في حلقة جديدة من مسلسل القمع الوحشي، أطلق نظام السفاح عبد الفتاح السيسي حملة تنكيل جديدة ضد المعتقلين السياسيين في سجن "بدر 3"، عقب احتجاجهم على ما وصفوه ب"الزيارات المهينة وغير الإنسانية"، حيث أجبروا على مقابلة ذويهم عبر كبائن زجاجية وأجهزة عزل صوتي، بما ينتهك أبسط حقوقهم الإنسانية. مصادر حقوقية أكدت أن مصلحة السجون شنت حملة عقابية موسعة شملت تفتيش الزنازين بدقة، ومصادرة مستلزمات المعيشة اليومية، وتجريد المعتقلين من احتياجاتهم الأساسية، مع تنفيذ عمليات تأديب جماعي. جاء ذلك ردًا على امتناع المعتقلين عن الزيارات احتجاجًا على ظروفها المهينة.
احتجاجات غاضبة وانتحارات في صفوف المعتقلين وبحسب تسريبات من داخل السجن، أقدم المعتقلون على إشعال الأغطية داخل الزنازين تعبيرًا عن غضبهم، وسط أنباء عن وقوع حالات انتحار بين السجناء نتيجة القمع والإذلال. وكان المعتقلون قد قرروا الامتناع عن الزيارات مطالبين بحقهم في مقابلة ذويهم وجهًا لوجه دون حواجز زجاجية، إلا أن إدارة السجن ردت بالقمع وتجاهلت مطالبهم.
ورغم الضغوط، اضطر المعتقلون لاحقًا إلى إنهاء مقاطعتهم للزيارات بعدما هددت إدارة السجن باتخاذ إجراءات انتقامية إضافية، دون أن يتم تحسين شروط الزيارة.
تصعيد مستمر وسط تجاهل إدارة السجن مدير منظمة "حقهم" الحقوقية، مسعد البربري، كشف في تصريحات ل"عربي21" عن عودة التوترات داخل السجن، موضحًا أن المعتقلين استأنفوا إضرابهم عن الطعام ورفضوا استلام "الجراية" (وجبات السجن)، في محاولة للضغط من أجل تحسين أوضاعهم البائسة، بينما تواصل إدارة السجن تعطيل الكاميرات داخل الزنازين لتغطية الانتهاكات الجسيمة.
ووفق المعلومات المتاحة، تراجعت إدارة السجن عن السماح بزيارة المعتقلين، مكتفية بإدخال الطعام دون السماح بمقابلة الأهالي، تحت إشراف ضابط أمن الدولة المسؤول عن إدارة السجن.
وفاة معتقلين ومحاولات انتحار بسبب التنكيل التدهور الخطير داخل سجن "بدر 3" بلغ ذروته عقب وفاة المعتقل محمد حسن هلال نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، ما أشعل فتيل الغضب بين المعتقلين وأدى إلى تصعيد الاحتجاجات.
كما حاول المعتقل الشاب علاء جمال شنق نفسه داخل الحبس الانفرادي بعد حرمانه من زيارة أسرته ومنع إدخال متعلقاتهم له، ما أدى إلى دخوله في غيبوبة ونقله إلى مستشفى القصر العيني، دون صدور بيان رسمي بشأن وضعه الصحي حتى الآن.
وأكد البربري أن إدارة السجن لم تتخذ أي خطوات جادة لتحسين الأوضاع رغم الانفجار الداخلي الذي تشهده الزنازين، مشيرًا إلى استمرار سياسة التنكيل الممنهج بحق المعتقلين تحت إشراف جهاز أمن الدولة.
توثيق لحالات وفاة وتعذيب ممنهج وبحسب تقارير حقوقية، شهد عام 2024 أكثر من 50 حالة وفاة بين السجناء السياسيين نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب، فيما وثقت حملة "لا تسقط بالتقادم" التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، وقوع 137 حالة وفاة بين عامي 2022 و2024 داخل أقسام الشرطة ومقار الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، مثل معسكرات الأمن الوطني والأمن المركزي.
كما كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن محاولة المعتقل السياسي محمود عبد الله (29 عامًا) الانتحار حرقًا داخل سجن "بدر 3"، احتجاجًا على الإهمال الطبي، بعدما اختفى قسرًا لسبعة أشهر واعتقل منذ عام 2015 رغم معاناته من أمراض مزمنة.
وفي واقعة أخرى، حاول المعتقل أحمد محمد إبراهيم عبد العزيز، المحبوس احتياطيًا منذ سبعة أعوام، الانتحار أثناء عرضه أمام النيابة العامة، في مشهد يلخص حجم اليأس الذي يعانيه المعتقلون تحت حكم السيسي القمعي.
أوضاع مأساوية وسط صمت رسمي رغم تصاعد الدعوات الحقوقية الدولية والمحلية لوضع حد للانتهاكات داخل السجون المصرية، يواصل نظام السيسي تجاهله لهذه النداءات، وسط مؤشرات واضحة على أن سياسة التعذيب الممنهج والإهمال الطبي القاتل باتت سلاحًا رئيسيًا لكسر إرادة المعتقلين السياسيين.
وتبقى حياة الآلاف من المعتقلين مهددة بالخطر الحقيقي، في وقت يتصاعد فيه الغضب داخل الزنازين، وتتزايد وتيرة الانتهاكات، بينما يغيب أي أفق لحل حقيقي أو مساءلة جدية عن الجرائم المرتكبة بحقهم.