يتابع الآلاف حالة الحزن التي يعيشها الداعية الإسلامي سلمان العودة ، الذي فقد رفيقة دربه وابنه منذ أيام في حادث مأساوي تابعه الملايين عبر وسائل التواصل الاجتماعي . وكانت الصورة التي نشرها الداعية الإسلامي ، اليوم ، لعلبة "البيتزا" التي طلبها لأسرته ولم يأكلوا منها ، الأكثر إثارة للشجن ، بالإضافة إلى المقال الذي نشره الدكتور العودة على أحد المواقع الإلكترونية ، وضمنه موقفا حدث بينهمتا خلال فترة وجوده في السجن ، وهو ما تكرر مع صورته وهو يفطر مع باقي أفراد أسرته الذين ما ما زالوا على قيد الحياة ، وصورته خلال نومه على حجر إحدى بناته .. الصور كانت مثيرة للأسى على تلك الأسرة التي خسرت الأم والابن في لحظات .
حسابات "العودة" على مواقع التواصل تكتظ بالمتابعين ، ومقالاته أو تدويناته يتلقفها الآلاف ليروا شيخهم وهو يعطيهم درسا عمليا في الحب والوفاء للزوجة والابن.
محتاج للبسمة !
نشر د.سلمان عبر حسابه على "فيس بوك" صورة وهو يضع رأسه على قدمي ابنته الضعيفتين الضئيلتين وهي تضع في شعر رأسه "دبابيس" شعرها، وتضحك بملئ شدقيها"، وكتب "العودة" معلقا، "احتاجك الآن أكثر احتاج ابتسامتك واحتواءك وذراعيك الصغيرتين تطوقان رقبتي".وهو "المنشور" الذي أعجب نحو 155 ألفا وشاركه معه 8 آلاف و800 متابع، فيما وصل عدد المعجبين لبوست علبة البتزا نحو 20 ألفا في ساعتيه الأوليين، وشاركة ما يزيد عن ألفي متابع، بخلاف مئات الآلاف الذي شاهدوا المنشور. وقبل ساعات يرثى "العودة" ولده هشام فيعجب 24 ألف معجب، حيث ينشر مداخلة لهشام وهو يقرأ سورة العصر بقناة المجد إلا أن كلماته كعادته منتقاة فيقول: "قعدت بحجري والسرور يلفني وشنّفت سمعي تاليا سورة العصرِ أراك تعزّيني بها وتلومني على جزعٍ تخشاه من فاجعِ الدهرِ..رحمك الله يا هشام وتقبلك في الشهداء وجعل مقامك في عليين..اللهم ارض عنه فإني عنه راض.. كنت الطيبة والسكينة والصفاء والإيمان..اختارك الله إلى جواره فله الحمد".
إليك في مرقدك واليوم نشر "العودة" مقالا مطولا نشرته أغلب المواقع العربية، بعنوان ""إليكِ.. في مرقدك"، يرثى فيه سلمان العودة زوجته، فيصفه د.طارق السويدان قائلا: "مقال أخي الحبيب وأستاذنا الكبيرد. سلمان العودة في وداع زوجته التي فقدها مع ابنهما في حادث أليم ..معاني الحب والوفاء العميق..رحمهما الله ﷻ وجمعك بهما مع الرسول ﷺ في الفردوس الأعلى من الجنة". وبكلمات مليئة بمشاعر الحزن والمواساة، قدَّم الداعية السعودي الدكتور سلمان العودة تدوينته الأولى بعد وفاة زوجته، والتي حملت رثاءً لشريكة حياته التي فقدها مع ابنته في حادث مروري مروع، مساء الأربعاء 25 يناير 2017.
