منذ السابع من أكتوبر 2023، واندلاع معركة طوفان الأقصى اندلعت مواجهة غير مسبوقة في قطاع غزة بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية قوات الإحتلال قصفت المدن بلا توقف، ودمرت البنية التحتية، وهجّرت مئات الآلاف من المدنيين …فى المقابل حركة حماس ردّت بالصواريخ، وأدارت القطاع رغم الحصار والدمار، وحافظت على حضورها السياسي والعسكري.. المجتمع الدولي تابع الأحداث بقلق، بينما رفعت الدراسات المستقلة الستار عن أرقام صادمة للضحايا تجاوزت مئة ألف إنسان. هذه الأوضاع التى تفرض استمرار حماس كلاعب استراتيجي تضع العالم أمام معضلة أخلاقية وسياسية فى ظل ضخامة حجم المأساة الإنسانية.
لاعب استراتيجي
فى هذا السياق أكدت صحيفة دايلي صباح التركية أن حماس لم تتصرف كحركة مرتجلة، بل خططت بعناية وأدارت المعركة كلاعب استراتيجي على أكثر من مستوى. وقالت الصحفية ان الحركة نظمت صفوفها، ودفعت الرواتب، وأبقت مؤسساتها قائمة رغم انهيار الخدمات الأساسية مشيرة إلى أن قادة الحركة أعادوا ترتيب الأولويات، وأداروا الإعلام والدبلوماسية بمهارة، وأثبتوا أنهم ليسوا مجرد ميليشيا بل كيان سياسي وعسكري متجذّر. وأشارت إلى ان حماس أثبّتت حضورها في المشهد الإقليمي، وفرضت نفسها طرفًا لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات، كما استثمرت في خطاب المقاومة، وأقنعت جمهورها بأنها قادرة على الصمود رغم الإبادة. ونقلت الصحيفة عن محللين تأكيدهم أن حماس أظهرت عقلية الدولة، وأثبتت أنها لاعب استراتيجي يخطط ويصبر وينتظر اللحظة المناسبة.
إبادة جماعية
فيما كشفت دراسات مستقلة أن حجم الخسائر البشرية في غزة أكبر بكثير مما هو معلن رسميًا. فى هذا السياق أكدت دراسة أكاديمية نشرها موقع تروث آوت أن عدد القتلى ارتفع بنسبة 40% عن الأرقام الرسمية وكشفت الدراسة أن الباحثين حللوا بيانات المستشفيات والمقابر، وخلصوا إلى أن عشرات الآلاف لم يُسجلوا في الإحصاءات الرسمية. وقالت ان معهد ماكس بلانك للدراسات الديموغرافية قدّر أن أكثر من 78 ألف شخص قُتلوا بين أكتوبر 2023 ونهاية 2024. فى حين أشار موقع كومون دريمز إلى أن العدد الحقيقي قد يتجاوز 126 ألف قتيل، وهو رقم يضع الحرب في خانة الإبادة الجماعية. وأوضحت الدراسة أن الضحايا لم يسقطوا فقط تحت القصف، بل ماتوا بسبب انهيار النظام الصحي، ونقص الغذاء، وانتشار الأمراض.
نتنياهو
من جانبها قالت الكاتبة والباحثة السياسية الدكتورة تمارا حداد، إن طبيعة المرحلة الحالية التي تتسم ب "اللا سلم واللا حرب"، تعد الخيار الأمثل لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو؛ لأنها تمكنه من تحقيق الهدف الأمني المطلق. وأضافت "تمارا حداد" فى تصريحات صحفية، أن نتنياهو لا يريد حسم معادلة الإيقاف النهائي للحرب، بل يفضل الإبقاء على جبهات قتال مفتوحة في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، ساعياً لإغلاق هذه الملفات بالطريقة التي تحقق له الهدف الاستراتيجي المتمثل في بسط القبضة الأمنية أو الحكم الأمني الشامل على أرض قطاع غزة، وشددت على أن أي إيقاف نهائي للحرب يعني نهاية حياة نتنياهو السياسية، وهو ما يفسر إصراره على استمرار حالة اللا حسم مشيرة إلى وجود تشابه كبير في التفكير بين نتنياهو وحركة حماس فى هذه النقطة . وأكدت "تمارا حداد" أن الحركة تعي تماماً أن أي تسوية أو إيقاف للقتال يستدعي استحقاق المرحلة الثانية المتمثل في نزع سلاحها أو إنهاء حكمها في القطاع لافتة إلى أن حماس هي أيضاً معنية بإبقاء الحالة كما هي، أملاً في أن تحقق إطالة أمد المواجهة بقاءها في الحكم، لتتقاطع بذلك مصلحتها مع مصلحة نتنياهو.
مقومات الحياة
وأعربت عن أسفها لأن الشعب الفلسطيني يبقى هو الضحية الكبرى بين الطرفين، مشددة على أن المؤشرات الميدانية والعقلية الأمنية الصهيونية لا تظهر أي بوادر لتعزيز حكم فلسطيني، بل تهدف إلى إعادة السيطرة المطلقة على قطاع غزة والضفة الغربية، من منطلق فرض السيادة الذي يساوي في مفهومه التهجير، وتقليل الديموغرافيا الفلسطينية. وأشارت "تمارا حداد" ، إلى أنه رغم إحباط مخططات التهجير إلا أن الخوف الأكبر يكمن في تقليل مقومات الحياة في القطاع، خاصة مع غياب بوادر إعادة الإعمار، ويعود ذلك لعدة معوقات أهمها اشتراط نزع سلاح حماس وغياب التوافق على إدخال قوات دولية، التي ترى بعض الأطراف أنها تستهدف نزع سلاح الفصائل بدلاً من تعزيز الهوية الفلسطينية. وحذرت من أن يشهد المستقبل القادم عودة السيطرة الصهيونية المطلقة وفرض وقائع جديدة تشمل إنشاء مناطق عازلة وتقسيم القطاع إلى تجمعات سكانية، واستمرار سياسة الاغتيالات والتضييق الإنساني والعسكري.