نستعرض في السطور التالية أبرز ما أوردته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في افتتاحيتها المنشورة بتاريخ 13 أكتوبر 2014، تحت عنوان "أمريكا لن تنطق بكلمة بشأن المقموعين في مصر"، والتي انتقدت فيها سياسة بلادها الخارجية المؤيدة لنظام السيسي. أصبح من المألوف الآن رؤية وزير الخارجية جون كيري وهو يتملق نظام عبد الفتاح السيسي، ويتجاهل انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان. حدث هذا المشهد مرة أخرى خلال زيارة كيري للقاهرة يوم الاثنين، حين قال في مؤتمر صحفي إنه "كرر.... دعمنا القوي لمصر، في ظل تعهدها بإصلاحات كبيرة". وقال إنه ناقش مع نظيره المصري سامح شكري "الدور الأساسي للمجتمع المدني النابض، والصحافة الحرة، وإجراءات التقاضي السليمة وفقا للقانون". لكنه لم ينبس ببنت شفه عن الحملة التي يشنها النظام المصري حاليا لسحق كل بقايا تلك المؤسسات، والتي يعتبر مراقبو حقوق الإنسان أنها ترقى إلى أسوأ أنواع القمع التي شهدتها مصر منذ أكثر من نصف قرن. ربما ادخر السيد كيري كلمة لمحمد سلطان وأحمد دومة، السجينين السياسيين اللذين نُقِلا إلى المستشفى قبل أيام من زيارته بعد إضرابٍ طويل عن الطعام. واتُهِم السيد "سلطان"، وهو مواطن يحمل الجنسية الأمريكية والأمريكية، ب"نشر معلومات كاذبة" لكنه لم يخضع أبدًا للمحاكمة. ويقول مؤيدون إن حالته الصحية حرجة. بعد تخرجه من جامعة ولاية أوهايو عاد إلى مصر العام الماضي واعتقل في منزل عائلته عندما ذهبت الشرطة بحثا عن والده، وهو مسئول في الحكومة الإسلامية المنتخبة التي قاد السيد السيسي انقلابا عسكريا ضدها. أما السيد "دومة" فمدون ليبرالي، اعتُقِل وحُكِم عليه بالسجن في ديسمبر الماضي إلى جانب الناشطَيْن أحمد ماهر ومحمد عادل؛ لانتهاك القانون الذي يحظر الاحتجاجات. وربما يكون السيد "كيري" أثار قضية سناء سيف، ذات العشرين ربيعًا وإحدى أبناء عائلة شهيرة من الناشطين المؤيدين للديمقراطية العلمانية، والتي اعتقلت يوم 21 يوليو للاحتجاج على سجن شقيقها، المدون علاء عبد الفتاح. وتُضرِب "سناء" أيضًا عن الطعام، مثل "سلطان" وعشرات السجناء السياسيين الآخرين، وكانت محاكمتها تأجلت قبل يوم واحد من زيارة السيد "كيري". والعديد من المعتقلين، ليبراليين علمانيين ساعدوا في قيادة الثورة المصرية عام 2011، وقاتلوا لإقامة ديمقراطية، فقط ليسجنهم النظام الذي قال "كيري" إنه "لا يزال شريكا رئيسيا للولايات المتحدة". وبتأجيل محاكمة "سناء" و"سلطان"، وفَّر النظام على الأقل الذل الذي لحق بالسيد "كيري" خلال زيارة يونيو إلى القاهرة. حينها دعا وزير الخارجية لإطلاق سراح الصحفيين المحترمين الثلاث الذين يعملون في قناة الجزيرة الإنجليزية. لكن في اليوم التالي حُكِم عليهم بالسجن لمدد طويلة بتهمة سخيفة، هي مساعدة الإرهابيين. أصدر السيد "كيري" بيان احتجاج"، لكن الرجال الثلاثة- ومن بينهم الأسترالي بيتر غرسته، ومحمد فاضل فهمي الذي يحمل الجنسيتين المصرية والكندية- لا يزالون في السجن. وبدلا من الإشارة للسجناء السياسيين، اتفق السيد "كيري" مع السيد "السيسي" على أن "القضية المركزية لمستقبل مصر هي الاقتصاد". وهذا الاستنتاج السطحي يُغفِل حقيقة أن الإصلاح الجوهري في مصر- من تخفيض الدعم إلى جذب الاستثمارات الأجنبية- لن يكون قابلا للتطبيق في ظل يعتقل الآلاف من السجناء السياسيين ولا يوفر الحقوق الأساسية. وبعد تحدي السلطوية الجديدة في مصر، يساعد السيد "كيري" في ضمان أن هذا البلد سيبقى فقيرًا، وغير مستقر، وأرضية خصبة لتفريخ التطرف، كما سيجعل المصريين الذين يسعون إلى التغيير الحقيقي ينظرون للولايات المتحدة باعتبارها عدوًا.