قال "تسفي برئيل"، محلل الشؤون العربية بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: إن "التغيرات الإيجابية"، ممثلة في الشكل الذي تظهر به إسرائيل في كتاب دراسي مصري جديد تدل على رياح جديدة تهب من ناحية نظام عبد الفتاح السيسي. وتطرق "برئيل" لكتاب "جغرافيا العالم العربي وتاريخ مصر الحديث" المقرر على الصف الثالث الإعدادي، معلقا على دراسة عبرية قارنت وضع إسرائيل في المناهج المصرية بين عهدي مبارك والسيسي. إلى نص المقال بوادر مشرقة من التغيير تزين الكتاب الدراسي المصري الجديد لتلاميذ السنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية، صحيح أن الكتاب "جغرافيا العالم العربي وتاريخ مصر الحديث" الصادر عن وزارة التعليم المصرية لم ينس وصف إسرائيل بالدولة الاستعمارية، لكنه يشدد على أهمية معاهدة السلام بينها وبين مصر. أجرى الدكتور أوفير وينتر، زميل باحث في معهد أبحاث الأمن القومي القريب من جامعة تل أبيب، دراسة مقارنة بين الكتاب الجديد والمناهج الدراسية السابقة في عصر حسني مبارك، ليجد عددا من النتائج المضيئة، من شأنها التدليل على الرياح الجديدة التي تهب من اتجاه نظام عبد الفتاح السيسي. ويشير "وينتر" إلى أن الكتاب الجديد يضم للمرة الأولى صورة مناحيم بيجين إلى جانب أنور السادات، وأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يحظى فقط ب12 صفحة، بدلا من 32 في كتاب سابق صدر عام 2002، بينما أدرج الحديث عن السلام بين إسرائيل ومصر في 4 صفحات مقابل 3 في الكتاب المدرسي السابق. ويشمل عرض أهداف الدرس عن السلام مع إسرائيل تحليل أسباب مبادرة السلام التي قام بها السادات، وتدريس مواد المعاهدة وعرض مزاياها بالنسبة لمصر والعالم العربي. ويوضح الكتاب أن تلك الأهداف الدراسية تتعلق بأهداف أوسع، كمكافحة العنف والتطرف والإرهاب. صحيح أن أجزاء من الكتاب نُسخت بكاملها من كتب في فترة مبارك، لكن بالنسبة ل"وينتر" فإن عددا من التغيرات اللفظية يشهد على التوجه الجديد. على سبيل المثال، نجد جملة "لإقامة علاقات طبيعية، سياسية، اقتصادية وثقافية بين الدولتين" التي نسخت من الكتاب السابق، قد أُتبعت بصفة "ودية" في الكتاب الجديد. أيضا فيما يتعلق بالموقف من اتفاقيات أوسلو، هناك تحديث للكتاب على أن الاتفاقية ثمار جهود مشتركة لشيمون بيريس ومحمود عباس، لكن الفقرة في معاهدة كامب ديفيد التي قيل فيها إن المعاهدة تهدف بما في ذلك إلى "تلبية الحقوق الشرعية للفلسطينيين"، لا يأتي الكتاب الجديد على ذكرها. في مقابل ذلك، التوقعات التي تقول إن "الطريق للسلام لا يزال بعيدا"، والتي ظهرت في الكتاب القديم، حُذفت تماما من الكتاب الجديد. ويؤكد "وينتر" أن الحديث يدور عن كتاب واحد، يستهدف شريحة عمرية واحدة، وأنه لا يمكن أن يدل ذلك على إصلاح شامل يتوقع أن يحل بمنظومة التعليم المصرية، وبالطبع ليس في منظومة التعليم في دولة عربية أخرى. في هذا السياق من الضروري التذكير بالاضطرابات التي اندلعت في دبي العام الماضي، بعد أن وصلت شكوى لوزارة التعليم في الإمارات تقول إن إسرائيل تظهر في كتاب مدرسي بإحدى المدارس الخاصة كمنوذج للتطور الزراعي، وعلى أنهم يسمون إسرائيل باسمها. المشكلة هي أن المناهج الدراسية في مصر ومعظم الدول العربية، إن لم تكن كلها، لا تزال تعتبر إسرائيل عدوا. التغيرات في الكتاب المدرسي المصري هي جزء من دعوة السيسي لإعادة فحص المناهج الدراسية واستبعاد التعبيرات التي ترسخ العنف والتطرف الإسلامي. إذا لم تحظ إسرائيل إلا بالقليل من الفتات بعد ذلك، فليس عليها أن تشكو، لكن ما يدعو للاستغراب الآن.. لماذا تتجنب الحكومة الإسرائيلية- الحريصة في كل مناسبة على توضيح إلى أي مدى تعج المناهج الفلسطينية بالتحريض- الإشارة إلى التعبيرات الحادة ضد إسرائيل واليهود في مناهج أصدقائها العرب؟. هل مثلا سمع أحد كلمة تنتقد المناهج الدراسية السعودية، تلك الدولة التي دائما ما تذكر على أنها حليف محتمل في الائتلاف المتخيل مع إسرائيل؟ وماذا بالنسبة للإمارات؟. جابر الحرمي، رئيس تحرير صحيفة "الشرق" القطرية، رد على دراسة وينتر، التي تناقلها الإعلام العربي، انتقد فيها السيسي، وقال إنه "يغير المناهج الدراسية لتعزيز مسار التطبيع مع إسرائيل". كذلك سارع الكاتب المصري محمد المنشاوي لانتقاد السياسة التعليمية للسيسي ووصف الظاهرة ب"التطبيع الجديد"، الذي يهدف إلى "خدمة الإستراتيجية الإسرائيلية، والتي تقضي بأن "الاحتلال ليس هو أصل المشكلة الفلسطينية وليس قضية الدول العربية”. لم يزعج الإعلام المصري نفسه بتحليل المناهج الدراسية الجديدة، وفي المقابل انشغلت وسائل إعلام عربية بكتاب المواطنة الإسرائيلي الجديد، الذي يتضمن- على حد زعمهم- أسسا للعنصرية والفاشية، و"يفرض على العرب الاعتراف بالطابع اليهودي للدولة". ربما في اليوم الذي سيكون بإمكان باحثين مصريين أو أردنيين نشر بحث عن منهج دراسي جديد، تعترف فيه إسرائيل بجزء من مسؤوليتها عن النكبة- فلن تكون هناك حاجة لميكروسكوب لاكتشاف نقاط ضوء في المناهج الدراسية المصرية والأردنية والفلسطينية.