• أصبح القرار في الشارع للحراك الثوري بعد أن أصبحت السلطة العسكرية محاصرة في كل ميادين الثورة • بات الحراك الثوري منطلقا يتمدد في كل شوارع مصر ويدخل ميادين الثورة عندما يقرر • معركة النفس الطويل معركة تحسم بالنقاط وبات الحراك الثوري قادرا على التفوق فيها • حصار ميدان التحرير شهادة من السلطة بأنها قد تسقط إذا تركته للحراك الثوري وتدرك أن الرفض الشعبي كفيل بإسقاطها أعدها للنشر: الحرية والعدالة أكد المفكر والباحث السياسي د. رفيق حبيب أنه في 3 يوليو 2014 بات الشارع المصري رهنا بإرادة الحراك الثوري، وليس رهنا بإرادة السلطة العسكرية والتي استنزفت قدرتها وخريطة طريقها، دون أن تتمكن من أن تفرض نفسها كأمر واقع. وبات الحراك الثوري أمرا واقعا، وحق له أن يعلن أنه يمثل الأمر الواقع المستمر والمستقر في كل أرجاء الوطن. وبات الحراك الثوري قادرا على الحشد والتأثير، كما بات مستمرا بأنواع مختلفة، منها الحضور الرمزي والحاشد والفاعل، وفي 3 يوليو جرب الحراك الثوري الحضور الفاعل والمؤثر بنجاح واضح، ثم استمر في اليوم التالي بالحضور الحاشد. وأصبح القرار في الشارع للحراك الثوري، بعد أن أصبحت السلطة العسكرية تحاصر ميدان الثورة، فأصبحت محاصرة فيه، وفي كل ميادين الثورة الأخرى، وبات الحراك الثوري منطلقا يتمدد في كل شوارع مصر ويدخل ميادين الثورة عندما يقرر. وأضاف في دراسة حديثة له عنوانها "عام بعد الانقلاب ..حصاد الحراك الثوري" أن كل سلطة تحضر أولا في الشارع، فهو المكان العام الذي يظهر فيه مدى حضور السلطة، وفي يوم 3 يوليو، تأكد أن الحراك الثوري قادر على الحضور في الشارع بفاعلية أكثر من السلطة العسكرية، التي لم تعد تملك أدوات أخرى لتثبت حضورها في الشارع. وبات واضحا أن قوة الحراك الثوري في أن يختار بنفسه وحسب الظروف كيفية حضوره، دون أن يفرض عليه حضور بشكل معين، أو يفرض الحراك على نفسه مواعيد وأماكن محددة. واتضح أن قوة الحراك في أن يظل حاضرا، وبطرق مختلفة، وأن يكون قراره غير متوقع أيضا. ونبه "حبيب" إلى أن التوسع في المكان والزمان، والتوسع في القاعدة الشعبية، والتوسع في أنماط الاحتجاج، والتوسع في أشكال التأثير والحضور، والتوسع أيضا في القضايا التي يحملها الحراك الثوري، باتت خلال عام سببا مهما في تزايد قدرة الحراك الثوري على تحقيق إنجازات مؤثرة. مشيرا إلى أنه في معركة النفس الطويل، تكون النتيجة الأساسية بالنقاط وليست بالضربة القاضية، أيا كان شكل المشهد الأخير. وبعد عام من الانقلاب، تأكد أن الحراك الثوري يحرز نقاط أكثر، وأن السلطة العسكرية تخسر نقاط مما حققته في يوم الانقلاب، فأصبحت معركة النفس الطويل، معركة تحسم بالنقاط، وبات الحراك الثوري قادرا على التفوق فيها. لافتا إلى أنه في عام واحد فقط، انقلبت السلطة العسكرية على العديد من حلفاء الانقلاب العسكري، بسرعة واضحة، لا تحدث في أغلب حالات الانقلاب العسكري بهذه الصورة، مما جعل تحالف الانقلاب العسكري يتقلص سريعا. وقد استخدم الانقلاب العسكري حشدا جماهيريا غاضبا، يطلب حياة أفضل، فإذ به وخلال عام واحد فقط، يعرض هذه الكتل الجماهيرية لظروف حياة صعبة، بل ويعرضها لما هو أسوأ، وكأنه يجعلها تدفع ثمن بقائه في السلطة. فالسلطة العسكرية، تضحي