دخل توفيق عكاشة في صدام عنيف مع ما تبقى من وعي المصريين بحقيقة العدو الصهيوني، واستضاف في بيته- على مسمع ومرأى من أجهزة المخابرات والعسكر- السفير الصهيوني، وأطعمه بطًّا ودجاجًا مصريًّا، وصب له خمرا معتقًا في كأس الوطن!. وبات من الواضح أن عكاشة يعمل في جناح مغاير للجناح أو الأجنحة التي يعمل لها إعلاميون وسياسيون في ماكينة الانقلاب العسكري، وباتت خطوة "عكاشة" محيرة لمن لا يربط طرف الخيط بنهايته، وطرفه في يد السيسي، ونهايته في تل أبيب، ويمر عبر البيت الأبيض وبؤر الاستعمار التاريخية، والمؤكد أنها تأتي في سياق حالة تفكك شامل للجبهة التي تشكلت في 30 يونيه 2013 للإطاحة بحكم الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي. فى بيتنا جاسوس بات من الواضح أيضًا أن توفيق عكاشة لا ينبغي التعامل معه باستخفاف أو سخرية، بعدما اعترف بنفسه بأن ظهوره بشخصية الساذج الأبله إنما كان جزءا من خطة لجذب انتباه الرأي العام، وقد نجح بالفعل في ذلك حتى وصل إلى فوزه في انتخابات برلمان "الدم"، بعدما حصل على أعلى نسبة من الأصوات في هذه الانتخابات على الإطلاق. السبب الثاني الذي يجعلنا نتعامل بجدية مع زيارة السفير الصهيوني إلى بيت توفيق عكاشة، هو خطورة ما يبثه من رسائل، وانحطاط معظمها بشكل يجعل السخرية منها أو مجرد الضحك عليها تقصيرًا يقترب من الجريمة!. علاقة قديمة بعد فضيحة استضافة "عكاشة" لسفير العدو الإسرائيلى فى منزله، وهى الخطوة التى استغربها البعض، انكشف الود بين عكاشة وسفير العدو الصهيونى بالقاهرة، بل ليس سرا أن العلاقة بين عكاشة والمسؤولين الإسرائليين، سواء فى السفارة الإسرائيلية أو فى إسرائيل نفسها، بدأت منذ سنوات، وأن حالة الانبهار والعشق والحب الحرام بين عكاشة وإسرائيل لم تظهر فجأة، وكأن هذا الحب والعشق الحرام للعدو الصهيونى يسرى فى دمه منذ سنوات!. وما قالته المذيعة الشهيرة منى عبد الوهاب، عقب قيامها منذ سنوات بتصوير إحدى حلقاتها مع توفيق عكاشة، ببرنامج المقالب الشهير «الحكم بعد المزاولة»: إن أكثر ضيف صدمها هو الإعلامى توفيق عكاشة، واكتشفت أنها هى التى أخذت «مقلب» بعد أن كانت تعمل مقالب فى الضيوف، حيث إنها صدمت فى رد فعل عكاشة، حيث إنه دائما ما يعلن وجهة نظره فى الماسونية والمؤامرة الصهيونية وفي عدائه لليهود، من خلال برنامجه على قناة الفراعين، إلا أنها بعد أن بدأت فى طرح أسئلتها عليه، اكتشفت أن لديه ازدواجا فى آرائه، وأنه موافق على تصدير الغاز لإسرائيل، ويرى أن القدس أرض إسرائيلية، وأن هناك آيات فى القرآن تقول ذلك، وأن العرب والمسلمين ليس من حقهم الذهاب للقدس إلا كزوار، وأنها عندما قالت له: "إنهم قناة إسرائيلية وليست قناة فرنسية" رحب جدا، بل ووصف الشعب الإسرائيلى بأنه شعب طيب، وأنه زار إسرائيل 3 مرات، وله أصدقاء فى الحكومة الإسرائيلية!. مؤخرا بدأ البعض ينتبه إلى أهمية دراسة وتوثيق ظاهرة عكاشة بعد صدور كتاب "حاوي الثورة المصرية" للبروفيسور "والتر أرمبرست"، صاحب كتاب "الثقافة والحداثة الجماهيرية في مصر"، وهو كتاب يحاول دراسة عكاشة بطريقة علمية. الأمر لا يقتصر على عكاشة وحده، بل إن مسرحية نائب "الدم" مصطفى بكري، لن تنطلي على طفل صغير، حيث إن حديث عكاشة عن إسرائيل ودوره في التمهيد لشيطنة المقاومة وإنكار حق الفلسطينيين في أرضهم، وهو خطاب انتشر مؤخرا على لسان مثقفين وسياسيين مؤيدين للانقلاب، ومنهم بكري وغيره. قد يكون مفهوما أن يستضيف عكاشة سفير العدو الصهيوني، ويهاجم حركة حماس أو حتى