بقلم: د. السيد مصطفى أبو الخير المسلمون فى بورما يتعرضون لأشد الجرائم الدولية خطورة، على مسمع ومرأى من العالم، ولا يتحرك أحد لنجدتهم إلا قليلا يكتفى بالإدانة وبعض كلمات لا تحمى جسدا ولا توقف نزيف الدم ولا تصون عرضا، العالم الإسلامى يئن تحت ضربات ملة الكفر وهى واحدة مهما اختلفوا فيما بينهم، وحكام العالم الإسلامى -إلا من رحم ربى- مشغلون بتثبيت أنفسهم على كراسى الحكم أو أبنائهم، ولو على جماجم الشعوب المسلمة، ومنهم من يسوم شعبه المسلم أشد العذاب، فحال الشعوب الإسلامية -إلا من رحم ربى- تقشعر له الأبدان، المسلمون فى بورما مأساتهم كبيرة وخطيرة، فهم يمثلون نحو خمس عدد سكان بورما، وهم أقلية، رغم ما يتعرضون له من جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية لا نكاد نسمع للعالم الحر أى صوت، ترى لو تعرضت أقلية غير مسلمة لما يتعرض له المسلمون فى بورما، هل كنا نرى هذا الصمت الرهيب، وهذا التواطؤ والتعاون والاشتراك فى هذه الجرائم من المجتمع الدولى ومؤسساته وآلياته الدولية والإقليمية، أين منظمات حقوق الإنسان؟ أين منظمة العفو الدولية؟ أين منظمة الصليب الأحمر؟ أين الأممالمتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان؟ أين جامعة الدول العربية؟ أين منظمة المؤتمر الإسلامى؟ أين المحكمة الجنائية الدولية؟ أين الأزهر الشريف؟ الكل صمت وتآمر على الإسلام والمسلمين فى العالم. أين الحماية القانونية للأقليات فى القانون الدولى والمنظمات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة؟ أين مبادئ ونظريات واتفاقيات وإعلانات ومواثيق ومنظمات حقوق الإنسان؟ لماذا لم نسمع عنها فى بورما؟ لماذا لم تفعّل الأممالمتحدة العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذى أكد حق الشعوب فى تقرير مصيرها دون استثناء وفرض على الدول التى توجد فيها أقليات التزامات بضرورة حماية حقوقها القومية والدينية، وفى عام 1976 دخل هذا العهد حيز التنفيذ، وأصبحت له قوة القانون؛ حيث صادقت عليه 87 دولة حتى عام 1987، وكثير من الدول التى فيها أقليات قومية ودينية انتهكت المواثيق الدولية الخاصة بحماية حقوق الأقليات، ورغم ذلك لم تتحرك الأممالمتحدة، ولم تفعّل أيضا إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية لعام 1992 بغرض تعزيز حقوق الأقليات وحمايتها؛ حيث أكد الإعلان حق تمتع الأقليات بثقافتها والمجاهرة بدينها وممارسة واستخدام لغتها وإقامة الاتصالات مع سائر أعضاء جماعة الأقلية عبر الحدود ومع مواطنى الدول الأخرى الذى تربطهم معهم صلات قومية أو دينية أو إثنية أو لغوية، كما ألزم الإعلان الحكومات المعنية باتخاذ تدابير إيجابية لتعزيز الحريات الأساسية للأشخاص المنتمين إلى الأقليات، ومنها التعليم والثقافة، وطالب البيان هذه الدول بضرورة حماية وجود الأقليات وهويتها القومية أو الإثنية والدينية واللغوية وفرض عليها ضرورة إتاحة الحرية لأبناء الأقليات للمشاركة الفعالة فى شئون الدولة وفى اتخاذ القرارات المتعلقة بالإقليم الذى يقيمون فيه وفى القرارات التى تخص الأقلية نفسها، وألزم البيان الدول على تعديل قوانينها بما تضمن هذه الحقوق، وإعلان الأممالمتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية الذى اعتمد ونشر فى 13 أيلول 2007، أين هذا مما يحدث فى بورما للمسلمين؟ رغم الحماية القانونية للأقليات فى القانون الدولى العام إلا أن أيا من الدول الإسلامية والعربية لم يتحرك لاستخدام الآليات التى وفرها القانون الدولى لحماية الأقلية المسلمة فى بورما، بل انشغلت كل دولة بما فيها، أو بالأصح أخرجت الإسلام من السياسية كعامل من عواملها، خشية إغضاب الغرب الصليبى، لماذا لم تتقدم الدول الإسلامية المصدقة على النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية للمدعى العام للمحكمة بتحريك الدعوى الجنائية ضد حكومة بورما لارتكابها الجرائم المنصوص عليها فى المواد الخامسة والسادسة والسابعة من النظام الأساسى للمحكمة، علما بأن هناك أكثر من دولة مسلمة مصدقة على هذا النظام وهى أفغانستان فى 10/2/2003م، وألبانيا 31/1/2003م، والأردن، والبوسنة والهرسك 11/4/2002م، والسنغال 2/2/1999م، ونيجيريا فى 27/9/2001م، وبنين فى 22/1/2002م، والجابون 20/9/2000م، وجامبيا فى 28/6/2002م، وسيراليون فى 15/9/2000م، وغينيا فى 14/7/2003م، ومالى فى 16/8/2000م، أين هذه الدول مما يحدث فى بورما من مذابح وإبادة جماعية؟ علما بأنهم أعضاء فى منظمة المؤتمر الإسلامى. وهناك العديد من النصوص التى تحمى الأقليات وحقوق الإنسان فى العديد من الوثائق والإعلانات والاتفاقيات الدولية العالمية والإقليمية والتى لم تطبق على المسلمين فى بورما وهى: 1- الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن الأممالمتحدة عام 1948م. 2- الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة عن الأممالمتحدة فى عام 1966م. 3- الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن الأممالمتحدة عام 1966م. 4– البروتوكول الاختيارى الملحق بالاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966م. 5– اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية الصادرة عن الأممالمتحدة. 6– إعلان حقوق الطفل الصادر عن الأممالمتحدة عام 1959م. 7– الإعلان والبيان العالمى لحقوق الإنسان فى الإسلام. 8– إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان فى الإسلام، الصادر عن مؤتمر وزراء دول منظمة المؤتمر الإسلامى لعام 1990م. وقد تناول البيان الختامى للقمة الإسلامية الاستثنائية فى مكةالمكرمة فى 26 و27 رمضان 1433ه الموافق 14 و15 أغسطس (آب) 2012م. القضية فى عدة بنود هى: 21- يشدد المؤتمر على أهمية تعزيز التعاون والحوار مع الدول غير الأعضاء فى منظمة التعاون الإسلامى التى توجد بها مجتمعات وجماعات مسلمة وكذلك مع الممثلين الحقيقيين لهذه المجتمعات، بما يحفظ حقوقها، ومواصلة مراقبة أى تطور عن كثب. وفى هذا الصدد يستنكر سياسة التنكيل والعنف التى تمارسها حكومة اتحاد ميانمار ضد جماعة الروهينجيا المسلمة والتى تتنافى مع كل مبادئ حقوق الإنسان والقيم والأخلاق والقوانين الدولية، ويعتمد المؤتمر فى هذا الصدد توصيات اجتماع اللجنة التنفيذية على مستوى المندوبين الدائمين الذى عقد بمقر منظمة التعاون الإسلامى فى 5/8/2012م بما فى ذلك إيفاد بعثة تقصى حقائق من المنظمة، وتشكيل فريق اتصال. 