• تغريب مصر والدول العربية والإسلامية فشل.. ونشر العلمنة فشل.. وتغييب الهوية الإسلامية فشل أيضا • جماعة الإخوان المسلمين كانت في قلب ثورة يناير فأصبحت في طليعة الثورة بعد الانقلاب • الربيع العربي لن يصل للحظة النصر الحاسم دون أن يكون حاملا لهوية ومشروع واضح أعدها للنشر: الحرية والعدالة أكد المفكر والباحث السياسي د. رفيق حبيب أنه بعد أن كان الربيع العربي يمثل انتفاضة شعبية واسعة ضد الاستبداد والفساد، أصبح مسار الربيع العربي يتجه نحو بناء قاعدة ثورية مجتمعية، قادرة على تغيير مجمل الأوضاع وإسقاط منظومة الاستبداد والفساد. فأصبحت معركة الربيع العربي متعددة، وتواجه كل أعداء الربيع العربي في وقت واحد. وبعد الانقلاب العسكري أصبحت الحركة الإسلامية هي طليعة الثورة وطليعة الربيع العربي، بل أصبحت الحركة الإسلامية، هي الكيان المنظم الموكول له إنجاح الربيع العربي. فجماعة الإخوان المسلمين كانت في قلب ثورة يناير فأصبحت في طليعة الثورة بعد الانقلاب العسكري. فهل أصبحت جماعة الإخوان المسلمين طليعة الربيع العربي؟ وهل استهداف الإخوان أكثر من غيرهم وفي كل دول الربيع العربي، يجعل جماعة الإخوان هي الطليعة الثورية المنوط بها حماية الربيع العربي، وتحقيق النصر له؟ • تبدو الحركة الإسلامية وكأنها المكلفة تاريخيا بحماية الربيع العربي وتحقيق انتصار الثورة وأضاف في دراسة حديثة له عنوانها "الإخوان في الطليعة.. اختيار أم حتمية؟" أن استهداف جماعة الإخوان المسلمين من تحالف منظومة الاستبداد والفساد، أكد أن هذا التحالف يرى أن جماعة الإخوان تمثل خطرا وجوديا عليه. فاستهداف الإخوان من قبل تحالف الثورة المضادة، أكد أن جماعة الإخوان تمثل ركيزة أساسية لصالح الثورة، وأن دورها يمكن أن يفشل الثورة المضادة. كما أن استهداف الحركة الإسلامية المعتدلة وكل المشروع السياسي الإسلامي من قبل تحالف الثورة المضادة، أكد أن الحركة الإسلامية تمثل مشروعا له قاعدة جماهيرية كافية لإنجاح مسار الثورة والتغيير. ولو لم يكن المشروع السياسي الإسلامي له جاذبية جماهيرية، لما استهدف. وفيما يلي عرض لأهم القضايا التي تناولتها الدراسة: ما هي الطليعة؟ أوضح "حبيب" أن الحركة الإسلامية المعتدلة تبدو وكأنها وقفت في الموضع الذي يجعلها طليعة للأمة. مشيرا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين أرادت أن تكون في قلب الثورة، وليس في صفها الأمامي أو الخلفي، ولكن يبدو أن الظروف التاريخية جعلتها في طليعة الثورة. ولأن الأمة تواجه معارك التحرر والنهضة، لذا فهي تواجه معركة حياة أو موت، وقوى تريد أن تخرجها من موروثها الحضاري، وتريد أن تفرض عليها الاستبداد والهيمنة، مما يجعل الأمة في حاجة لمن يقوم بدور الطليعة، التي تحيي الموروث الحضاري للأمة، وتحررها من الاستبداد والهيمنة الخارجية. • طليعة الأمة تعبر عن الأمة أصلا أي أنها تعبر عن السواد الأعظم وعن الموروث الحضاري لهذا أصبحت جماعة الإخوان المسلمين في طليعة الربيع العربي، لأنها تحمل رؤية نابعة من الموروث الحضاري للأمة، وتعبر عن الوعي الجمعي الممتد عبر الأجيال للأمة الإسلامية. ولو لم تكن جماعة الإخوان المسلمين معبرة عن الموروث الحضاري للأمة، ما استهدفت أساسا. موضع الطليعة كشف "حبيب" أنه في لحظة المعركة الشرسة بين الثورة والثورة المضادة تتشكل تحديات متعددة ومتتالية، مما يجعل موقف