواطنيها، بل وتوفر العلاج المجاني للجميع كما في تركيا. يوميا يتردّد آلاف المواطنين على مقرّ المجالس القومية المتخصصة في مدينة نصر؛ أملا في الحصول على العلاج المجاني، فالمستشفيات ترفض توفير أيّ علاج إلا بعد الحصول على "قرار نفقة الدولة". تطول فترة انتظار القرار، فيموت مريض أو أكثر قبل الحصول على القرار. وفيما يتردّد مرضى كثيرون على المستشفيات يوميا في انتظار قرار علاج الحكومة، تقدّم الحكومة كلّ التسهيلات للأغنياء لتلقي العلاج على "نفقة الدولة" في الخارج، الأمر الذي يكلفها ملايين الجنيهات. الباب الوحيد.. مغلق وتمثل منظومة العلاج على نفقة الدولة الباب الوحيد لملايين المرضى غير القادرين على تحمّل تكاليف العلاج، والذين تمتلئ بهم المستشفيات الحكومية. فيما ترفض مستشفيات تابعة لوزارة الصحة وأخرى خاصة متعاقدة معها، استقبال مرضى لتلقي العلاج على نفقة الدولة، بسبب كثرة الديون المتراكمة على الوزارة لصالح تلك المستشفيات، وعدم سداد الوزارة المبالغ المستحقة من العلاج على نفقة الدولة. وهو الأمر الذي أدّى إلى منع شركات الأدوية والمستلزمات الطبية من تسليم البضائع المطلوبة إلى المستشفيات؛ بسبب الديون المتراكمة عليها، فباتت المستشفيات على أبواب كارثة؛ بسبب قلّة الأدوية المتوفّرة لديها واعتذار الأطباء عن استقبال أيّ حالات للعلاج على نفقة الدولة. ومن المستشفيات التي ترفض تأمين العلاج على نفقة الدولة، نذكر منها: مستشفيات معهد الأورام، والمعهد القومي للسكر، ومعهد المطرية للكلى، فضلا عن عدد كبير من المستشفيات الحكومية. تجدر الإشارة إلى أنّ مستشفيات خاصة كثيرة رفضت، خلال الأشهر الماضية، القيام بغسيل كلى لمرضى يعانون فشلا كلويا، بحجّة أنّ "الوزارة لا تدفع المستحقات والديون المتوجبة عليها". وهو ما دفع مرضى كثيرين إلى تسوّل العلاج، سواء بتغير قرار العلاج على نفقة الدولة إلى مسشتفى آخر، أو العلاج على حسابهم الشخصي. وقد أدّى الأمر إلى وفاة عدد من هؤلاء المرضى، لا سيّما في محافظات صعيد مصر. إلى ذلك، تلجأ مستشفيات عدّة إلى استغلال المرضى وتطالبهم بتحمّل جزء من المصاريف بحجّة عدم تغطية القرار لحالة المريض. رحلة الحصول على القرار وكشف مسئول بالمجالس الطبية، في تصريحات صحفية اليوم، عن أنّ مرحلة البحث عن العلاج على نفقة الدولة طويلة. مضيفا: "يشترط توجّه المريض إلى إحدى المستشفيات للخضوع لكشف طبي، والحصول على تقرير طبي، وآخر من قبل لجنة ثلاثية تبحث حالته، ولابدّ من التأكّد من أنّه غير موظّف، وبالتالي إقرار مدى أحقيّته في العلاج. وفي النهاية، يُبلّغ عبر الهاتف". يضيف أنّ "الأمر قد يستمرّ لشهور، وهو ما قد يؤدّي إلى وفاة المريض في بعض الأحيان"، لافتا إلى أنّ "عدد مرضى الأورام الذين يُعالجون على نفقة الدولة بلغ نحو 90 ألف مريض، وعدد مرضى التهاب الكبد الوبائي من نوع سي الذين يُعالجون على نفقة الدولة هم نحو 27 ألف مريض، فيما يبلغ عدد مرضى الفشل الكلوي الذين يُعالجون على نفقة الدولة نحو 52 ألفا". ويلفت المسئول، الذي رفض الكشف عن هويّته، إلى "فساد كبير في منظومة العلاج على نفقة الدولة؛ نظرا لوجود أبواب خلفية لقرارات العلاج فيما يتعلق بتخفيض نسبة العلاج المقرّرة لكلّ مريض. فأموال تدخل جيوب أشخاص بأعينهم. وهو ما يدفع المستشفيات الخاصة وبعض المراكز الطبية إلى استغلال المرضى ومطالبتهم بنفقات أخرى". ويشدّد على أنّ "الحقّ في العلاج مكفول لجميع المواطنين، لا سيّما الفقراء، بحكم كلّ الدساتير. أمّا المشكلة الرئيسية في العلاج على نفقة الدولة، فتتمثل في الفساد وسوء الإدارة في المجالس الطبية والمستشفيات العامة. وثمّة من يعالَج على نفقة الدولة ولا يستحقّ ذلك، بينما يذهب الفقراء للعلاج على حسابهم الخاص، في ظلّ غياب تام لمبادئ العدالة الاجتماعية". وتصل ميزانيّة المجالس الطبية المتخصصة لعلاج الفقراء إلى ستة مليارات جنيه مصري، إلا أن الروتين يؤدّي بمرضى كثيرين إلى الموت أمام المجالس الطبية والمستشفيات، في انتظار حصولهم على قرار علاجهم على نفقة الدولة، خصوصاً الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل أمراض الكلى والسرطان والكبد". وبذلك يستحيل العلاج على نفقة الدولة إلا للعسكريين والقضاة، فميزانيات العلاج مفتوحة في مستشفيات الجيش والشرطة ولا عزاء للمصريين!.