الداخلية تسمح ل 23 شخصا بالتنازل عن الجنسية المصرية    في واقعة اغتصاب طالبة، إحالة مديري مدرسة للصم للمحاكمة التأديبية    أسعار الذهب في السعودية اليوم الثلاثاء 23-12-2025    مدبولي يبدأ جولة تفقدية لمشروعات "حياة كريمة" بقرى مركز الصف بالجيزة    قرار جمهوري بتشكيل مجلس إدارة البنك المركزي برئاسة حسن عبد الله    رئيس الوزراء: مبادرة «حياة كريمة» أكبر مشروعات القرن الحادي والعشرين    وزيرة التخطيط تعقد جلسة مباحثات مع وزير الاقتصاد الأرميني لمناقشة الشراكة الاقتصادية بين البلدين    زراعة سوهاج: لا إصابات وبائية بزراعات الطماطم ومستويات الآفات آمنة    أسعار السمك اليوم الثلاثاء 23-12-2025 في محافظة الأقصر    ترامب «يهدد» مادورو: «كن حكيمًا وغادر»    أرقام قياسية تزين افتتاحية الفراعنة فى أمم أفريقيا.. صلاح يدخل التاريخ    إصابة 3 فلسطينيين برصاص قوات الاحتلال واعتقال العشرات في الضفة الغربية    الأمين العام لحلف الناتو: أمن أوروبا مرهون بدعم أوكرانيا    بعد دعوة جديدة للبابا لاون 14.. هل ينجح الفاتيكان في كبح حرب أوكرانيا؟    كأس عاصمة مصر، مودرن سبورت ودجلة يبحثان عن أول فوز في مواجهة الليلة    الصحف العالمية تتفاعل مع فوز منتخب مصر القاتل على زيمبابوي في أمم إفريقيا 2025.. ماذا قالت؟    وائل القباني: هجوم منتخب مصر الأقوى.. والتكتيك سيتغير أمام جنوب إفريقيا    مدرب زيمبابوي: جودة لاعبي مصر حسمت النتيجة.. ونشعر بالإحباط    بعد وفاة الطفل يوسف| النيابة تحيل رئيس وأعضاء اتحاد السباحة للمحاكمة الجنائية العاجلة    القاهرة: السيطرة على حريق نشب بأحد مخازن الخشب بحى المرج وتشكيل لجنة هندسية لبيان مدى تأثر العقارات المجاورة    بعد قليل، نظر جلسة محاكمة سارة خليفة و27 آخرين في قضية المخدرات الكبرى    الأرصاد تحذر من التقلبات الجوية.. اعرف تفاصيل طقس اليوم    وفاة شاب في حادث تصادم على طريق جيهان في المنوفية    قرار النيابة الإدارية بشأن مديرى مدرسة حالى وسابق فى واقعة التعدى على تلميذة    وفاة والد الفنان أحمد عبد الحميد    أكثر من مليار مشاهدة لدولة التلاوة بعد 10 حلقات للبرنامج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 23-12-2025 في محافظة قنا    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    عبد الغفار: مصر ملتزمة بدورها المحوري في دعم التعاون الصحي الإفريقي    وزير الصحة يناقش مع مدير المركز الأفريقي للأمراض تطوير آليات الاستجابة السريعة للتحديات الصحية الطارئة    الوزراء: محافظة الإسكندرية ضمن المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    قائد الجيش الثاني الميداني: لن نسمح بأي تهديد يمس الحدود المصرية    خطوات التصالح في سرقة الكهرباء    بدء الصمت الانتخابي في إعادة انتخابات النواب بالدوائر ال19 الملغاة    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    اليوم.. نظر استئناف المتهم بقتل مالك قهوة أسوان على حكم إعدامه    عمرو الحفني رئيسًا لغرفة تطوير واستصلاح الأراضي الصحراوية.. وناجي والمرشدي وكيلان    إدارة ترامب توقع اتفاقيات صحية مع 9 دول أفريقية    أليك بالدوين في عين العاصفة مجددًا... قضية Rust تعود وتثير قلقًا واسعًا على حالته النفسية    المخرجة إنعام محمد علي تكشف كواليس زواج أم كلثوم والجدل حول تدخينها    الرئيس الفنزويلي: الطاقة يجب ألا تتحول إلى سلاح حرب    أحمد التهامي يحتفل بفوز منتخب الفراعنة ويُوجه رسالة ل محمد صلاح    "بسبب غاز السخان" النيابة تحقق في وفاة عروسين    زينة منصور تدخل سباق رمضان بدور مفصلي في «بيبو»... أمومة على حافة التشويق    إلهام شاهين تتصدر جوجل وتخطف قلوب جمهورها برسائل إنسانية وصور عفوية    مشروع قومى للغة العربية    مواطن يستغيث من رفض المستشفي الجامعي طفل حرارته عاليه دون شهادة ميلاده بالمنوفية    بيسكوف: لا أعرف ما الذي قصده فانس بكلمة "اختراق" في مفاوضات أوكرانيا    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    حسام حسن: حدث ما توقعته «صعبنا الأمور على أنفسنا أمام زيمبابوي»    أمم إفريقيا - مؤتمر حسام حسن: كنت أحمل هم الجماهير في مصر.. وصلاح يصنع الفارق    فرقة سوهاج للفنون الشعبية تختتم فعاليات اليوم الثالث للمهرجان القومي للتحطيب بالأقصر    حماية القلب وتعزيز المناعة.. فوائد تناول السبانخ    القانون يضع ضوابط تقديم طلب اللجوء إلى مصر.. تفاصيل    ما هي أسباب عدم قبول طلب اللجوء إلى مصر؟.. القانون يجيب    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التخلي عن السلاح ووقف الحرب والبديهيات المغيّبة