الحركة الإسلامية معقدا. فمن يقوم بدور الطليعة، أو الذي فرض عليه هذا الدور، عليه أن يدرك موضعه ودوره. فالطليعة تقود مسار الثورة وتحميه وتقويه، ولكنها لا تصنع الثورة، بل تفجر طاقاتها. والطليعة غير النخبة، لأن النخبة تفرض تصوراتها على العامة، أو هكذا ترى دورها، والنخبة تتصور أنها الأقدر على الفهم والتصور، ولكن الطليعة ليست كذلك. فطليعة الأمة تعبر عن الأمة أصلا، أي أنها تعبر عن السواد الأعظم، كما أنها تعبر عن الموروث الحضاري القابع في الوعي الجمعي. وبيّن "حبيب" أن جماعة الإخوان المسلمين، مثل غيرها من الحركات الإسلامية، لها إطار عام يمثل ثوابت تصورها، ولها رؤيتها الخاصة بعد ذلك، وهي تقوم بدور الطليعة من خلال الإطار العام الذي تطرحه، ولكن تصورها الخاص، يمثل رؤية فصيل سياسي يتنافس مع غيره من الفصائل. ودور الطليعة في مسار الثورة، يفرض على جماعة الإخوان المسلمين، التمييز بين الثوابت العامة لرؤيتها والتي تمثل الإطار الحاكم للموروث الحضاري للأمة، وبين تصوراتها الخاصة التي تميزها كحركة اجتماعية وسياسية. • أصبحت الحركة الإسلامية طليعة الثورة والكيان المنظم الموكول له إنجاح الربيع العربي ونبه "حبيب" إلى أن كل هوية تحمل تنوعا داخليا هو جزء أساسي من تشكل تلك الهوية، ولكن أي حركة تحمل تصورها عن الهوية. فالإطار العام للهوية الذي يعبر عن الأمة يتسع للتعدد الداخلي والتنوع والثراء، لذا فكل طليعة عليها أن تدافع عن الهوية كإطار عام داخله تنوع، وإن كان لها تصورها الخاص، الذي هو جزء من هذا التنوع. فالحركة يجب أن تفرق بين دورها كطليعة للأمة، ودورها كفصيل من فصائل الأمة. فمن خلال دور الطليعة، يمكن إعادة اكتشاف الإطار العام للهوية، بكل ما تتحمله من تنوع داخلي، مما يعيد تأسيس الإطار الحضاري المحقق لوحدة المجتمع، والمنظم لتنوعه الداخلي داخل إطار الوحدة، وهو ما يساعد على مواجهة حالة التفكك التي تصنعها الثورة المضادة أو تستفيد منها وتوظفها. الثورة الكاشفة كشف "حبيب" أنه ربما يكون مسار الثورة بعد الانقلاب العسكري، والموجة العاتية من الثورة المضادة في بلاد الربيع العربي، بمثابة لحظة تاريخية كاشفة. فقد يكون مسار الربيع العربي كاشفا عن الوعي الجمعي للأمة، ومستخرجا لهويتها التاريخية، ومبرزا للقوى المعبرة عنها. فالحرب العاتية ضد الربيع العربي، لا يمكن مواجهتها من خلال حراك شعبي عام فقط، بل تحتاج لحركة شعبية واعية ولها رؤية واضحة. ولا يبدو أن مسار الربيع العربي يمكن أن يصل للحظة النصر الحاسم، دون أن يكون حاملا لهوية ومشروع واضح. ويبدو أن مسار الربيع العربي يغير من تركيبة المجتمع، وتركيبة القوى السياسية أيضا بحسب "حبيب" وكأنه يعيد تشكيل المشهد بصورة تسمح بنجاح الثورة. فلأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية قبل الثورة، أصبحت تمثل عائقا أمام الثورة، مما يتطلب تغييرا أكبر، ينتصر لفكرة الثورة ويحمي مسارها. وتحت قصف أكبر هجمة اجتماعية وثقافية، يشنها تحالف الثورة المضادة، أصبحت دول الربيع العربي تواجه خطر التفتت والتقسيم والتفكيك، ولم يعد أمامها إلا إعادة اكتشاف ذاتها الحضارية، حتى تتوحد من جديد، وتعيد وحدة وتماسك الأمة. • أي حركة تقوم بدور طليعي في عملية التغيير والإصلاح تدفع ثمنا مضاعفا ورصد "حبيب" أن بلاد الربيع العربي، وأغلب الدول العربية والإسلامية، تمر بمرحلة تاريخية حرجة