"ملحق الإخوان" شهدت جدران سجن الأميرية أياما من عمري، تمنيت أن تطمس من الذاكرة؛ فهناك انهالوا عليَّ ضربا بالسوط ، وتم ركلي مرات عديدة ، وصعقت بالكهرباء كثيرا ، وكلما تعالي هتافي بسقوط النظام جن جنونهم .. وبمجرد إعلاني الإضراب عن الطعام، تعرضت لحزمة من التهديدات.. غير مسموح لي الاختلاء بأهلي لدقائق ..كان إيماني بأن قهر البشر إلى زوال هو ما يخفف عني وطأة ما ألقاه. الحكم بعد سلسلة من التجديدات نطقت محكمة جنح الساحل حكمها الصادم علي فى يوم السابع عشر من مارس بحبسي سنة من الشغل ، ثم تقدم المحامون باستئناف؛ وجاء الاستئناف أعنف؛ حيث تم تغريمي 50 ألف جنيه ، وتخفيف المدة إلى ستة أشهر ، بالرغم من تقدم محامي نقابة الصحفيين إبراهيم زين العابدين بمذكرة تفيد بأني كنت أمارس عملي، وأن تداول المعلومات من مهام الصحفي ، وأن القانون يحمي مهنة الصحافة ويدافع عن ممتهنيها .. إلا أن القضاء الشامخ ضرب بمذكرة دفاعه عرض الحائط ، وصدق من قال لي يوما ... انتى فاكرة إن مهنتك هتحميكي ؟ !!! رحم الله والدي .. كان يتوق لليوم الذي يراني فيه بالزي الأبيض ... وها قد تحول حلمه الوردي لكابوس يفزع أمي ومن حولها, فالأبيض ردائي يا أبي بسجن القناطر، وأصبحت في أعين المجتمع متهمة , فلتأذن لي أن أنعيك في وطن أحببته لدرجة الجنون , وتشهد روحك معي وأنا علي أعتاب سجني مراسم جنازته بعد أن دهست كرامتي بالنعال!!! أحمد الله أنه توفى قبل أن يشهد هذه اللحظة ، كي لا يعتصر قلبه الثائر حزناً علي ما آلت إليه الأوضاع بمصرنا . السجن بمجرد دخولنا حرم السجن ، كنا حينئذ 6 فتيات, تم تسليمنا إلى سجانة تدعي "كوثر" بهدف التفتيش.. قالت بصوت مسموع للجميع : " تعالوا هنا ورا القفص عشان تتفتشوا " وقفت شاردة لثوان, فقاطعني صوتها وهي تكرر : " متيجوا ورايا ياللا ".. أعطتني ملابس بيضاء، وأشارت إلى دورة المياه وتابعت " البسي الشول ده ولما تخرجي هاتي هدومك دي عشان هتروح الأمانات . توجهت بخطوات متباطئة إلى (الحمام ) ومعي " الشول " ظللت أتفحصه وأتساءل في صمت عن كيفية ارتدائه.. والشول لمن لا يعرفه اختصار لكلمة شوال" قماش واسع فضفاض " مبهوأ" لا تعرف لمن يرتديه هيئة , ومختوم عليه بختم الداخلية " نزيل " أي مقيم . استقبلنا "تامر بيه"، رئيس مباحث سجن القناطر، بمكتبه مقابلة سريعة لم تتعد الدقائق , ثم أعطي أوامره بفصلنا عن عنبر السياسيين أو كما يطلقون عليه العنبر العسكري والذي يضم قرابة 30 فتاة من طلبة الجامعات, أما نحن فقد وقع الاختيار بأن نلتحق بعنبر (التحقيقات ) ، به تاجرات الحشيش والآداب ومتهمات بقضايا قتل بصدد انتظار صدور الأحكام . عنبر التحقيقات داخل عنبر التحقيقات والذي يسع قرابة الثلاثين سريرا حجرة "ملحق الاخوان" وهي حجرة مربعة ضيقة تحوي علي 4 سرائر من 3 أدوار , وسخان بدائي من الطوب , مروحة سقف , شباك يطل علي عنبر الآداب ممن حكم عليهن . وفور دخولنا العنبر هبت المعتقلات بملحق الإخوان لاستقبالنا بالأغاني الثورية ، منها: «كانت دايما جدعة ... حرة وثورية ، تهتف بكرامة عدل وحرية.. ع العزة خلاص البنت اتربت ، وتساوى بدل الراجل مية .. ياجيش شمال .. يا بتاع نوال .. من دم حبيبة .. هنربى أجيال». يعلو صوتهم أكثر عند مقطع الأغنية التي تقول كلماتها : «اقتل واسجن في البنات .. مش هاممنا الاعتقالات الانقلاب مش للحرائر .. إحنا إخوات هالة وسمية .. راسى مرفوعة وكلى عزة .. بهتف وبقول إن أنا حرة حرة ..حرة ...حرة» وبدأت كل واحده منهن تعرف نفسها إلى الأخري , لم أشاركهن الحديث ، وتوجهت بلا كلمة واحد سوي بابتسامة باردة متعبة إلى سرير لم أسأل عن صاحبته وارتميت ولم أستيقظ إلا على صوت افزعني " يا سجانة ...يا سجانة .. وووو ..ياسجانة ياسجانة " لأجد الجنائيات ينادين باستغاثة غنائية للسجانات لفتح بابهن المغلق وإبلاغ إدارة السجن بأن هناك مسجونة تعاني من مرض ، ويريدون نقلها إلى المستشفي . رفعت غطائي وذهبت لصلاة العشاء , وقضيت ليلتي وأنا انظر إلى السماء في انتظار غد يجذب همومنا كما يجذب المغناطيس برادة الحديد .