في مشهد جديد من مسلسل بيع أصول مصر بأبخس الأثمان، دخلت قطر رسميًا على خط المزاد الذي فتحه المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي لتسييل ما تبقى من مقدرات البلاد. ففي الوقت الذي يفاخر فيه إعلام النظام بالحزمة الاستثمارية القطرية البالغة 7.5 مليارات دولار، يتجاهل نفس الإعلام قضية "التخابر مع قطر" التي حوكم فيها الرئيس الشهيد محمد مرسي وقيادات من جماعة الإخوان، وما زال عشرات منهم يقبعون في السجون حتى الآن. المفارقة أن إعلام العسكر، الذي ملأ الدنيا صراخًا باتهام مرسي زورًا بأنه "باع قناة السويس والأهرامات لقطر"، يقف اليوم صامتًا أو مهللًا لصفقات السيسي مع الدوحة. فمن الكاذب ومن الصادق إذن؟ هل كان مرسي خائنًا كما صوّره الإعلام الموالي للعسكر، أم أن النظام الحالي هو من يفرّط في الأصول علنًا لصالح الإماراتوقطر وغيرها؟
صفقات مشبوهة.. استثمارات أم قروض مقنّعة؟
اللقاء الأخير في العلمين بين مصطفى مدبولي ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لم يكن سوى خطوة جديدة لتفعيل تلك "الحزمة الاستثمارية"، التي يتضح من تفاصيلها أنها ليست إلا تبادلًا للودائع القطرية المحتجزة في البنك المركزي المصري باستثمارات مباشرة، أي أنها قروض تتحول إلى ملكية للأصول بدلًا من السداد، بما يعمّق تبعية مصر المالية والاقتصادية للخليج.
خبراء: استنزاف جديد بلا إصلاح داخلي
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمود وهبة إن ما يقدمه السيسي ليس استثمارات حقيقية بل "شراء أصول سيادية لتمويل العجز"، وهو ما يشبه الرهن العقاري لأملاك الدولة مقابل الحصول على سيولة وقتية، دون وجود رؤية لإصلاح اقتصادي داخلي حقيقي.
أما الباحث الاقتصادي عبد الخالق فاروق المعتقل بسجون السجون فيؤكد في تصريحات صحفية سابقة أن الاعتماد المفرط على الأموال الخليجية يعكس "فشل السياسات الاقتصادية" للنظام، مشيرًا إلى أن هذه التدفقات لا تُستثمر في الصناعة أو الزراعة أو خلق فرص عمل مستدامة، بل تذهب لسد فجوات عاجلة وخدمة الدين الخارجي، ما يعني أن الأزمة تتفاقم ولا تُحل.
ويضيف الخبير حسام الشاذلي أن ما يجري هو "قروض مقنّعة تحت لافتة الاستثمار"، تحوّل البلاد إلى "ساحة لتصفية الأصول" وتمنح المستثمر الخليجي امتيازات غير مسبوقة، بينما يتحمل المواطن المصري أعباء التضخم والضرائب ورفع الدعم.
الأكثر سخرية أن النظام الذي اتهم قطر لعشر سنوات بأنها "تتآمر على مصر"، بات يتباهى اليوم بصفقات بمليارات الدولارات مع نفس الدولة. وبحسب الأرقام الرسمية، فإن حجم الاستثمارات القطرية تجاوز 5 مليارات دولار بالفعل، مع خطط لمشاريع عقارية وسياحية تتجاوز 3.5 مليارات دولار أخرى.
فهل كانت قطر بالفعل "عدوًا يتجسس على مصر" كما قال إعلام العسكر؟ أم أن كل ما قيل كان أكاذيب لتشويه مرسي والإطاحة به، بينما الحقيقة أن النظام الحالي نفسه يفتح الأبواب مشرعة أمام الدوحة لشراء ما تشاء من أصول الوطن؟
الكيل بمكيالين.. مصر للبيع
المشهد الحالي يضع المصريين أمام حقيقة صارخة: نظام السيسي يبيع أصول البلاد "بالقطاعي"، سواء للإمارات أو قطر أو غيرهما، دون أن يجرؤ إعلام النظام على الاعتراض. بينما مرسي، الذي لم يبع شبرًا من أرض مصر، حُوكم بتهمة "التخابر مع قطر".
النتيجة أن مصر تُستنزف بلا خطة إصلاح، والجيل القادم سيرث بلدًا مُثقلاً بالديون ومفرغًا من أصوله. وبينما تتباهى السلطة بصفقاتها، يبقى السؤال: من الذي باع مصر حقًا؟ ومن الذي كذب على الشعب؟
المفارقة أن الإعلام الموالي للعسكر، الذي اتهم مرسي ببيع قناة السويس والأهرامات – وهي أكاذيب لم تثبت – يصمت اليوم عن بيع مصر "بالتقسيط" للإمارات وقطر. بل ويحوّل التنازل عن ثروات البلاد إلى "إنجاز اقتصادي" يُسوّق للمصريين على أنه مخرج من الأزمة، في حين أن الواقع هو مزيد من الارتهان للخليج ومزيد من التبعية.
فهل يُحاكم المنقلب الخائن السيسي بتهمة "التخابر مع قطر" كما حوكم الرئيس الشهيد مرسي؟ أم أن معيار الخيانة والوطنية يقاس بمقدار ولائك للعسكر؟