أثار تقديم الوسيط المصري عرضا للمقاومة الفلسطينية لوقف إطلاق النار يتطرق لفكرة تخليها عن السلاح جدلا واسعا، ليس فقط لأن الأمر يطرح لأول مرة بهذا الشكل في سياق المفاوضات، ولكن أيضا لأنه أتى من الوسيط المصري مباشرة، على ما ادعى مسؤولون في دولة الاحتلال ونفاه مصريا رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، وليس مسؤولا رفيع المستوى.

كما دائما، تزامنت مع هذا العرض المستهجن حملة مكثفة ضد المقاومة، وتحديدا حركة حماس ضمن مساعي الضغط عليها وتحميلها مرة أخرى مسؤولية الدماء المهراقة؛ من زاوية أن العرض المقدّم هو الفرصة الأخيرة لوقف الحرب، وهي حملة شارك فيها، كالعادة، مسؤولون "إسرائيليون" ووسائل إعلام عربية، ونشطاء على وسائل التواصل يدورون في فلك الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

فهل العرض فعلا منطقي وواقعي؟ وهل هو قادر فعلا على وقف إطلاق النار؟

في المقام الأول، وبافتراض أننا تخطينا مسألة كون دول عربية وسيطا بين أشقائها وقاتليهم، فإن العرض الأخير يشكل خروجا تاما عن نسق المفاوضات التي بدأت مع الحرب باتجاه مواضيع خارج إطار التفاوض، ما يعني تأزيم المسار لا تسهيله. كما أن طرح مسألة تعدُّ من المحرمات مثل سلاح المقاومة، هو شرط تعجيزي لا يصدر عمن يريد الوصول لاتفاق.

سؤال وجيه وجوهري يرتبط بضمانات وقف إطلاق النار، في حال قبلت المقاومة الفلسطينية نقاش مسألة السلاح. وما زال سلوك الاحتلال بعد الاتفاق الأول شاهدا، من عدم الالتزام لإعاقة البروتوكول الإنساني، إلى عدم الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، فضلا عن تأكيد مسؤولين، على رأسهم نتنياهو، نيّة حكومة الاحتلال استئناف الحرب بعد حصولها على الأسرى.


ثم سيكون هناك سؤال وجيه وجوهري يرتبط بضمانات وقف إطلاق النار، في حال قبلت المقاومة الفلسطينية نقاش مسألة السلاح. وما زال سلوك الاحتلال بعد الاتفاق الأول شاهدا، من عدم الالتزام لإعاقة البروتوكول الإنساني، إلى عدم الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، فضلا عن تأكيد مسؤولين، على رأسهم نتنياهو، نيّة حكومة الاحتلال استئناف الحرب بعد حصولها على الأسرى.

