كنا نسترق الأمل بغناء ثوري لنبدأ به صباح كل يوم جديد، كي لا ندع لليأس مجالا بأن يتسلل لقلوبنا. باب الزنزانة.. ورفيق الحبس.. وسرير مش ميرى.. من غير بطاطين.. والضلمة زيادة.. عن أول أمس.. وطابور الذنب.. مش جنائيين.. وأنا ذنب بلادى.. حرية وعدل.. وكرامة إنداست.. وداسونى وراها.. أخدونى رهينة.. حبسونى بغدر.. وقالولى بلادك مش حمل الفجر والفجر قريب.. كل الأسوار ما بتمنعهوش.. والظلم إن ساد.. وخلاله بلاد أوتاده فشوش.. لسانى بغنى.. للوطن الغايب.. ومخاصم ليلكم.. يا نظام الشايب.. تصبحوا على دولة.. ما فيهاش سجان.. بيجامل ماضي، علي قفا شبان. غابت شمس يوم الخامس من إبريل استحياءً من ذلك المشهد، فأبطال اليوم ليسوا في حاجة لمن يتحدث عن علاقتهما التي انتهت بلحظة، كان ينتظر فيها زوج المعتقلة رشا منير لحظة خروجها إليه بقفص الزيارة بسجن القناطر كي يعانق روحها قبل أن يلاقي ربه، كانت رشا كالفراشة تحب الغناء ومتابعة جيدة للبرامج الإخبارية بالراديو، تقف وسط العنبر تردد الأغاني بحماسة، تعرف كيف تكسب محبة من حولها، مرآة تجيد التعامل مع الغير، تجدها ساجدة باكياً لربها، محبة لأخواتها، كثيرة الحديث عن بناتها وعلاقتها بزوجها الطيبة، والتي تخشى أن يحسدهم الناس على ما هم فيه. تنتظر يوم السبت بفارغ الصبر، باعتباره لقاء زوجي مهم لا يجب أن يمر عليها مرور الكرام، أحيانا كانت تقوم بإعداد الفطار استدعاءً منها لمشاعر الزوجة التي تقوم برعاية زوجها، وفي قفص الزيارة تجتمع الأسرة ويفترشون الأرض لتناول الفطار، "سوا" هي وزوجها وبناتها. كلمة "زيارة" في قاموس معتقلات أمثالنا تعني إفراجا جزئيا، الفرحة تغمرنا حينما نسمع أن هناك زيارة لواحدة منا، كانت رشا تهندم نفسها أمام مرايا صغيرة، وترتدي نقابها في انتظار الخروج إلى زوجها، خرجت رشا وبعد دقائق معدودة، فؤجئنا بضجة بالخارج وإحدى الجنائيات تخبرنا بأن زوج رشا توفي بالخارج، قبل أن تخرج لرؤيته بلحظات!! الكل تسمر بمكانه، وعيوننا اتسعت من هول الصدمة، كيف نهون عليها مصيبتها في فقدان زوجها.. جاءت أمل مسئولة النبطشية لتخبرنا بوفاة زوج رشا أثر إصابته بجلطة وهو بانتظارها بقفص السجن، الجميع تسمر في مكانه، أعيننا اتسعت من هول الصدمة.. وأصبح السؤال الشاغل كيف نهون عليها فقدان زوجها والذي كان من قلبها بمكانة، ومن لأبنائها؟؟؟ فشقيقتها معتقلة بنفس القضية.. وأمها امرأة عجوز، تحتاج إلى من يقوم على خدمتها، دخلت رشا وهي تجر في قدميها أوعية عينها تقطعت من فرط البكاء، الجميع يحاوط سريرها، الجنائيات يتوافدون عليها لتقديم واجب العزاء الذي استمر لطول اليوم، لم يصمد قلب أحد منا أمام قهر زوجة يموت زوجها على أعتاب زنزانتها، وتحرم من أن تودعه وتشاركه لحظاته الأخيرة فوق الأرض. ولم تشارك بعزائه وتحتضن ابنتيها الصغيرتين، التي أكبرهما لم تتجاوز الثامنية أعوام، فمشاعر الأمومة قد تطغى على نيران الحرية وألم الفراق. خشينا على قلبها وهي مريضة القلب، كنا نتجنب الدخول في أي نقاشات تتعلق بالحريات كي لا نثير غضبتها، لتدهش الجميع للمرة الثانية بأن تمسك الراديو الصغير وتفترش الأرض وتنادي علينا بصوتها المحتسب قائلة "يلا يا بنات تعالوا عشان يتحرق دمنا ونسمع أخبار النهاردة ومصر فيها ايه؟؟، يا رب كن من الفئة التي تحبك وتحبها". فالجميع يسرع إليها ويقبل وجنتيها، ويهتف باسمها، ونعاود نهتف بأغان ثورية تدب الروح في أجسادنا مرة أخرى. # ملحوظة مستفزة: رشا منير وأختها صدر حكم عليها قضائي عقب خروجي بالمؤبد!!! مصر توأد بناتها!!!