22- يستنكر المؤتمر التهميش التاريخى لجماعة الروهينجيا المسلمة فى اتحاد ميانمار، ويدعو سلطات ميانمار إلى اعتماد سياسة تشمل جميع مكونات شعبها (بما فى ذلك مسلمى الروهينجيا) فى البلاد. ويندد المؤتمر بأعمال العنف التى وقعت فى الآونة الأخيرة ويحث حكومة ميانمار على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لاستعادة الاستقرار والشروع فى عملية إعادة التأهيل والمصالحة فى المنطقة. ويدعو المؤتمر حكومة ميانمار إلى التعاون مع كافة الأطراف والسماح بالوصول الكامل للمساعدات الإنسانية للأشخاص والجماعات المتضررة، كما يحثها على إعادة حق المواطنة إلى أقلية الروهينجيا. ويرحب بالدعوة التى وجهتها حكومة ميانمار للأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى لزيارة هذا البلد، بما فى ذلك ولاية راخين. ويرحب المؤتمر بالالتزام الأكيد للدول الأعضاء فى رابطة أقطار جنوب شرقى أسيا بشأن هذه المسألة. 23- يشيد المؤتمر بتبرع خادم الحرمين الشريفين بمبلغ خمسين مليون دولار أمريكى كمساعدات إنسانية لمسلمى الروهينجيا. 24- يدعو المؤتمر الدول الأعضاء التى ترتبط بعلاقات سياسية ودبلوماسية ومصالح اقتصادية مع حكومة ميانمار إلى استخدام هذه العلاقات لممارسة الضغط عليها لوقف أعمال التنكيل والعنف ضد مسلمى الروهينجيا فى ميانمار). توصيات المؤتمر هزيلة وضعيفة تدل على مدى الضعف والوهن الذى أصاب الحكومات المسلمة فى العالم الإسلامى، لم يتحرك المؤتمر تحركا إيجابيا واحدا لحماية المسلمين فى بورما من جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، كلها كلمات جوفاء خرساء تنم عن عدم مبالاة بالقضية، كما جاءت القضية فى ذيل اهتمامات مؤتمر القمة المكون من رؤساء الدول الإسلامية أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامى، المفروض فيها أنها تتحدث نيابة عن المسملين فى العالم وتدافع عنهم وتحميهم وتتبنى قضاياهم، فإذا بها تخذلهم بشدة وتتخلى عنهم حتى لا يتهمهم الغرب الصليبى بالإرهاب، ماذا لو كان من يتعرض للذبح على هويته صليبى أو حتى بوذى أو ممن يعبد الحيوانات، هل كنا نرى هذا الصمت المخزى والفاضح، أما كنا نرى الهيئات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة تنبح ليل نهار، والإعلام يصدع رءوس العالم والمجتمع الدولى بحقوق الأقليات، وماذا لو كانت دولة مسلمة هى التى تقوم بذلك فى محاولة للحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقلالها من المؤامرات كما حدث فى السودان جنوبا، ودارفور التى فى سبيلها للانفصال عن الدولة الأم السودان كما الجنوب، وما يحدث فى ليبيا ليس منا ببعيد، وما تحريك شواذ النصارى فى مصر للادعاء كذبا وزورا وبهتانا أنهم يتعرضون لمذابح وعنصرية، إلا دليل على عنصرية المجتمع الدولى وعدم إنسانيته، هل كانت مؤسسات وآليات المجتمع الدولى وعلى رأسها الأممالمتحدة تصمت؟ هل كان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية يصمت كما يصمت الآن أمام الجرائم الدولية الأشد خطورة ضد مسلمى بورما، الواردة فى المواد (5/6/7) من نظام المحكمة الأساسى، علما بأن هذا النظام يعطيه الحق بل يلزمه بالتحرك فى المادة (15) منه، أين الأزهر الشريف ودوره فى تلك الجرائم والمذابح؟ اكتفى بالتنديد وانشغل بأى شىء عن الإسلام والمسلمين، أم أن الدم المسلم رخيص ولا يستحق الاهتمام، لذلك لا نلوم القانون الدولى، ولكن نلوم أنفسنا وحكامنا، فقبل أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل فى المجتمع الدولى بآلياته ومؤسساته، نقول حسبنا الله ونعم الوكيل فى حكام المسلمين ملوك الطوائف فى العالم الإسلامى، ورحم الله المعتصم.