وإذا كان هذا أداء الاحتلال في الحرب الحالية، فإن تاريخه حافل بنقض الاتفاقات والتنصل من الالتزامات، وفي خصوصية السلاح تحديدا، ما زال التاريخ شاهدا على مجزرة صبرا وشاتيلا التي خططت لها ونفذتها وشكلت غطاء لها قواتُ الاحتلال مع اليمين الانعزالي اللبناني، بعد خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان بعد التفاهمات التي أبرمها المبعوث الأمريكي فيليب حبيب في 1982.

وبافتراض تجاوز كل ذلك، على صعوبته، ما هي المعايير العملية لمنطق "تسليم السلاح"؟ وما هو المقصود بالسلاح الذي يُطلب من الفلسطينيين تسليمه، وهم لا يملكون طائرات ولا سفنا ولا دبابات ولا أيا من أنواع السلاح الثقيل بل والمتوسط، وجلُّ ما بيدهم يدرج ضمن السلاح الفردي؟ وعليه، من الذي سيضمن إقرار "إسرائيل" في أي مرحلة من المراحل بأن الفلسطينيين قد سلموا فعلا ما لديهم من سلاح، وهي صاحبة السجل التفاوضي المعروف منذ ما قبل أوسلو وبعده وحتى اليوم؟!!

لذا، بالعودة لمنطق حملات الضغط والبروباغندا ضد المقاومة الفلسطينية، كيف يمكن تحميل الأخيرة مسؤولية عدم وقف الحرب واستمرار الاعتداءات "الإسرائيلية" بسبب رفضها إلقاء السلاح وخروج قيادات المقاومة لخارج غزة، وغير ذلك من الشروط التعجيزية التي قد يطرحها الاحتلال لاحقا، كما رفع مرارا سقف الشروط بعد التوصل لتفاهمات خلال هذه الحرب؟

يعيدنا ذلك إلى منطق تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية الإبادة الحاصلة؛ لأنها نفذت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ابتداء، وكأن الإبادة رد فعل منطقي ومتوقع على العملية، أو كأن كل ما مارسته "إسرائيل" حتى اللحظة سببه العملية وفقط!!


لقد اجتاحت "إسرائيل" لبنان في 1982 بذريعة "محاولة اغتيال" سفيرها في لندن شلومو أرغوف، وشنت حربها على لبنان عام 2006 بعد أسر حزب الله جنديين "إسرائيليين"، أي إنها شنت أكبر عدوانين لها على لبنان في حين لم تسفك نقطة دم واحدة من طرفها!!

أكثر من ذلك، فقد عمّقت دولة الاحتلال حربها على لبنان في الحرب الحالية رغم التزام حزب الله، خطابا وفعلا، بجبهة إسناد لم تكسر التوازن أو المعادلات القائمة، فضلا عن أن تهددها بشكل جذري، كما شنت أكبر عملية في تاريخها ضد سوريا بعد سقوط نظام الأسد، رغم أن القيادة الجديدة ليست في وارد الدخول معها في صراع من أي شكل حاليا، ورغم تأكيداتها المتكررة بهذا الخصوص، فضلا عن حربها المفتوحة في الضفة الغربية المحتلة التي لا تمتلك أي أسلحة كاسرة للتوازن.

ما حال دون إبادة كاملة وتهجير شامل حتى اللحظة، ليس إنسانية الاحتلال ولا عجزه ولا الضغط الدولي عليه، وإنما أوراق القوة النسبية القليلة المتوافرة في يد المقاومة، وهي: سلاحها والأسرى وصمود حاضنتها الشعبية في القطاع والتفافها حولها. وهذا ما يضغط الاحتلالُ وحلفاؤه والمتعاونون معه عليه بكل قوة في الآونة الأخيرة.


بكلام آخر، لقد شنت "إسرائيل" دائما حروبها الأوسع والأكبر والأكثر فتكا وسفكا للدماء وفق أجندتها الذاتية وخططها المسبقة، وإن تذرعت أحيانا بخطوة هنا أو عملية هناك، وهو ما أكدته تصريحات سموتريتش وبن غفير بخصوص الضفة خلال الحرب، وتصريحات نتنياهو في الأمم المتحدة قبلها. فكيف يستقيم لأي تحليل رصين وتقييم موضوعي، أن يجزم بأن حرب الإبادة "الإسرائيلية" ضد غزة سببها -وليس ذريعتها- عملية السابع من أكتوبر، وأنها لم تكن لتكون في توقيت آخر وسياق مختلف بذريعة أخرى؟ ومن ثم كيف يستقيم إذن تحميل الفلسطينيين مسؤولية الجرائم التي ترتكب ضدهم؟ فضلا عما في ذلك من "تطبيع" للإبادة وتبرير أفعال الاحتلال، ضمنا لا صراحة طبعا.