بالبسطاء من عامة الناس، بعد أن استخدمتهم. وفيما يلي عرض لأهم القضايا التي تضمنتها الدراسة: عام على الحراك رصد "حبيب" أن الحراك الثوري استمر عاما، دون أن يتراجع أو يتقلص، وظل مستمرا بدرجات مختلفة، واستمرار الحراك الثوري هو القاعدة الأساسية لنجاحه، لأن استمراره يعني بقاء السلطة العسكرية في مربع البحث عن الشرعية، وبقائها في معركتها الأولى، أي معركة فرض الأمر الواقع. أيضا تعددت وسائل الحراك الثوري وتوسع في الاحتجاج الرمزي، مما مكنه من توسيع مستوى حضوره، دون أن يستنزف طاقته البشرية، وهو ما يوفر له طاقة بشرية مستمرة تمكنه من البقاء في قلب المعركة، وبصورة مؤثرة. • نجح الحراك الثوري في التوسع في المكان والزمان والقاعدة الشعبية وأنماط الاحتجاج وأشكال التأثير والحضور كذلك تمدد الحراك الثوري جغرافيا مما يجعله حاضرا في أغلب المناطق، حتى أصبح حضوره جزءا من المشهد العام للمجتمع. والتمدد الجغرافي المستمر مع التمدد الزمني المستمر، يجعل للحراك الثوري حضورا واسعا، وهو ما يجعله أمرا واقعا. وكشف "حبيب" أن الحراك الثوري حصل على شهادة من السلطة العسكرية، ولم يمنحها أي شهادة في المقابل، فقد تصرفت السلطة العسكرية بصورة تجعلها أول من يشهد أن الحراك الثوري أمر واقع لا يمكن تجاهله، بل إن تجاهله خطر. وفي المقابل فإن الحراك الثوري لم يعطِ للسلطة أي شهادة اعتراف بها كسلطة، بل جعلها دائما في مربع القوة الأمنية المغتصبة للسلطة، والتي تحميها بقوة سلاح الدولة، مما جعل السلطة في حالة دفاع عن السلطة التي اغتصبتها، دون أن تتمكن من ممارسة تلك السلطة بصورة هادئة. محاصرة في الميادين وأوضح "حبيب" أن الحراك الثوري دفع السلطة لتشديد قبضتها الأمنية بشكل مستمر، وعبر المكان والزمان، وأصبحت لا تستطيع تخفيف قبضتها، حتى لا يفاجئها الحراك بصورة لا تتمكن من السيطرة عليها، فأصبحت السلطة العسكرية نفسها تقدم شهادة بأن الحراك الثوري قادر على إسقاطها. حاصرت السلطة العسكرية ميادين الثورة والحرية حتى لا يصل لها الحراك الثوري، فظل الحراك الثوري الشبابي يدور حول تلك الميادين، ويدخلها عندما يقرر ذلك، ويتركها عندما يقرر ذلك. ولكن السلطة لم تعد صاحبة قرار في ترك الميادين، فقد أصبحت محاصرة في تلك الميادين. ويرى "حبيب" أنه حصار ميدان التحرير يمثل شهادة من السلطة، بأنها قد تسقط إذا تركت ميدان التحرير للحراك الثوري، وهي شهادة تؤكد أن الحراك الثوري يمثل قطاعا واسعا ومؤثرا، كما أنها شهادة بأن السلطة نفسها تدرك أن هناك رفضا شعبيا لها، كفيل بإسقاطها. وتخلص الحراك الثوري تدريجيا من المواعيد والأماكن برأي "حبيب" بل جعل منها سلاحا في يده، بدلا من أن تكون عبئا عليه. فأصبح لا يربط نفسه بموعد ولا بمكان، مما مكنه أن يتحرك بصورة أوسع، وبما يناسب الظروف على الأرض، وظلت السلطة مسكونة بالخوف من الموعد والمكان، فكل المناسبات تخيفها وتربكها، وكل الأماكن تشتتها وتستنزفها. • السلطة مسكونة بالخوف من الموعد والمكان فكل المناسبات تخيفها وتربكها وكل الأماكن تشتتها وتستنزفها وقد واجه الحراك الثوري مشكلة الزمن، فالمعركة هي معركة النفس الطويل، وفي مثل هذه المعارك لا يمكن أن يتم تحقيق شيئا جديدا كل يوم، رغم أن الاستمرار مهم. وإذا أصاب