الدماطى: من أساليب الثورة المضادة بعد تولى الرئيس مرسى د.البرى: إفساد فى الأرض ومرتكبها يعرض نفسه لعقاب الدنيا والآخرة قطع الطريق.. والتعدى على خطوط السكك الحديدية والمرافق العامة.. أصبح عنوانا تطالعنا به الصحف ونشرات الأخبار بشكل يومى، وكأنه أصبح جزءا من ثقافة المصريين، فلم يلبث أن ينتهى فى محافظة إلا ويبدأ فى أخرى، وكأن هناك من يحرك هذا الأمر. وكان آخر هذه الجرائم أحداث قرية ميت نما بالقليوبية، التى تصاعدت فيها الأحداث على مدار اليومين السابقين، ولا تزال الأمور تشهد حالة من الشد والجذب بين الشرطة والمتجمهرين، وهو ما أصاب الحياة اليومية بحالة من الشلل غير المسبوقة. وتزامن ذلك مع أول حكم قضائى ضد جرائم قطع الطريق، حيث أصدرت محكمة أسيوط حكما بالسجن لمدة 3 سنوات على 9 متهمين تزعموا آخرين وقاموا بقطع الطريق وإشعال إطارات السيارات على شريط السكة الحديد بمدينة منفلوط بمحافظة أسيوط، التى سبق وأن تحرر عنها المحضر رقم 4835 إدارى منفلوط. وهو ما اعتبره خبراء القانون أولى الخطوات الجادة والفاعلة فى مواجهة هذه الجرائم. فما عقوبة جرائم قطع الطرق؟ وعلى من تقع مسئولية انتشارها؟ وما رأى الشرع فيمن يرتكبها؟.. هذا ما حاولنا الإجابة عنه فى إطار السطور التالية: فى البداية أكد محمد الدماطى -المحامى، ورئيس لجنة الحريات بنقابة المحامين- أن جرائم قطع الطريق تمثل أكثر الجرائم تهديدا لأمن المجتمع واستقراره السياسى والاقتصادى، ومن أجل ذلك أفرد لها المشرع المصرى فصلا كاملا من القانون، وهو الفصل الثالث عشر، الذى يشتمل على المواد 163 و164 و165 و166، والتى تحدد عقوبات جرائم قطع الطريق وترويع الآمنين وتعطيل المصالح العامة بالإضافة إلى سرقة الكابلات والاعتداء على المنشآت العامة. وأضاف: هى عقوبات رادعة لا تحتاج إلى تغليظ، حيث تبدأ من السجن ثلاث سنوات، وتنتهى بالمؤبد أو الإعدام، إذا ما تسبب قطع الطريق فى إحداث حالة وفاة لأحد المتضررين ومن ثم الأمر لا يحتاج إلى تشريع أو تشديد العقوبات وإنما يحتاج إلى تفعيلها على أرض الواقع، حتى تكون بمثابة الردع الحقيقى لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذا الجرم. وأشار إلى أن هذه الجرائم لم تكن لتتكرر لو كان تم مواجهتها بحسم منذ بدايتها، التى بدأت فى قنا فى ظل حكومة الدكتور عصام شرف، التى تميزت بالضعف واليد المرتعشة فى مواجهة الأزمات عندما قام الأهالى بقطع الطريق كنوع من الاحتجاج على سياسات المحافظ والمطالبة بتغييره، دون أن تواجه هذه الجريمة بأى إجراء قانونى، على الرغم ما تسببت فيه من الإضرار العمد بمصالح المواطنين والدولة، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لارتكاب جرائم قطع الطريق، إلى درجة أنها أصبحت جزءا من ثقافة المواطنين بعد الثورة، حيث تم اعتبارها الوسيلة الأفضل والطريق الأيسر لتحقيق المطالب. وقال الدماطى: إننا أمام مؤشر خطير لا بد من مجابهته لما له أثر مباشر على استقرار المجتمع، وإنه لا يجب إغفال حقيقة مهمة فى هذا الصدد؛ وهى أن جميع جرائم قطع الطريق وغيرها من الجرائم التى تهدد أمن المجتمع هى صناعة فلول النظام البائد ورموز الدولة العميقة، والتى بدأت بتصدير الأزمات منذ بداية الثورة وانتهت بأحداث رفح وها هى مستمرة.. مؤكدا أن نشاط الفلول الإجرامى تم تكثيفه بعد تولى الدكتور محمد مرسى الحكم من أجل وضع المعوقات والعراقيل أمام القيادة السياسة كمحاولة لإظهارها بمظهر الضعف والفشل، وكانت جرائم قطع الطريق أبرز وسائلهم. وأضاف: إن هذه الجرائم وصلت إلى أعلى معدلاتها فى الشهور الأخيرة، حيث إن الفلول يتمتعون باحترافية كبيرة فى مثل هذه الأمور من خلال التخطيط الشيطانى لاختلاق الأزمات وتصعيدها حتى يبدو الأمر وكأنه طبيعى، ولا تزال للأسف هذه الحقيقة غائبة عن الكثيرين، وهو ما يسهل مهمتهم فى استخدام المواطنين كأداة لارتكاب هذه الجرائم دون أن يفطنوا لليد المحركة لهم. وأثنى الدماطى على صدور أول حكم ضد جرائم قطع الطريق فى أسيوط، معتبرا أنه خطوة أولى نحو مواجهة هذه الجريمة والتصدى لها، ولكن لا بد من استكمال ذلك بأمور أخرى لا تقل أهمية عن تطبيق القانون؛ وهى تطهير