وقال العودة في مقدمة مقاله الشاجي والحادي متذكرا كيف كانت مرارة الفقد وحرارة الزيارة الأولى له وهو مسجون زيار منحته صلابته على مواجهة الشدائد وأربكت قلبه وزادته إشتعالا، معتبرا أنها زوجته –هيا السياري- داعية ولكن بالسلوك لا بالوعظ، فقال: "لم تكوني داعيةً بالمعنى الوعظي، سلوكك هو ما وعظني ودلّني على الطريق دون كلام أو عتاب.. وها أنتِ ترحلين بثناء الناس وحبهم، وتتركينني للوعة والحنين...". وأضاف "عدتُ للذاكرة، للأشياء الجميلة، فوجدت حروفاً دوّنتُها عنك سابقاً وعن غيبة صغرى بيننا
- السجين رقم (276/1)؟ عندك زيارة. شعور يشبه المغص ألَمّ بقلبه.. مَنْ زائري يا تُرى؟ أهو صاحب سلطة على جسده؟ أم صاحب سلطة على قلبه؟ أم عليهما معاً؟ لا بد أنها عروسه التي غادرها دون أن يستكمل معها 6 أشهر منذ التقيا، وتركها خائفة قلقة على مستقبلها، دون أن يتمكن من منحها لحظة وداع تناسب الموقف؟ وبدأ شلال الحب يتدفق بقوة؛ ليغذّي ويُنمي ما تركه زمناً بلا سقاية، أو رعاية في داخله. يناديه المنطق أن لكل يوم عطاياه، فليتَّئد؛ ولكن الحنين أقوى والشوق أعتى".
ولكن كون اللقاء مقيدا كشف أن "تفاعلات اللقاء الكيميائية والفيزيائية فرضت صمتاً ليس بالقصير، صمتاً أبلغ من الكلام، فالأحداث العظيمة لا تتجلى في ساعات الضجيج، وإنما في ساعات الصمت!
الذكريات المخبوءة بدأت تظهر، وأشياء غير متوقعة صارت تحدث، دروس تضاف إلى درسه، وحتى القرارات الصعبة قد تبدو في لحظات الضعف العاطفي غير منطقية، مما حدا به أن شكك في وضوح رؤيته للأمور".
متلبسًا لا حاكيًا
وقص "العودة" كيف كان ينشدها – قاصدا زوجته قولَ الشاعر العطار: طال اغترابي وما بَيني بمقتضب ... والدهر قد جَدّ في حربي وفي طلبي والشوق في أضلعي نارٌ تذوبني ... ما أفتكَ الشوقَ في أضلاع مغترب! أكابد السقم في جسمي وفي ولدي ... وفي رفيقة دربٍ هَدّها خببي يتذكر تلحينه تلك الأبيات وهو يقود بها السيارة، وها هو الآن صار متلبساً بها لا حاكياً لها! طال الوقوف وناداهما مِن خلفهما صوت الموظف؛ أنّ الجلوس أفضل، وكأنه ينتزعهما من ذهولهما وشرودهما! أظهر جَلداً وصبراً وروحاً مرحاً؛ لتقرَّ عينها ويمتلئ فؤادها الفارغ؛ كانت الأسئلة تتقاتل على شفاههما؛ كُلٌ يريد أن يُطرح أولاً.. كيف.. وهل.. ومتى ولعل وأنى".
أمر على الديار
وأضاف "تتقاطع دوائرنا مع دوائر من نحتكُّ بهم، وتكاد تذوب حدود الدائرة حينما تتقاطع مع دائرة شريك الحياة؛ فقطرة الماء تثقب الحجر، لا بالعنف، ولكن بتواصل السقوط. ولكلٍّ منا دائرته الخاصة، ولو كانت ضبابية يضعها حوله، قد تكون من أجله، أو من أجل من يحب، وهكذا فعل هو حينما رأى انكسارها لانتهاء الزيارة، وخوفها عليه وقلقها، ورحى الفراق مرة أخرى توشك أن تطحنها".
حان الفراق
وفي خاتمة مقاله يتحدث سلمان العودة عن عودته لغرفته وهو "يكاد يحدّث الجدران بفرحته، فهذا اليوم كان مختلفاً، كان طويلاً جداً، وقصيراً جداً. لما أسدل الليل ستاره، بدأ تأثير الزيارة يربك عقله وقلبه، فهل زادته صبراً؟ أم ثقبت جدار الصبر لديه؟وبدأ يترقب زيارة أخرى بفارغ الصبر، ويترقب الزائرين الذين لم يرهم بعد.
ثم يقول بعد إنتهاء شجونه "الآن، يقف حبيبك المكلوم أمام حفرتك باسِم الشفتين، دامع القلب، سلوته أنك لم تذوقي ألم الفقد كما ذاقه هو!" سلمى الخشن تعلق على صورة العودة مقال العودة في رثاء زوجته