الحراك الثوري أي إحباط وتوقف مؤقتا، يمكن أن تتحول معركة الثورة، إلى معركة مؤجلة. والملاحظ أن الحراك الثوري بحسب "حبيب" اتجه إلى تنويع الحراك، وأيضا تنويع القضايا التي يحملها، وتنويع المعارك أيضا، بحيث ظل الحراك الثوري له أجندة عمل يومية، مما مكنه في الاستمرار دون انقطاع، فأصبح استمرار الحراك أداته المركزية، التي تثبت حضوره المستمر. كشف حساب ورصد "حبيب" أنه بعد مرور عام، كان مشهد 3 يوليو له العديد من الدلالات، التي تمكن الحراك الثوري من تحقيقها وإنجازها، لذا كان مشهد 3 يوليو 2014 بمثابة كشف حساب عن ما تم في عام من المواجهة بين الحراك الثوري والسلطة العسكرية، التي أسسها انقلاب عسكري. فقبل 3 يوليو حاولت السلطة العسكرية التأثير على هذا اليوم، بأدوات القمع التي لا تملك غيرها، فاتضح أنها استنزفت بنك الأهداف الذي كان لديها، ولم يعد لديها بنك أهداف آخر، تؤثر به على الحراك الثوري، سواءً معنويا أو واقعيا. أتضح أن السلطة العسكرية لم تعد تملك موارد للتأثير على الحراك الثوري، فأصبح الحراك يؤثر عليها، دون أن يكون لديها ما تفعله للتأثير على الحراك. وهو ما يعني أن السلطة العسكرية استنزفت موارد القمع المتاحة لها، بحيث أصبحت أداة قمع غير فاعلة. ولفت "حبيب" إلى أنه ظهر الارتباك جليا على السلطة العسكرية، قبل 3 يوليو، كما ظهر عليها آثار الإجهاد، مما جعلها تبدو في صورة أضعف بكثير من الصورة التي ظهرت عليها في يوم الانقلاب العسكري، مما يؤكد طاقة القمع تستنزف، خاصة وأن من يمارس القمع يتوقع أن ينجح سريعا، ويفرض سطوته. وكشف "حبيب" أن الحراك الثوري جاء في 3 يوليو، معتمدا على التنوع الحركي الواضح وتعدد الوسائل والأماكن والأزمان، بحيث تمكن الحراك من أن يكون حاضرا على كل خريطة الوطن، وكل خريطة الزمن في هذا اليوم، ليتأكد أن الحراك الثوري أصبح أمرا واقعا مستمرا ومستقرا وثابتا. ومع انتشار الحراك في الشوارع والميادين، بات مسيطرا عمليا على مختلف أنحاء البلاد، في حين أن السلطة باتت غائبة ومحاصرة في توقعاتها حول المكان والزمان، فبات الحراك منطلقا، والسلطة العسكرية محاصرة. • أصبحت السلطة العسكرية تقدم شهادة بأن الحراك الثوري قادر على إسقاطها تأكد عبر يوم كامل، أن الحراك قادر على التأثير في مختلف الأماكن، فأصبح حضوره في الشارع فاعلا ومؤثرا، أكثر من حضور السلطة العسكرية في الشارع، وكأن الحراك الثوري قد قال بالفعل لا بالقول في 3 يوليو: الشارع لنا. فيما غياب الغطاء الشعبي للانقلاب العسكري عن مشهد 3 يوليو، وحضور الحراك الثوري المؤثر،أكد أن مسار الحراك الثوري صاعد، أما مسار الانقلاب العسكري فهابط، مما يعني أن معركة النفس الطويل يحقق فيها الحراك الثوري مكاسب على حساب السلطة العسكرية الحاكمة. طبيعة المعركة وأكد "حبيب" أنه تأكد بعد مرور عام على الانقلاب العسكري، أكثر من أي وقت مضى، أن المعركة هي معركة النفس الطويل، أي معركة القدرة على الاستمرار والبقاء، فهي معركة بين حراك ثوري عليه أن يؤكد قدرة على الاستمرار والتجديد والتنويع والتأثير عبر المكان والزمان. وهي معركة تواجه فيها السلطة العسكرية تحدي الاستمرار والبقاء مؤثرة وفاعلة وقادرة على التأثير على مجريات الأمور، وكلما أصبحت السلطة عاجزة على