تهدد كيان بعضها، بما يهدد كيان الكل في النهاية. وهنا تصبح اللحظة التاريخية كاشفة، فإذا كان لدى الثورة المضادة الحل، سوف تكون هي الثورة، وإذا كانت هي الأزمة، فلن تكون إلا ثورة مضادة. وإذا كان الحراك الثوري في مصر وغيرها من دول الربيع العربي، يحمل حلا لأزمة المنطقة، فهو إذن الثورة التي سوف تنقذ دول المنطقة، وتعيد للأمة هويتها، وتفتح أمامها فرص النهوض والتقدم. في قلب المعركة مشيرا إلى أنه في قلب المعركة، يمتحن كل طرف، ليشهد التاريخ عن من يملك الحل ومن يمثل الأزمة. وربما تكون جماعة الإخوان المسلمين في قلب مشهد تاريخي كاشف، فهي تمتحن مشروعها وتصوراتها داخل إطار ثوري وتفاعلي مستمر، تمتحن الفكرة نفسها التي قامت عليها، وبقدر ما تكون فكرة الإخوان حلا للأزمة، وطريقا للمستقبل، بقدر ما تصبح الجماعة طليعة للثورة والأمة. بقدر ما تكون رؤية جماعة الإخوان المسلمين معبرة عن التيار السائد، ومعبرة عن الموروث القابع في الوعي الجمعي، وبقدر ما تكون رؤية الجماعة هي الفكرة التي تحي هوية الأمة، بقدر ما تكون الجماعة هي طليعة لإحياء وإنهاض الأمة. وبقدر ما تكون الهوية، والتي تحملها الحركة الإسلامية، هي القيمة التي تنصر الثورة، بقدر ما يتأكد أنها بالفعل هوية الأمة التي تأسست عليها الأمة، والتي تمثل جوهر وجودها التاريخي، وتمثل أيضا الرؤية التي تبني مستقبل الأمة. الطليعة والتضحية ولفت "حبيب" إلى أن أي حركة تقوم بدور طليعي في عملية التغيير والإصلاح تدفع ثمنا مضاعفا. وفي الثورة تدفع طليعة الثورة الثمن الأكبر، وكلما كانت الحركة هي الأكبر والأوسع تأثيرا تكون تضحياتها أكبر. فتحالف الثورة المضادة يركز على الحركة الأقوى، حتى يتمكن من تثبيت دعائم الثورة المضادة. وجماعة الإخوان المسلمين اختارت منذ تأسيسها أن تكون محرك عملية التغيير، فقد تصور مؤسس الجماعة، أن وجود تنظيم قوي يمثل ضرورة من أجل استعادة الهوية الحضارية مرة أخرى، وتحقيق نهضة الأمة. • تحت قصف أكبر هجمة اجتماعية وثقافية يشنها تحالف الثورة المضادة تواجه دول الربيع العربي خطر التفتت والتقسيم والتفكيك ولم يكن تصور مؤسس الجماعة، بعيدا عن ما حدث بالفعل، خاصة بعد الانقلاب العسكري. مستكملا فقد اتضح أن استعادة الأمة لهويتها الحضارية، وتحقيق الاستقلال الحضاري، عمل يحتاج لنضال شعبي واسع، كما اتضح أن نجاح الثورة يحتاج لقوة شعبية هائلة ومستمرة، وأتضح أيضا أن الوقوف أمام تحالف الثورة المضادة، يحتاج لإرادة شعبية واعية، وحركة منظمة. لذا فلم تكن فكرة تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، إلا محاولة لتقوية مشروع النهوض الحضاري، بتنظيم يحمل المشروع ويعمل من أجل تحقيقه، ويدفع ثمن ذلك. وكأن جماعة الإخوان المسلمين أسست أساسا، حتى يكون هناك من يدفع الثمن من أجل التحرر والنهوض، فلا توجد نهضة بلا ثمن كبير. لحظة فارقة وبين "حبيب" أنه في مسار حركة كل الأمم، فترات تراجع حضاري، يعقبها نضال من أجل النهوض مرة أخرى، وكل محاولة لاستعادة مسار النهضة الصاعد، تحتاج لرؤية وإرادة ووعي، وتحتاج أيضا لطليعة تحمل عبئ النضال، وتنظم حركة عامة الناس، حتى يثمر النضال ويحققه نتائجه. وفي مشهد الربيع العربي تبدو الحركة الإسلامية وكأنها المكلفة تاريخيا بحماية الربيع العربي وتحقيق انتصار الثورة، وإذا صح هذا فإنه يعني أن الحركة الإسلامية هي التي تحمل مشروع استعادة