قال د.وصفي عاشور، المتخصص في علم المقاصد الشرعية،بمناسبة ذكرى ميلاد الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي الخامسة والتسعين: "لا أحسب أن الأيام ستنجب مثله في المدى المنظور". وأشار عاشور في تدوينة بثها عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، الى ان الشيخ الغزالي عاش أكثر من سبعين عاما، وألف أكثر من سبعين كتابا، وشق قلمه المضيء حجب ظلمات الجهل والبعد عن الله ما يزيد على نصف قرن، فاستضاءت أجيال متعاقبة بهذا القلم الصَّيِّب والكلم الطيب. وأوضح أن الأجيال الجديدة وجدت بغيتها عنده، فأصغى لدرر محاضراته الملايين من المسلمين في المشارق والمغارب، وأخرجت المطابع هذا الكلم الرفيع كتبا ورسائل ومقالات دبجها يراع داعيتنا الكبير تُزوِّد جيل العودة إلى الله بالبحث والحوار العلمي والتوجيه إلى طريق الرشد في ظل القرآن وتحت رايته. يذكر أن الشيخ محمد الغزالى ولد في قرية نكلا العنب، ايتاي البارود، محافظة البحيرة بمصر في (5 من ذي الحجة 1335ه/ 22 سبتمبر 1917م)،وسماه والده "محمد الغزالي" تيمنًا بحجة الإسلام أبي حامد الغزالي، ونشأ في أسرة "متدينة"، وله خمس إخوة، و حفظ القرآن بكتّاب القرية في العاشرة، ويقول الإمام محمد الغزالي عن نفسه وقتئذ: “كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسا في تلك الوحدة الموحشة". التحق بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي وظل بالمعهد حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة (1356ه الموافق 1937م) والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر، وبدأت كتاباته في مجلة (الإخوان المسلمين) أثناء دراسته بالسنة الثالثة في الكلية، بعد تعرفه على الإمام حسن البنّا مؤسس الجماعة، وظل الإمام يشجعه على الكتابة حتى تخرّج بعد أربع سنوات في سنة (1360ه = 1941م) وتخصص بعدها في الدعوة والإرشاد حتى حصل على درجة العالمية سنة (1362 ه == 1943م) وعمره ست وعشرون سنة. وبدأت بعدها رحلته في الدعوة من خلال مساجد القاهرة، وقد تلقى العلم عن الشيخ عبد العظيم الزرقاني، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد أبو زهرة والدكتور محمد يوسف موسى والشيخ محمد محمد المدني وغيرهم من علماء الأزهر. حصل الغزالي على شهادة الثانوية الأزهرية عام 1937 ثم التحق بكلية أصول الدين في العام نفسه، تخرج منها سنة 1941 حيث تخصص بالدعوة والإرشاد. حصل على درجة العالمية سنة 1943. انضم في شبابه إلى جماعة الإخوان المسلمين وتأثر بمرشدها الأول حسن البنا. سافر إلى الجزائر سنة 1984م للتدريس في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسطنطينة، درّس فيها رفقة العديد من الشيوخ كالشيخ يوسف القرضاوي والشيخ البوطي حتى تسعينات القرن العشرين، ونال العديد من الجوائز فحصل على جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية عام 1409ه/ 1989م. وكما كانت حياة الشيخ فريدة كانت وفاته كذلك، فلقد دعي عام 1996 لحضور مؤتمر بالرياض، وترجاه تلامذته ألا يذهب لئلا يتطاول عليه أحد من الأدعياء وكان الأطباء قد منعوه من السفر ومن الانفعال ولكنه صمم على السفر وألقى فيه كلمة وقام إليه أحدهم واتهمه بمعاداة السنة فانفعل الشيخ وعلا صوته وهو يدافع عن موقفه من السنة وكان آخر كلامه: "نريد أن نحقق في الأرض لا إله إلا الله" وأصيب بذبحة صدرية وخر ميتا. ويقول الرجل الذي يتولى دفن الأموات بالبقيع: إن صاحبكم هذا أمره غريب كلما شرعت في حفر حفرة أجد الأرض لا تلين معي حتى جئت هنا ولانت معي الأرض بين قبري نافع مولى عبد الله بن عمر ومالك بن أنس صاحب المذهب المالكي. واستجاب الله دعاء الشيخ الغزالي، فقد كان يقول طوال عمره "اللهم ارزقني الوفاة في بلد حبيبك المصطفى".