التأثير بفاعلية، أصبحت أقل قدرة على الاستمرار في معركة النفس الطويل. وهي معركة إرادة، فالطرف الذي يملك إرادة الاستمرار في التأثير بفاعلية مهما واجه من عقبات، ينتصر في المعركة في نهاية الأمر، أما الطرف الذي يفقد تأثيره وتتضاءل إرادته عن الفعل المؤثر بفاعلية، ينهزم في نهاية الأمر. وهي معركة إجهاد، أي معركة لها علاقة مباشرة بالموارد المتاحة لكل طرف، فمن يجهد أولا وتنضب موارد قوته أولا ينهزم، ومن يستطيع تجديد موارد قوته وإنعاشها وإبرازها، تتوفر له فرص الانتصار في تلك المعركة المصيرية. هي إذن معركة استنزاف موارد القوة والقدرة والإرادة، فمن يتمكن من تجديد موارده والمحافظة عليها دون استنزاف، يتمكن من المواصلة حتى خط النهاية، ومن يستنزف موارده سريعا بحثا عن نصر حاسم وسريع، يستنزف أولا، ولا يتمكن من الوصول إلى خط النهاية. استراتيجية الفراشة • الحراك الثوري أثبت امتلاكه إرادة بشرية لا تنضب وأنه قادر على تجديدها والحفاظ عليها وبين "حبيب" أنه لأن الانقلاب العسكري اعتمد على القوة المسلحة، وأيضا أعتمد على كل أدوات القمع الأمني، لذا أصبح هو الطرف الذي يعتمد على القوة المادية المفرطة. أما الحراك الثوري فأعتمد منذ البداية على إرادة الثوار وقدرتهم البشرية على التحدي والصمود، فأصبح هو الطرف الذي يملك القوة المعنوية. مشيرا إلى أنه تحولت المعركة سريعا بين الحراك الثوري والانقلاب العسكري، إلى استراتيجية الفراشة، التي تعتمد على أن من يملك القوة المعنوية أو الفنية، يستخدم مهاراته في إجهاد الطرف الذي يعتمد على القوة المادية المفرطة، حتى تقل قوته المادية، ولا يتمكن من الحصول على أي قوة معنوية أو فنية. فالحراك الثوري أمتلك القدرة على إجهاد الطرف الآخر دون أن ينزلق إلى المنافسة معه في القوة المادية التي يتفوق فيها، أما السلطة العسكرية فأصرت على استخدام القوة المادية المفرطة، ولم تدرك أنها تنضب في النهاية، وأنها لن تتمكن من توفير أي قوة معنوية بدلا منها. بين الشهادة والغنيمة وأكد "حبيب" أن الحراك الثوري بما قدمه من تضحيات وبسبب قدرته على الصمود، استطاع أن ينمي قدراته المعنوية، ويزيد من رصيده المعنوي، مما جعله يتمكن من إجهاد الطرف الآخر، ومنعه من الحصول على أي مورد معنوي، وإبقائه أسيرا للقوة المادية المفرطة. هي المقابلة بين الشهادة والغنيمة، تلك المقابلة التي تجعل طرفا يمثل الرصيد المعنوي، وطرفا آخر يمثل الرصيد المادي، ومن تلك المقابلة، يتضح مصادر قوة كل طرف، وتصبح المعركة تدور حول استنزاف موارد طرف لصالح طرف آخر. • من يملك الرصيد المعنوي يتبع استراتيجية الفراشة ليضعف تأثير القوة المادية للطرف الآخر ويستنزفه ويهزمه معنويا وخلص "حبيب" إلى أن من يملك الرصيد المعنوي، يتبع استراتيجية الفراشة، حتى يضعف تأثير القوة المادية للطرف الآخر، ويقلل خسائره، ويستنزف قدرة الطرف الآخر على الصمود، حتى يتمكن من هزيمته معنويا، وهزيمة معنوياته، وهزيمة إرادته. فمن يبحث عن الشهادة، تتوفر له موارد الصمود والإرادة والقدرة، دون أن تنضب. ومن يبحث عن الغنيمة يفقد صبره في نهاية الأمر، عندما يدرك أنه يستنزف، دون أن تتاح له فرصة الحصول على الغنيمة وتأمين حياته، والوصول إلى مرحلة السلطة والنفوذ المستقر.