في أحدث فصول القمع والانتهاكات التي تمارسها نظام الانقلاب بحق المعتقلين السياسيين منذ الانقلاب العسكري الذي قاده السفاح عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو 2013، وثّقت مؤسسة "جوار للحقوق والحريات" واقعة عقاب جماعي داخل سجن برج العرب، أحد أكثر السجون شهرة في سجل الانتهاكات الحقوقية بمصر. خلفية سوداء لسجون السيسي: ممنهج لا فردي الواقعة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة. فمنذ الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، تحولت السجون المصرية إلى مقابر للكرامة، ومرتع للانتهاكات، بدءاً من العقرب شديد الحراسة، إلى طره ووادي النطرون وبني سويف وبرج العرب.
التعذيب الجسدي، الحرمان من الدواء، الإخفاء القسري، التجويع، والعزل الانفرادي… أدوات يتداولها جهاز الأمن الوطني المصري في سجن المواطنين المعارضين، لا لجرم ارتكبوه، بل لموقف سياسي أو رأي مخالف.
انتقام ممنهج بسبب الاعتراض على الإهانات وبحسب إفادات وثقتها المؤسسة من داخل السجن، فإن أربعة معتقلين سياسيين تعرضوا لإجراءات انتقامية قاسية بعد اعتراضهم على ما وصفوه ب"الإهانات والانتهاكات المهينة" التي طاولتهم وذويهم خلال الزيارة الدورية، والتي أشرف عليها ضابط بجهاز الأمن الوطني يُعرف داخل السجن بلقب "حمزة المصري".
المعتقلون – وهم: منصور السيد، وعلاء الونش، وعبد الرحمن صالح، ومحمد البنداري – أُقتيدوا مباشرة إلى زنازين التأديب، دون السماح لهم بأخذ أي من احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك البطاطين أو فرش النوم أو حتى ملابس إضافية. واحتُجزوا في ظروف يُعتقد أنها غير إنسانية، في إطار ما وُصف ب"العقاب الجماعي والتأديب النفسي".
إهانات للأهالي وتعدٍّ على الكرامة وقعت الحادثة بعد أن أبدى المعتقلون استياءهم من أسلوب "التجريد والتفتيش المهين" الذي تعرّض له أهاليهم عند الزيارة، حيث جرى تفتيش النساء والأطفال بشكل وصف بأنه "مقصود ومذل"، ما اعتبره المعتقلون انتهاكاً صارخاً للكرامة الإنسانية.
شهادات أسر: "يذلونا لنكف عن الزيارة" في تصريحات لمؤسسة "جوار"، قالت زوجة أحد المعتقلين: "في كل زيارة نتعرض للإذلال، يتم تفتيشنا بطريقة مهينة ونُمنع من إدخال الطعام أو الأدوية… يبدو أنهم يريدون أن نتوقف عن زيارة أبنائنا". وعلّقت والدة معتقل آخر بقولها: "ابني خرج للزيارة وفي عينيه دموع، قال لي: يا أمي سامحيني على اللي بتتعرضيله عشاني".
منظمات دولية تدين.. والانتهاكات مستمرة منظمات حقوقية دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" سبق أن وثقتا نمطاً ممنهجاً من الانتهاكات في سجن برج العرب وغيره من السجون المصرية، خاصة تجاه المعتقلين السياسيين. ووصفت المنظمتان ما يجري داخل السجون المصرية بأنه "نظام عقابي متكامل يهدف إلى إذلال المعتقل وكسر إرادته".
وأشارت تلك المنظمات إلى أن سجون السيسي تشهد حرماناً من العلاج، وتكدساً خانقاً داخل الزنازين، ومنعاً متكرراً من الزيارات، ما يشكّل خرقاً فاضحاً لقواعد الأممالمتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، ويخالف المادة 55 من الدستور المصري التي تضمن كرامة الإنسان وعدم تعرضه للتعذيب.
دعوات للمحاسبة وخروج الجيش من المشهد وسط هذا المشهد القاتم، تتصاعد المطالبات الدولية بمحاسبة نظام السيسي على جرائمه ضد الإنسانية. كما تتجدد الدعوات من منظمات دولية ونواب أوروبيين بوقف الدعم الغربي للنظام المصري حتى يلتزم باحترام حقوق الإنسان، وإخراج المؤسسة العسكرية من الحياة المدنية، وعلى رأسها المنظومة الأمنية والعدلية التي أصبحت أداة بطش لا عدالة.