أثار قرار حكومة الانقلاب تخفيض المساحات المنزرعة بالأرز للخُمس بدعوى الحد من استهلاك المياه موجةً من الغضب والاستياء بين المزارعين والتي تفاقمت جرَّاء تعدد الأزمات والمشكلات التي تعرضوا ولا يزالون في ظل الانقلاب العسكري؛ حيث تجاهلت حكومة الانقلاب في قرارها عدة أمور؛ من شأنها إلحاق الضرر بالفلاح والتربة والاقتصاد. بالنسبة للفلاح يمثل الأرز المحصول الرئيسي الذي يحقق له قدرًا من الاكتفاء من خلال تخزينه كطعام لأسرته، فضلاً عن بيع جزء منه يمكنه من سداد تكاليف الزراعة وإيجار الأرض الذي وصل لأكثر من أربعة آلاف جنيه للفدان، وهو ما لم يتحقق من زراعة محصول الذرة؛ حيث يصفه الفلاحون بأنه لا يكفي "لأكل القديد"؛ حيث يباع محصول الفدان بحوالي 1500جنيه، وأن هذا المبلغ لا يكفي لسداد الحد الأدنى من المصروفات التي ينفقها المزارعون عليه.
وتحتاج زراعة الذرة لعدد كبير من شكائر الأسمدة والتي يأتون بها في الغالب من السوق السوداء بواقع 170جنيهًا للشيكارة؛ نظرًا لأن الحصول عليها من الجمعية الزراعية صعب للغاية بخلاف أجور العمال ويرون أن الخسارة مؤكدة, وليس بمقدور أي فلاح تحملها، مؤكدين أن زراعة الذرة لن تأتي بالمحصول الطبيعي لها؛ لأنها تحتاج إلى تربة خصبة ومياه قليلة، وبالتالي فإن تقليل المساحات المخصصة لزراعة الأرز سيؤدي إلى كارثة وخراب بيوت خصوبة التربة.
لم تقتصر كارثة حكومة الانقلاب على تخفيض مساحة زراعة الأرز عند حدود تضرر الفلاحين فحسب، بل كشف خبراء زراعيون أن لها تداعيات خطرة على التربة ذاتها تتمثل في تقليل خصوبة الأرض وزيادة نسبة الملوحة بها، مؤكدين أن معظم الأراضي بالوادي الجديد لا تصلح لزراعة أي محصول إلا بعد زراعة محصول الأرز عليها، مشيرين إلى أن تطبيق هذا القرار يعمل على تبوير معظم الأراضي الزراعية.
فمن جهته قال محمد العقاري خبير زراعي إن الأراضي القديمة نسبة الملوحة بها عالية مما يستلزم زراعة الأرز فهو بمثابة غسيل سنوي للتربة لا غنى عنه مشيرًا إلى أن زراعة الأرز لا تحقق مكاسب للفلاح بل تحقق مصلحة مصر في تطهير أراضيها.
واعتبر العقاري في تصريحات صحفية أن الحكومة تعتمد في قراراتها على رأي حفنة من المنتفعين التي تسهل وتبارك أي قرار؛ بغض النظر عن كونه في صالح أو ضد الفلاح.
ويرى أن زراعة الصحراء بالذرة أفضل بكثير من الأراضي القديمة التي يرتفع فيها المياه الجوفية لعدم كفاية المصارف الزراعية، وأشار العقاري إلى أن هناك شبكات عنكبوتية مستفيدة من استيراد الذرة الصفراء من الخارج لاستخدامها في الصناعات المختلفة تمنع تشجيع الفلاح على زراعتها لعدم تعهد الحكومة بحديد سعر تشجيعي لتوريد الذرة.
وأوضح العقاري أن الفلاح كان يزرع الذرة البيضاء كمحصول رئيسي؛ بهدف خلطها مع القمح لصناعة رغيف الخبر الفلاحي مشددًا على ضرورة وضع سياسة تسويقية حتى لا يترك الفلاح فريسة لجشع التجار وتحديد سعر عادل للتوريد وتقليل الفجوة الكبيرة بين سعر التوريد والسوق السوداء.
ووصف المهندس سيد أبو سمية "خبير زراعي" قرار تخفيض مساحة زراعة الأرز إلى الخمس بالخاطئ بكل المقاييس، معتبرًا أن منع زراعة الأرز بحجة الحفاظ على الخزان الجوفي أكذوبة؛ لأن معظم الدول المجاورة، وخاصة ليبيا تقوم بالسحب الجائر من الخزان الجوفي، ولم نسمع أي مسئول يتكلم عن هذه الظاهرة.
وأكد في تصريحات صحفية أن منع المياه عن زراعات الأرز ليس الحل؛ لأنه سيتم منعها من الآبار الحكومية فقط، ولكن هناك مساحات شاسعة ستزرع بعيدًا عن آبار الحكومة عن طريق العيون السطحية، موضحًا أن الحل الوحيد أن يمنع الآبار التي تقوم بالسحب من الخزان الجوفي داخل الشريط الحدودي الليبي.
وفي السياق كشف سمير النجاري عضو لجنة تصدر محصول الأرز عن فضيحة جديدة تسبب فيها فشل إجراءات حكومة الانقلاب في تسويق محصول الأرز وتصدير الفائض منه في تحقيق المستهدف ما دفعا لاتخاذ قرار تخفيض زراعته.
وأضاف النجاري في تصريحات صحفية أن حجم الإقبال على أرز البطاقات شهد انهيارًا بعد تطبيق منظومة التموين الجديدة، وتراجعت مناقصات التوريد من 110 آلاف طن شهريًّا إلى ما يتراوح بين 15 و22 ألف طن.
وأوضح أن هذا التراجع الكبير في الطلب على أرز البطاقات سببه ارتفاع أسعاره في المنظومة الجديدة عن سعر تداوله في السوق الحرة.
وأشار النجاري إلى أن ربط منظومة التصدير بتوريد السلع التموينية أصاب عملية التصدير بالشلل التام، في ظل تدني الكميات الموردة وتوقفها في الوقت الحالي، بما أدى إلى وقف إصدار أي رخص جديدة.
وكشف عن تحذيرات سابقة من شعبة تصدير الأرز منذ صدور القرار، لجميع الجهات الحكومية من فشله في تحقيق الهدف التصديري؛ لأن منظومة التموين بها قصور.