40 عامًا مضت على غرس بذور النضال من جديد في أرض الرباط من أجل الصمود في وجه مخططات الاحتلال الصهيوني، في أول تحرك يلمس باليدين على أرض الواقع بعد اتخاذ الكيان العبري في عام 1976 قرارًا من إسحق رابين ومسئول أمنه شمعون بيريز آنذاك، بمصادرة 21 ألف دونم من أراضي يملكها مواطنون عرب في الجليل لإقامة عدة مدن يهودية في المنطقة تضم أغلبية سكانية عربية، وسمت حكومة الصهاينة مشروعها "مشروع تطوير الجليل" لتدشن دون أن تري انتفاضة شعبية حاشدة تحولت إلى ملحمة "يوم الأرض". الأراضي المستهدفة بالمشروع الاستيطاني الصهيوني تقع ضمن النطاق الجغرافي لقرى "سخنين" و"عرابة" و"دير حنا" و"عرب السواعد"؛ حيث كان الحاكم العسكري الإسرائيلي قد أقام منطقة عسكرية مغلقة سماها "منطقة 9" لم يكن بإمكان أصحابها من المزارعين دخولها إلا بتصريح من الحاكم العسكري يجدد كل ثلاثة أشهر.
في أعقاب قرار المصادرة اجتمعت لجنة الدفاع عن الأراضي التي كانت قد تشكلت عام 1975 برئاسة القس شحادة شحادة لبحث سبل التصدي لقرار المصادرة، وخرجت بقرار بإعلان إضراب شامل لمدة يوم في الثلاثين من مارس بين أواسط فلسطينيي عام 1948، غير أن السلطات الإسرائيلية بدأت العمل لإجهاض الإضراب عبر تحريض رؤساء المجالس المحلية العرب الموالين لها، وكان معظمهم أعضاء في حزب العمل.
وفي الاجتماع الذي عقده رؤساء المجالس المحلية للقرى والبلدات العربية في الداخل لبحث الموضوع صوت هؤلاء لصالح إلغاء الإضراب، في حين صوت 11 رئيس بلدية ومجلس محلي لصالح دعمه.
وبين هؤلاء رؤساء بلديات أكبر المدن العربية الناصرة وتوفيق زياد وأم الفحم وهاشم محاميد، إضافة إلى رؤساء مجالس يافة الناصرة وسخنين وعرابة والرامة والرينة والمغار وكفر مندا ودبورية وطرعان، وبدأ هؤلاء حملة تحريض منظم على الإضراب، وسرعان ما تحول الأمر إلى صراع إرادات بين فلسطينيي 1948 وحكومة إسحق رابين، فقد اتخذ رابين وبيريز قرارًا بحظر التجول في تلك المناطق في ذات التاريخ الذي حدده القادة للإضراب، وأرسلا وحدات من الجيش والشرطة مع أوامر باستخدام الرصاص الحي لقمع تحرك الفلسطينيين الذي بدأ مساء ال29 من مارس الماضي.
وبدأت الحملة الإسرائيلية باستهداف مظاهرة خرجت في قرية دير حنا ثم انتقلت القوة المهاجمة إلى مظاهرة أخرى في قرية عرابة المجاورة، حيث استخدم الرصاص الحي إلى جانب القنابل المدمعة فسقط الشاب خير ياسين ليكون أول شهداء يوم الأرض. الشهيد الثاني.
وفي صباح اليوم التالي لم يمنع القمع وحظر التجول الفلسطينيين من الخروج للتظاهر في بلدة كفر كنا؛ حيث سقط الشهيد الثاني محسن طه برصاصة في الرأس، وعند خروج أهالي سخنين في مظاهرتهم واجههم الجنود ورجال الشرطة بالرصاص فسقط ثلاثة شهداء، هم خديجة شواهنة ورجا ريا وخضر خلايلة.
قوبلت هبة فلسطينيي 1948 في يوم الأرض -وهو الأول على هذا المستوى منذ عام 1948- بتضامن من قبل فلسطينيي الشتات في الضفة الغربية ولبنان وأماكن أخرى؛ حيث أعلن يوم الثلاثين من مارس يوما للإضراب العام، ومنذ ذلك التاريخ بات هذا اليوم أيقونة لكفاح الفلسطينيين ضد سياسة التهويد يحتفى به داخل فلسطين وخارجها.
أما في إسرائيل فقد فوجئت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بحجم الجرأة التي أبداها الفلسطينيون في مواجهة الشرطة والجيش مستخدمين قنابل المولوتوف والحجارة والإطارات المحترقة، وعبرت عن ذلك الشهادات التي أدلى بها الجنود المشاركون بقمع الانتفاضة للصحف الإسرائيلية.
ومع حلول الذكرى الأربعين ليوم الأرض تعالت دعوات الإضراب العام والمشاركة بالمسيرات والفعاليات للتأكيد على التمسك بالهوية والأرض الفلسطينية؛ حيث عم في الداخل الفلسطيني المحتل عام48، الإضراب فى جميع البلدات والمدن الفلسطينية منذ ساعات الصباح، فيما ستشهد البلدات مسيرتين مركزيّتين في البطّوف والنّقب، تتويجًا لجملة من الفعاليّات المحليّة.
ودعت لجنة المتابعة العليا إلى الالتزام بالإضراب العامّ والمشاركة في مختلف الفعاليّات التي أقرّت بهذه المناسبة؛ حيث تبدأ الفعاليات بمسيرات نحو أضرحة الشّهداء الستة الذي استشهدوا في الثّلاثين من آذار عام 1976، وهم؛ خير ياسين من عرابة البطوف؛ وخديجة شواهنة وخضر خلايلة ورجا أبو ريا من سخنين؛ ومحسن طه من كفركنا؛ ورأفت الزهيري من مخيّم نور شمس في طولكرم واستشهد في مدينة الطّيبة.
كما تم تنظيم مسيرتين مركزيّتين عصر اليوم الأولى في عرّابة البطّوف، والثّانية في قرية أم الحيران في النّقب، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، أعدت العديد من الهيئات والمنظمات برنامجاً من الفعاليات الشعبية والجماهيرية التي من المتوقع أن تنفذ على مدار ساعات اليوم، فيما انطلقت فعاليات أخرى يوم أمس الثلاثاء تمثلت بزارعة الأشجار بالقرب من السياج الفاصل ما بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام48، وفي الشتات، ينظم الفلسطينيون سلسلة من الفعاليات المتزامنة مع هذه الذكرى، مؤكدين من خلالها على وحدة الهوية الفلسطينية بمختلف مناطق تواجد الفلسطينيين.