المؤسسات الحكومية من بقايا النظام البائد، حيث إنهم المحرك الأساسى لهذه الفتن والقائد الخفى لها. هيبة الدولة بدوره، قال د. نبيل مصطفى -أستاذ القانون وحقوق الإنسان بأكاديمية الشرطة-: إن التظاهر والتعبير عن الرأى حق مكفول لكل مواطن مصرى طالما هناك التزام بأساليب وضوابط التعبير السلمى عن الرأى الذى كفله الدستور والقانون، ولكن عندما تتجاوز المظاهرات إطارها السلمى وتشتمل على أعمال تخريبية مثل قطع الطريق أو إتلاف وإحراق ممتلكات عامة أو خاصة تتحول إلى عمل إجرامى يستوجب المعاقبة القانونية التى تتحدد حسب حجم ما ارتكب من جرم. ويرى أن أهم أسباب انتشار جرائم قطع الطريق فى الآونة الأخيرة يكمن فى غياب الرادع القانونى، حيث لم يسبق أن تم محاكمة أى فرد بتهمة قطع الطريق منذ الثورة باستثناء حكم محكمة أسيوط الأخير، والذى يعد أولى الخطوات الإيجابية والفاعلة فى هذا الشأن، حيث تكون وسيلة لتحقيق الردع العام والزجر الخاص، ومن ثم يتوجب على القيادة السياسية التصدى بكل حسم لهذه الظاهرة وأن تضرب بيد من حديد على من كل من يخالف القانون متعمدا ويضر بمصالح المواطنين.. مشيرا إلى أن استمرار هذه الفوضى دون رادع تفقد الدولة هيبتها. وأضاف: إن تصاعد معدل جرائم قطع الطريق فى الآونة الأخيرة يؤكد أن قوى الثورة المضادة لا تزال تعمل بدأب من أجل إفشال أول تجربة ديمقراطية، ومن ثم تجد لنفسها مكانا مرة أخرى. من جهته، أوضح د. محمد شحاتة -أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية- أن قانون العقوبات المصرى الحالى لا يفرق بين مرتكب الجريمة بهدف جنائى أو لتحقيق مطلب سياسى، ولا يتم التجاوز عن جرائم قطع الطريق بأية حال من الأحوال وتحت أى ضغوط، طالما أن ذلك يضر بالشأن العام. وقال: إن كثيرا من جرائم قطع الطريق سواء الجنائية أو الاحتجاجية التى شهدتها البلاد بعد الثورة كان مفتعلة ومتعمدة من أجل إحداث حالة من البلبلة وعدم الاستقرار، وساهم الإعلام المضلل فى تضخيمها، ويتزعم هذه الجرائم بقايا رموز النظام السابق، الذى لا يزالون فى أماكنهم القيادية يعيثون فى الأرض فسادا. وأضاف: هناك من القيادات الحكومية من ينصح المتظلمين من أى أمر من الأمور بالتظاهر وقطع الطريق من أجل تحقيق مطالبهم بشكل فورى، وهو ما يقتنع به الناس على الفور وشرعوا فى تنفيذه، مما يؤكد أن القوى التى لا تزال تعمل لإجهاض الثورة واختزالها فى المطالب الفئوية حتى يكفر المجتمع بها، وتمثل الخطر الحقيقى على المجتمع لما تبثه من أفكار مسمومة لدى البسطاء من شأنها الإضرار بأمن المجتمعن ومن ثم يتطلب الأمر الشروع الفورى فى تطبيق القانون دون تهاون أو استرخاء. مخالفة شرعية وحول الرأى الشرعى فى مثل هذه الجرائم، قال د. عبد المنعم البرى -رئيس جبهة علماء الأزهر السابق-: إن جرائم قطع الطريق تمثل واحدة من صور الإفساد فى الأرض، ولذلك وضع لها الإسلام العقوبات الرادعة، والتى تصل إلى حد القتل صلبا كما جاء فى قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. وأضاف: إن جرائم قطع الطريق تنطوى على مخالفات شرعية جسيمة، أولها ترويع الآمنين، وتعطيل المصالح العامة والخاصة، فالطريق له حرمة وحق فى الإسلام منها إماطة الأذى عنه، فهى شعبة من شعب الإسلام، ومن ثم ما يحدث من وضع عراقيل لتعطيل المارة كجذوع الأشجار والكتل الأسمنتية وغيرها من الوسائل التى تؤذى الطريق هو ارتكاب لإثم عظيم، وفيه تجرؤ ومخالفة صريحة للأوامر الشرعية، فمهما بلغت بالمسلم الأسباب لا يجب أن يتخذ من المحرمات وسيلة لتحقيق غايته، حيث إن ذلك لا يخرج عن كونه إملاءات شيطانية تعود بالضرر على المؤمن فى الدارين الدنيا والآخرة. وأوضح أن العقاب يشمل الفاعل والمحرض على حد سواء، والمحرضين لهم الجزاء الأكبر، حيث إن ذلك يعد من باب التعاون على الإثم والعدوان بما يخالف قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وقوله جل شأنه: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى هذا الصدد: (مَن آذى المسلمين فى طرقهم وجبت عليه لعنتهم)، ومن ثم على كل مسلم أن يلتزم بهذا النهج ولا يغرنّه الإفلات من عقاب الدنيا، فعقاب الله عز وجل سيكون أشد تنكيلا.