فصائل المقاومة الفلسطينية، مثلما يقوم به غيره من أذرع السيسي الإعلامية بذريعة "كاذبة"، وهي أنهم يهددون الأمن القومي المصري، لكن عكاشة تفوق عليهم بخطابات صريحة في مدح إسرائيل وتبنّي خطابها. دائما ما يروج إعلاميو مبارك والسيسي أن ثورة يناير ما هي إلا مؤامرة خارجية، ورغم هذا لم يثبت هذا الزعم على الإطلاق، بل بالعكس ثبت أن نظام مبارك ومن بعده طنطاوي والسيسي، الأكثر اقترابا من إسرائيل، ليس على مستوى السياسات فحسب، بل بالخطاب أيضا، وبما أن حديثنا اليوم عن عكاشة، فلنسترجع أبرز ما قاله عن القضية الفلسطينية وإسرائيل. إسرائيل وأذرعها في مصر "أنا عايز أوجه رسالة للشعب الإسرائيلي، أيها الشعب الإسرائيلي، وجود مرسي رئيسا لمصر لن يجعلك تعيش آمنا مطمئنا، انس ذلك"، كان هذا ما قاله عكاشة قبل الإعلان عن نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2012 بين محمد مرسي وأحمد شفيق، عندما ظهر عكاشة محذرا مما أطلق عليه "الشعب الإسرائيلي" من أن مرسي يمثل خطرا عليه وعلى "المواطن والشاب والفتاة في إسرائيل"، والمفارقة أن هذا الكلام الذي ينضح بالعمالة والارتزاق كان في إطار اتهام عكاشة لمرسي والإخوان بأنهم عملاء للولايات المتحدة!. بعد ذلك ظهرت فضيحة أخرى تخص برنامج "الحكم بعد المزاولة"، التي تقوم فكرته على عمل لقاء مع أحد الشخصيات، والإيحاء بأن هذا اللقاء سيذاع في قناة إسرائيلية، وكانت النتيجة طبعا أن كل الشخصيات كانت تصاب بالغضب، ما عدا عكاشة، الذي أعلن قبوله الظهور في استضافة قناة إسرائيلية وبرنامج إسرائيلي، كما وافق على تصدير الغاز لإسرائيل، وأكد أنه معترف بحق اليهود في "تراثهم" في الأراضي الفلسطينية، وأنه ليس للعرب في القدس إلا الأقصى، (جاء بعده يوسف زيدان ليلغي هذا الحق الوحيد أيضا ويعطيه لإسرائيل). لكن عكاشة اعترض على إذاعة الحلقة بعدما اكتشف أنها عبارة عن "برنامج مقالب مصري"، قائلا: إن ما يقوله في "قناة إسرائيلية" غير الكلام الذي يقوله في قناة مصرية، يقصد بالطبع اتهام الثوار بالعمالة لإسرائيل التي يذوب عشقا فيها. وجد عكاشة من الجرأة والصفاقة بعد الانقلاب ما يسمح له بأن يجهر بتلك الآراء علنا، أثناء العدوان الإسرائيلي على القطاع، في ظل نظام هو الأكثر إخلاصا لإسرائيل. تعددت خطابات العشق والغرام من عكاشة لإسرائيل، حيث وصفها بأنها "دولة جارة"، رافعا لهم القبعة على قتلهم المئات من أبناء الشعب الفلسطيني، وواصفا فصائل المقاومة ب"الإرهابية"، حتى إنه رفع الحذاء أكثر من مرة في وجه المقاومة ومن يؤيدها أو يدعو إلى إرسال مساعدات إلى غزة- "ما تروح في داهية باللي فيها"- هكذا وصف عكاشة غزة أثناء العدوان الأخير. تعدى عكاشة مراحل الانحطاط كلها حتى وصل إلى المطالبة بقصف غزة بالتعاون مع إسرائيل، مؤكدا أن إسرائيل لن تمانع في ذلك، ما دام الهدف ضرب "الإرهاب"، مستنكرا إرسال قوافل مساعدات إلى غزة، ومتهما الشعب الفلسطيني بأنه "شعب باع قضيته وباع نفسه" وموجها لهم السباب، وهو ما جعل التلفزيون الإسرائيلي يحتفي بأقواله تلك. وطالب عكاشة بترشيح إسرائيليٍ لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، قائلا: إن ذلك لم يخطر ببال أحد، لكنه أمر طبيعي جدا من صاحب الخطاب المعسول تجاه الكيان الصهيوني. امتد الخطاب العكاشي إلى قناة الفراعين التي يرأسها، ووجدنا عنوانا لأحد الأخبار التي تذيعها القناة عن انتفاضة السكاكين لتصفها بأنها "موجة من الإرهاب الفلسطيني تجتاح إسرائيل". السيسي يحميه قبل جولة الإعادة من انتخابات البرلمان، ظهر عكاشة مرتديا الجلباب وسط أهالي دائرته، على طريقة الفنان عادل إمام في فيلم "الواد محروس بتاع الوزير" ليتحدث عن بطولاته في "القدس"، متفاخرا بأنه حصل على تصريح بزيارة المسجد الأقصى من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأنه اعتصم أمام المسجد بعد منعه من الدخول، ليتصل به وزير الداخلية الإسرائيلي ليسمح له بدخول الأقصى ليقوم بتصوير المغارة، التي زعم أن آدم وحواء التقيا فيها!