هو أسبوع حافل لمسلمي القارة العجوز بعد تنامي أحداث العنف الممنهج من جانب المتطرفين في ألمانيا وهولندا والسويد، في ظل فزاعات أطلقها المتعصبون ضد الإسلاموفوبيا أو تزايد عدد المسلمين في المجتمعات الأوروبية بشكل ينذر بأسلمة القارة بحلول عام 2025 على أقل تقدير، إلا أن تعدد تلك الحوادث وتوالي الوقفات الاحتجاجية وتزايد المظاهرات والنيل من الإسلام لم تكن لتستثير حكام المسلمين مثلما أثارها حادث التعدي على صحيفة "شارلي إيبدو" والتي خلفت قتلى وجرحى بينهم ضابط مسلم. الحادث الذي أثار ردود أفعال واسعة وحالة من الاستنكار العالمي لما وصفوه بالعمل الإرهابي، دون أن يلمح أحد من قريب أو بعيد إلى الرسوم القذرة والمسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم بقليل من عبارات الشجب أو الإدانة أو حتى الاستياء، ولو من باب ذر الرماد في العيون، أو الحديث عن أن الحادث إن وقع وفق السيناريو المعلن يندرج تحت بند رد الفعل لموقف صحفي مستفز لمشاعر المسلمين ولا يمت لحرية الإعلام أو استقلال الصحافة بصلة. وزير الأوقاف الانقلابي ربما منح صك البراءة لمرتكبى عملية شارل إيبدو دون أن يدرى، ولو أمام المسلمين على الأقل، عندما تحدث في وقت سابق عن استهداف أبو جهل في غزوة بدر الكبرى، حيث ابتدر طفلان للصحابي عبد الرحمن بن عوف للسؤال عن أبو جهل رأس الكفر، وعندما استفسر عن سبب البحث عنه كانت الإجابة واحدة من صبيين بأنهم سمعا أنه يسب رسول الله، إذن سب رسول الله فعل يستوجب القتل أو هكذا فهمنا من علماء الدين، وإن لم يستوجب القتل فعلى أقل تقدير يستلزم الرد الغاضب ممن ولىَ أمر المسلمين، إلا أنه من لم يفعل الأخيرة أنكر على من فعل الأولى –إن صحت الرواية الفرنسية-. الرواية الفرنسية للحادث بطبيعة الحال ليست هي الأخرى من المسلمات الواجبة التصديق، وتطلب بدورها اعتذارا إسلاميا –على اعتبار أن المسلمين متهمون إلى أن يثبت العكس- إلا أن الحادثة إذا تم تحليلها بمنظور أوسع وإعادة ترتيب "البازل" لما يجري في القارة العجوز، يمكن الوصول إلى سيناريوهات مغايرة تتوافق مع أهداف الغرب ضد المسلمين، ومحاولة تقويض تنامي الرغبة لدى الأوروبيين في الدخول في الإسلام، أو ما يتعلق بمساعٍ استعمارية هى جزء من التكوين الأوروبي تجاه الشرق. تشويه الإسلام المظاهرات التي ضربت فرنسا وانتقلت منها إلى السويد مع بعد التخريج بحرق المساجد واستهداف المراكز الإسلامية، واكتفاء الطرف الآخر بعبارات الشجب والإدانة وخروج مسيرات داعمة للمسلمين، دون تطور رد الفعل الغاضب من جانب المسلمين، كان لا بد معه من وجود ذريعة لتبرير حالة العنف ضد الإسلاميين بحادث مفتعل، ويعمل على ضم من يقف في صف الحياد ضد المسلمين بفزاعة التفجيرات والاغتيالات، مع تحييد المسئولين وتوفير غطاء آمن للتعدي على المساجد والمراكز الإسلامية وملاحقة الداعية بالتضييق. سيناريو افتعال الحادث رجحه العديد من الخبراء على خلفية مقطع الفيديو الذي أظهر جانبا من حادث استهداف الصحيفة، والذي عكس حجم الترهل الأمني أمام الصحيفة التي تلقت العديد من التهديدات في وقت سابق، فضلا عن لقطات مقتل الضابط التي جاءت خالية من آثار الدماء، وهو ما يمرر رؤية أن الحادث مخابراتي بالمقام الأول مستندا على سوابق إعلامية روجت لعنف الإسلاميين ونقل الإسلام على أنه انعكاس لتنظيمات داعش وقطع الرؤوس، ومنح الجماعات الأوروبية المتطرفة "تفويضا" لاستهداف المواقع الإسلامية. الشرق الأوسط الجديد تسعى فرنسا لإيجاد موطئ قدم في الشرق الأوسط في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة على خلفية ثورات الربيع العربي وما أحدثه من تغيرات جوهرية في الوطن العربي وإعادة ترتيب الأوراق من جديد، وفقا لرؤية أمريكية- غربية، بدأ صداها في السودان قبل أعوام قلائل بفصل الدولة العربية الأكبر إلى دولتين شمالا وجنوبا مع إرهاصات بانفصال جديد في الغرب. التدخل العسكري الموسع للفرنسيين وجب أن يسبقه بطبيعة الحال تهديد حقيقي للحريات المزعومة في بلاد النور، وهو الطرح الذي تحدث عنه المحلل السياسي عامر عبد المنعم في تبرير الحادث، معتبرا أن الحادث هو الحل المثالي أمام المحارب القادم لقتال المسلمين حيث تراودها الأحلام الإمبراطورية مع التراجع الأمريكي، حيث إن اندفاعها للحرب يحتاج إلى ذرائع ومبررات، وتأهيل للمجتمع الفرنسي كي يقبل بالحرب الصليبية الجديدة. ودلل على طرحه بأن طائراتهم تقصف المسلمين في العراقوسوريا، وحاملة الطائرات شارل ديجول تتحرك بحرية في الخليج، ويستعدون للتدخل في ليبيا مع تواجد فردي في غرب إفريقيا، ولكن هذا التوسع يحتاج إلى تهيئة الفرنسيين لمساندة المحاربين وتحمل تبعات وتكلفة الحرب. حادثة "شارلي إيبدو" سواء كانت مفتعلة أو قام بها مسلمون فاستمرار الغرب في محاربة الإسلام والدفع بجيوشه لسفك دماء المسلمين سيغرق العالم في بحور من الدم. رد فعل الرسوم المسيئة للرسول من جانب الصحيفة لا يمكن اعتبارها بحال حرية صحفية تستوجب الاحترام، بل هى فعل يستفز مشاعر المسلمين –كما أكد بابا الفاتيكان في تعقيبه على الحادث- وبالتالي لا يمكن السيطرة على رد فعل ملياري مسلم إلا قليل، تجاه تكرار الإساءة إلى الرسول والمقدسات والاستهانة بمشاعر أنصار ثاني أكبر ديانة اعتناقا على وجه الأرض، وفى ظل توسع جماعات جهادية شرقا وغربا بمسميات متغايرة وأهداف متباينة وأيدولوجية واحدة مثل القاعدة وداعش وغيرهما، يمكن أن يتبنى الحادث عناصر تنتمي إلى الإسلام وتثأر للتجاوز بحق رموزها ومقدساتها. ولأن حكام العرب والمسلمين لم يخرج منهم كلمة واحدة تستنكر رسومات الصحيفة، بل على العكس جاءت تصريحات الطغاة وكأنها مبررا للغرب بالتعدي على المسلمين، مثل ما خرج به قائد الانقلاب في مصر بضرورة إحداث ثورة دينية تستأصل النصوص المقدسة التي تدعو إلى التطرف، وكأن مليار وستمائة مليون مسلم يرغبون في محاربة سبعة مليارات للعيش بنفردهم –بحسب تعبيره- هو ما دفع من أحمر وجهه غضبة لرسول الله للبحث عن أبو جهل الجديد في فرنسا للقصاص منه. فتش عن الطغاة رابع السيناريوهات المنطقية والتي تسبقها معطيات ترجحها، ضلوع طغاة العرب في تأكيد الفزاعة الإسلامية لدى الغرب لمحو أي ذرة تعاطف مع القمع المتنامى ضد فصائل الإسلام السياسى في مصر، أو دعم للجيش الحر وسائر فصائل الثورة في سوريا، أو مساندة فجر ليبيا وأخواتها في بلد ثورة 17 فبراير، أو وطأت أي مناوشات لتيار إسلامي خفي في السعودية مع وفاة الملك الميت عبد الله بن عبد العزيز، أو تأمين تمرير السلطة إلى الجنرالات في الجزائر مع خروج عبد العزيز بوتفليقة من الخدمة من قبل تجديد ولايته. كل تلك الذرائع كفيلة بأن يتم استدراج الفرنسيين من خانة الحياد إلى مواقع ملاحقة الإسلاميين وتأييد حملات القمع والاعتقالات والقتل ضد قيادات الجماعات والتيارات والفصائل الإسلامية، مع تكرار المشهد ذاته في بلدان آخرى وعلى رأسها بطبيعة الحال بريطانيا من أجل تغيير تقرير لجنة جينكينز لصالح الانقلاب في مصر، ومحاربة التواجد الإخوانى في بلاد الضباب، فضلا عن شرعنة الانقلابات العسكرية في الوطن العربى وترسيخ أركان حكم السيسي والسبسي وبشار ومنصور وحفتر والمالكي وآل سعود وآل نهيان وبوتفليقة ولا عزاء لشعوب تبحث عن الحرية وتنشد الديمقراطية. سيناريوهات عدة لما جرى في "شارل إيبدو" إلا أن المتهم يبقى الإسلاميين، إلا أن الواقع الإسلامي لم يعد يقبل تلك الاتهامات حتى وإن قبل الحكام، واتهامات الإرهاب لم تعد تجد من يبتلعها وطبول الحرب لن تزيد الغرب إلا رهقا.