في ظل الغلاء المتصاعد وتضاؤل الثقة في الجهات الرقابية، يجد المواطن المصري نفسه أمام تحدٍ جديد يتمثل في ما يأكله على مائدته، وسط مخاوف حقيقية من لحوم فاسدة أو مجهولة المصدر. وفي غياب رقابة صارمة ومحاسبة عادلة، تظل صحة المواطن رهينة لتجار الجلود ومصالح مربحة تتغذى على ضعف الدولة وغياب الشفافية. وفى هذا السياق أطلق نقيب عام الفلاحين في مصر، حسين أبو صدام، تحذيراً من تزايد عمليات ذبح الحمير في البلاد بهدف تصدير جلودها إلى الصين، ما ينذر بتسرب لحومها إلى الأسواق والمطاعم، وسط غياب رقابة فعالة.
وقال أبو صدام في تصريحات إعلامية: "الصين تتهافت على جلود الحمير لاستخدامها في صناعة مستحضرات وعقاقير باهظة الثمن، لكن المشكلة أن لحوم هذه الحيوانات قد تجد طريقها إلى المطاعم بدلاً من التخلص الآمن منها". وأضاف أن أجهزة التموين ألقت القبض في الآونة الأخيرة على متورطين في بيع لحوم حمير، ما يكشف عن اتساع الظاهرة.
وأشار إلى أن "المفترض دفن جثث الحمير بعد سلخها دفناً صحياً أو إرسالها لحدائق الحيوان، لكن غياب الرقابة يفتح الباب لتسريب لحومها إلى موائد المصريين".
ارتفاع سعر الجلد وراء تفشي الظاهرة
بحسب نقيب الفلاحين، فإن سعر جلد الحمار يصل أحياناً إلى 20 ألف جنيه (نحو 300 دولار)، ما يجعل من ذبح الحمير تجارة مربحة، في وقت تراجع فيه عدد الحمير في مصر من 3 ملايين في التسعينيات إلى أقل من مليون حالياً. ويقترح أبو صدام وقف تصدير الجلود تماماً والاكتفاء بتصدير الحمير حية، نظراً لعجز السوق المحلية عن توفير اللحوم الحمراء.
أطباء بيطريون يحذرون: خطر الأمراض يلاحق المستهلكين
ويؤكد د. مصطفى عبدالمنعم، أستاذ الرقابة على الأغذية بكلية الطب البيطري، أن لحوم الحمير غير صالحة للاستهلاك الآدمي، مشيراً إلى أنها قد تسبب أمراضاً خطيرة أبرزها:
الحمى المالطية (Brucellosis)
التسمم الغذائي البكتيري (Salmonella & E. Coli)
الطفيليات المعوية كالدودة الشريطية
ويقول في حديث للجزيرة نت: "ذبح الحمير خارج المجازر وتداول لحومها دون رقابة بيطرية يفتح المجال لتفشي أمراض حيوانية المنشأ، يصعب السيطرة عليها في ظل ضعف منظومة التتبع والرقابة الغذائية في مصر".
لحوم الجيش ليست استثناءً.. والمواطنون يخشون التبليغ
وفي ظل هذه الأزمة، توجه أصابع الاتهام أيضاً نحو بعض منافذ بيع اللحوم التابعة للجيش، حيث اشتكى مواطنون من رائحة نفاذة وتغير في لون وطعم اللحوم المعروضة بأسعار مخفضة. غير أن الخوف من تبعات الشكوى والوصم السياسي يدفع كثيرين إلى الصمت.
يقول أحمد (اسم مستعار)، وهو موظف في حي شبرا، "اشتريت لحماً من منفذ تابع للقوات المسلحة وكان لونه داكناً وطعمه غريب، لكني لم أجرؤ على الإبلاغ خوفاً من اتهامي بالإساءة للمؤسسة العسكرية".
حالات موثقة: لحوم حمير وفاسدة في المطاعم والأسواق
ولم تكن التحذيرات مجرد افتراضات؛ ففي السنوات الماضية ضبطت الأجهزة الرقابية عدداً من القضايا التي تؤكد تسرب لحوم الحمير إلى السوق، منها:
في يوليو 2023، ضبطت مباحث التموين أكثر من 500 كيلوجرام من لحوم الحمير في مطعم شهير بمدينة نصر، وكانت معدة على شكل "كفتة" و"كباب".
في 2021، أعلنت وزارة الداخلية ضبط شبكة تقوم بذبح الحمير وبيع لحومها لمطاعم شعبية في محافظة الجيزة.
كما أغلقت السلطات عدداً من منافذ بيع لحوم ثبت فسادها أو انتهاء صلاحيتها، بما في ذلك بعض المنافذ التابعة للجهات السيادية.
غياب الشفافية.. والمواطن الحلقة الأضعف
ويشير مراقبون إلى أن المشكلة لا تتعلق فقط بتسرب لحوم الحمير، بل بمنظومة غذائية تفتقر إلى الشفافية، في ظل تضخم نفوذ بعض الجهات السيادية في مجال الغذاء دون رقابة برلمانية أو إعلامية كافية.
ويقول د. أيمن حسين، الباحث في سلامة الغذاء: "يجب إخضاع جميع منافذ بيع اللحوم، سواء كانت تابعة للقطاع الخاص أو جهات حكومية، للمعايير الدولية ومساءلة صارمة"، مطالباً بتفعيل دور الهيئة القومية لسلامة الغذاء وإلزام جميع الأطراف بالخضوع لمعايير الجودة والرقابة.