، مدعيا أن المسجد الأقصى المتعارف عليه من الجميع ليس المسجد الحقيقي، وإنما هو في الحقيقة عبارة عن مغارة تحت الأرض، وأن المتعارف عليه الآن هو مسجد الوليد بن مروان وتم بناؤه بعد وفاة الرسول محمد. يضيف عكاشة أن المكان الذي صلى الرسول فيه إماما بالأنبياء في حجر داود، يوجد بعده ب 150 مترا هيكل سيدنا سليمان عليه السلام، ولو تم الحفر في تلك المنطقة لوجدوا الهيكل. نلاحظ هنا تشابه الهدف من هذا الكلام مع كلام يوسف زيدان في إنكار حق المسلمين والعرب في المسجد الأقصى، فهو دعوة مباشرة لإسرائيل إلى الاستمرار في الحفريات التي تقوم بها تحت المسجد الأقصى بحجة العثور على هيكل سليمان. لكن في الوقت الذي يقول فيه زيدان كلاما منمقا يصلح للمثقفين والطبقات العليا والمتوسطة المتعلمة، يتولى عكاشة مهمة توصيل نفس الخطاب إلى الشرائح غير المتعلمة من المجتمع. ومثلما اعترف يوسف زيدان بأن ما يقوله عن الأقصى إنما يأتي ضمن خطة وضعها مع السيسي، فإن الأخير يساند عكاشة ويحميه من الحبس رغم صدور أحكام قضائية نهائية بحقه في عدة قضايا، وهو أمر ليس غريبا على السيسي الذي تدخل قبل ذلك ومنع حبس أحمد موسى، وسمح له بالسفر معه إلى ألمانيا رغم صدور حكم نهائي بحبسه أيضا. وربما تعود العلاقة بين عكاشة والسيسي إلى ما بعد الثورة مباشرة، عندما كان عكاشة مسؤولا عن إطلاق شائعة أن السيسي ينتمي إلى الإخوان المسلمين، لينخدع فيه الجميع بمن فيهم الإخوان الذين صدقوا بالفعل أنه شخص يميل إليهم. المذهل أن عكاشة تحدث أمام أنصاره بكل أريحية عن اتصالات ومقابلات مزعومة مع مسؤولين إسرائيليين وسط أنصاره، دون أن يثير هذا الحديث في أنفسهم أي استنكار، فهو يقول بوضوح إنه "مطبع" مع إسرائيل، ولديه علاقات معهم، لكنهم لا يحركون ساكنا، وفي النهاية يزعمون أن شباب الثورة عملاء ويقابلون أمريكيين وإسرائيليين دون أن يقدموا دليلا واحدا على مزاعمهم، بينما يصارحون أتباعهم بحقيقتهم بكل وضوح وبساطة. يبدو أن مهمة المسيخ الدجال من أسهل ما يكون. استعاد عكاشة شخصيته الحقيقية بعد فوزه بعضوية برلمان "الدم"، وبدأ يتحدث برزانة غير معتادة عليه، وهو ما أثار دهشة كثيرين، لذلك يجب توثيق هذه الأفعال جيدا حتى لا يعود مرة أخرى إلى شخصيته البهلوانية إذا جد جديد، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى التسامح معه عندما تحين ساعة الحساب، وهي آتية بالتأكيد. ومن حق كل مصري أن يسأل عكاشة هذه الأسئلة: - ما شكل التطبيع مع إسرائيل؟ هل سيكون شبيها بما قام به خالك فاروق الفقى، الذى أعدم رميا بالرصاص بعد تورطه فى خيانة وطنه وبيع نفسه للموساد من أجل الساقطة هبة سليم؟ - أم أنك ستكتفى بالزيارت لأرض فلسطين لكى تشاهد كيف يتم قتل وذبح وحرق أطفالنا فى فلسطينالمحتلة على يد جنود العدو الإسرائيلى؟ - أم أنك تنوى تمويل قناتك «الفراغين» بأموال الصهاينة من خلال صفقة إعلانات مشبوهة مع رجال أعمال يهود؟ - أم أنك سوف تستعين بالعلماء الصهاينة لزراعة أراضيك التى لا نعرف حتى الآن كيف حصلت عليها؟.