حذر خبراء اقتصاد من اتجاه عدد من الشركات المصرية الكبرى إلى تقليص أعمالها محليا وتوجهها للخارج، لتعرض بعضها لضغوط أمنية مشيرين إلى قرار شركة "جهينة للصناعات الغذائية" – التى تعمل منذ 40 عاما- ببيع مصنعها ب6 أكتوبر بمساحة 15 ألف متر مربع . وأرجع الخبراء قرار جهينة إلى ما تعرض له مؤسس الشركة صفوان ثابت، ونجله سيف، وشقيقه محمد، من السجن منذ نهاية 2020، وحتى مطلع 2023، فيما تجري محاكمة شقيقه بتهم الانضمام لجماعة إرهابية بعد حبسه احتياطيا لمدّة 5 سنوات. وأكدوا أن سياسات الانقلاب الاقتصادية ، وسيطرة الجيش ومؤسسات سيادية على أغلب القطاعات، والتعامل الأمني الخشن أدّت إلى هروب بعض رجال الأعمال إلى ملاذات آمنة، وأسواق غير مضطربة، واقتصاديات لا تعاني أزمات مع العملات الصعبة. كان نظام الانقلاب قد استهدف بعض رجال الأعمال للاستيلاء على أموالهم، ففي نهاية 2020، ثم 2021، جرى توقيف صاحب محلات "التوحيد والنور" سيد السويركي، ومؤسس شركة "جهينة" صفوان ثابت ونجله، ومؤسس صحيفة "المصري اليوم" صلاح دياب، ومن قبلهم رجلي الأعمال أحمد بهجت، وحسن مالك.
بيانات رسمية
فى هذا السياق كشفت بيانات رسمية إماراتية وسعودية عن حلول المصريين بالمرتبة الثالثة في تأسيس الشركات في دبي، بنحو 5300 شركة خلال عام 2024، وزيادة الاستثمار المصري بالسعودية 150 بالمئة، ومنح الرياض 7 آلاف ترخيص لاستثمارات مصرية في 2024. في مارس 2024، أعلنت شركة "حسن علام" عن رغبتها مضاعفة حجم أعمالها بأسواق السعودية والإمارات وعمان والعراق وليبيا، بعقود تصل ل 2.5 مليار دولار، كما تشارك شركة المقاولون العرب بتنفيذ جسرين بمدينتي درنة وسوسة بليبيا. وفي التوقيت نفسه، أعلنت "كونكريت بلس" تقليص أعمالها بمصر إلى ثلث نشاطها العام المقبل، والتوسع الإقليمي والدولي، وتنفيذ 5 مشروعات بالسعودية بملياري ريال، ومشروع تجاري في عُمان بنحو 40 مليون دولار. وفي يناير الماضي، كشفت شركة "سامكريت مصر" للمقاولات، عن رغبتها دخول السوق السعودي، وتوسيع استثماراتها بقارة إفريقيا لملياري دولار، رغم أنها نفذت حجم أعمال مقاولات بقيمة 12 مليار جنيه بمصر خلال 2024، ولديها حجم أعمال قائم بعدد من المشروعات المحلية.
بيع الأصول
وتواصل شركات مصرية كبرى عمليات التسجيل والبيع لبعض أصولها بالخارج هربا من أوضاع وقوانين السوق المحلية، والاحتماء بقوانين وأسواق دولية أخرى تعتمد طريقة ما يعرف بنظام "الملاذات الضريبة"، أو "الأوفشور"، الذي يمنحها حماية قانونية ويسمح لها بتحويل أرباحها بالعملات الأجنبية مع تقديم إعفاءات ضريبة كبيرة. وفي سبتمبر الماضي، نقلت شركة الصناعات الغذائية العربية "دومتي" حصة مملوكة لعائلة "الدماطي" تمثل 24.61 بالمئة، لصالح شركة "International dairy investment"، المملوكة أيضا وبالكامل لعائلة الدماطي، والمسجلة بجزر الكايمن، الواقعة غرب "البحر الكاريبي"، والتي تعتبر مركزا استثماريا قليل الضرائب، وجاذبة لشركات "الأوفشور". وفي ديسمبر 2022، أعلنت شركة النساجون الشرقيون عن عمليات بيع صوري ونقل لملكية "24.61 بالمئة" من أسهمها ببورصة مصر، لشركة إنجليزية، تحمل اسم " FYK LIMITED"، والمملوكة لأسرة خميس، بقيمة 1.37 مليار جنيه. وفي أكتوبر 2022، أعلن الملياردير نجيب ساويرس، الاستثمار ببناء محطات شحن السيارات الكهربائية بالمغرب، وبعض دول أفريقيا. وفي 2 مايو 2023، أعلن شقيقه سميح ساويرس، توقفه تماما عن الاستثمار في مصر، وعدم دخول مشروعات جديدة بها، بسبب أزمة شح الدولار وسعر الصرف، وأنه سوف يتوجه باستثماراته للسعودية.
تغول المؤسسات السيادية
من جانيه ارجع الدكتور أحمد ذكر الله أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، انتقال هذه الشركات الى الخارج لمجموعة أسباب، موضحا أن السبب الأول يتمثل فى: تغول المؤسسات السيادية على الاقتصاد القومي وعدم قدرة الشركات على المنافسة، وهو أحد دوافع تلك الشركات للبحث عن فرص استثمارية بدول أخرى تتمتع ببيئة أكثر شفافية وربما أكثر ربحية. وقال ذكر الله فى تصريحات صحفية : السبب الثاني أنّ مثل هذه المشاريع تعد بابا لإخراج الأموال إلى الخارج، بمعنى أنه لو حدثت مشكلة كتلك التي حدثت قبل عامين بأزمة سعر الصرف -وصل نحو 70 جنيها مقابل الدولار بالسوق السوداء و31 جنيها رسميا- وما ترتب عليه من وقف الاستيراد، فإن ترتيب المحفظة الاستثمارية لهذه الشركات عبر مجموعة دول يكون أكثر أمانا من ناحية الحفاظ على الأموال والحصول على السيولة. وأشار إلى أن السبب الثالث يتمثل فى أنّ هذه الشركات تبحث عن فرص ربح بتلك الدول التي تريد معظمها تحقيق مكاسب سياسية، وبالتالي وجود شركات مصرية كبرى ذات خبرة واسعة لديها له مردود جيد على المستوى السياسي والشعبوي.
مستثمر أجنبي
وأوضح ذكر الله أن السبب الرابع يتعلق بالشركات التى تبحث عن فرص ربحية كونها بتلك الدول ستصبح مستثمرا أجنبيا يتمتع بمزايا الحصول على أراضي مخفضة أو مجانية، وتمنحه البنوك المحلية هناك التمويل اللازم لاسيما بعض دول الخليج إذا كان لديه شريك محلي فيفتح له باب القروض الميسرة بشدة. ولفت إلى سبب خامس يتعلّق بالبحث عن السوق الواسع، ففي الأبجديات الاقتصادية السوق يكون عدد سكان كبير أو دخل مرتفع، وتلك الدول معظمها من ذوي الدخل المرتفع، ويمكن أن تشكل أسواقا جيدة لهذه الشركات لاسيما بعد تشبع سوق العقارات المصري الذي يمر بما يمكن أن نسميه الفترة الأخيرة قبل انفجار الفقاعة العقارية .