هوية الأمة، لأنه لا توجد ثورة تنجح إلا باستعادة الهوية الحضارية. لهذا يتصور "حبيب" أن لحظة الربيع العربي تمثل لحظة فارقة في تاريخ الحركة الإسلامية وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين، فهي اللحظة التي تكشف عن قدرة المشروع السياسي الإسلامي على تحقيق التحرر والنهضة. وبقدر تعبير المشروع الإسلامي عن الأمة بقدر ما يكون ركيزة تحررها، والذي يمهد لنهضتها. إحباط الطليعة ونبه "حبيب" إلى أن أي حركة لها دور طليعي تمر بعدة امتحانات صعبة، ففي كثير من الأحيان يبدو المجتمع أو جزء منه مستسلما لما يحدث، كما حدث واستسلم قطاع من المجتمع المصري للحكم العسكري. وفي لحظات أخرى يبدو قطاع من المجتمع هشا وضعيفا، كما حدث واستغل قطاع من المجتمع ليوفر غطاءً للانقلاب العسكري، دون أن يدرك. • استهداف جماعة الإخوان المسلمين من تحالف "الاستبداد والفساد" لأنه يراها خطرا وجوديا عليه يفشل الثورة المضادة ويصبح سؤال الحركة الطليعية الملح أحيانا، لماذا يدفع كل هذا الثمن، من أجل مجتمع قد يكون بعضه لا يريد أساسا التغيير والإصلاح، ولا يهمه التحرر والنهوض؟ ولماذا تدفع الحركة ثمنا باهظا في النضال من أجل التحرر، رغم أن المجتمع قد يستكين للاستبداد مرة أخرى، ويجهض حركة التحرر؟ ويرى "حبيب" أن كل الشعوب والأمم تحتاج للحرية حتى تتمكن من تحقيق التقدم والنهوض، لذا فإن القطاع الثائر في أي مجتمع، هو القطاع الذي امتلك وعيا حيا ولم يتأثر بمنظومة الاستبداد، وهو القطاع الذي تمكن من حماية وعيه، من عمليات التشويه والتضليل. وكل الأمم والشعوب تتحرر بسبب قطاع ثائر منها، يحمل وعيا ورؤية ومشروعا، ولديه القدرة على النضال من أجل التحرر. وكل مجتمع تحرر أدرك أهمية ودور الطليعة الثائرة التي تحملت ثمن التحرر. والأغلبية الكبيرة من الذين لا يريدون الحرية، يحتفلون بها في النهاية عندما تتحقق. تجارب الماضي وقال "حبيب" إن البعض يتساءل عن دور الحركة الإسلامية ودور جماعة الإخوان المسلمين في الماضي، وقد يظن أن ما لم يتحقق في عقود لن يتحقق الآن، ولكن الناظر لمعركة الاستعمار والاستبداد، يكتشف أن تغريب مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية فشل، وأن نشر العلمنة فشل، وأن تغييب الهوية الإسلامية فشل أيضا. والناظر لموجات الربيع العربي، يجد أنها تكشف عن بروز الهوية الإسلامية، وكأن تلك الهوية لم تحارب منذ قرنين من الزمان. والمتابع لموجات الثورة المضادة، يدرك أن بروز الهوية الإسلامية، دفع قوى الهيمنة والاستبداد لشن حرب شرسة على الربيع العربي. • تدفع طليعة الثورة الثمن الأكبر وكلما كانت الحركة الأكبر والأوسع تأثيرا تكون تضحياتها أكبر ويبدو برأي "حبيب" أن تجربة النضال من أجل التحرر راكمت العديد من الإنجازات عبر عقود، وأصبحت في مرحلة يمكن أن تحقق فيها التحرر، وتأسس لنهضة حضارية جديدة. ودون تجارب وإنجازات الماضي، كان يمكن للربيع العربي أن يكون مجرد محاولة تحرر لا تكتمل. قد يكون ما أنجزته الحركة الإسلامية، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، قد بنى بالفعل أرضية التحرر والنهوض، متمثلة في تلك النواة الصلبة التي تكرر ظهورها منذ الثورة، وأصبحت عماد الحراك الثوري ضد الانقلاب العسكري، وبقدر ما تكون تلك النواة الصلبة ممثلة لحقيقة الأمة، بقدر ما يكون نضالها بداية تحرر ونهوض الأمة، وانتصارا لربيع العرب.