جزء مما يدفع البعض لسوء التقدير في السياق الحالي، هو إغفالهم أن "إسرائيل" قد تغيرت جذريا. أيَّدْتَ عملية طوفان الأقصى أم عارضْتَها، أحببتَ حماس أم كرهْتَها، لا ينبغي عليك أن تغفل أن هذه الحرب قد غيرت كل شيء، ووضعت دولة الاحتلال والقضية الفلسطينية والمنطقة برمتها في سياق مختلف تماما، لم تعد تصلح له ومعه التقييمات السابقة على الحرب.

الكل يدعو لوقف الحرب "بأي ثمن"، والمقاومة ليست استثناء في ذلك، فهي أيضا تريد وقف العدوان بأي ثمن، لكن المهم والمؤثر هنا هو "وقف العدوان" أكثر من "الثمن"؛ لأن الأثمان المقترحة غير قادرة على وقف الحرب. فالعوامل والتطورات التي يمكن لها أن توقف الحرب أو تساهم في ذلك، ما زالت على حالها منذ بداية الحرب، وهي تعرُّض "إسرائيل" لخسائر كبيرة تدفع لقرار وقف الحرب من المستوى السياسي أو المؤسسة العسكرية، أو بسبب الضغوط الشعبية الداخلية، أو موقف عربي– إسلامي حقيقي ضد الإبادة ومع وقف الحرب وإدخال المساعدات، أو قرار أمريكي بوقف الحرب. وأي من هذه العوامل لم يحدث حتى اللحظة بالدرجة المؤثرة المنشودة.

أما أي مرونة وتنازلات فلسطينية، فلم تؤد حتى اللحظة لتغير جوهري في موقف الاحتلال، بل لعلها أدت إلى تصلب موقفه باتجاه استمرار الحرب، وقد استشهد نتنياهو سابقا بكتابات ومناشدات على وسائل التواصل، عدَّها مؤشرا على ضعف المقاومة و/أو الشعب، فدعا لتكثيف الحرب ومواصلة الضغط، وليس العكس.

وعليه، ينبغي تركيز جهود من يريد وقف الحرب، فعلا وحقا لا مناكفة واستغلالا، على ما يمكن أن يوقفها.

إن ما حال دون إبادة كاملة وتهجير شامل حتى اللحظة، ليس إنسانية الاحتلال ولا عجزه ولا الضغط الدولي عليه، وإنما أوراق القوة النسبية القليلة المتوافرة في يد المقاومة، وهي: سلاحها والأسرى وصمود حاضنتها الشعبية في القطاع والتفافها حولها. وهذا ما يضغط الاحتلالُ وحلفاؤه والمتعاونون معه عليه بكل قوة في الآونة الأخيرة: السلاح والأسرى والجبهة الداخلية في غزة، بينما ينبغي لأي مخلص وجادٍّ في حرصه على دماء الناس وحريتهم وقضيتهم، أن يعزز أوراق القوة هذه، وأن يضغط على المعتدي لا الضحية.

يدرك الجميع أن المقاومة لن تسلم سلاحها، وأن الشعب نفسه لن يرضى بذلك، ومن ثم، فوقف العدوان لا يتأتى بهذه الطريقة، وإنما بإلزام الاحتلال بما اتفق عليه، ولجْمِهِ عن العدوان بكل السبل المتاحة وهي كثيرة بالمناسبة، لمن صدق.
التخلي عن السلاح ووقف الحرب والبديهيات المغيّبة

أثار تقديم الوسيط المصري عرضا للمقاومة الفلسطينية لوقف إطلاق النار يتطرق لفكرة تخليها عن السلاح جدلا واسعا، ليس فقط لأن الأمر يطرح لأول مرة بهذا الشكل في سياق المفاوضات، ولكن أيضا لأنه أتى من الوسيط المصري مباشرة، على ما ادعى مسؤولون في دولة الاحتلال ونفاه مصريا رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، وليس مسؤولا رفيع المستوى.

كما دائما، تزامنت مع هذا العرض المستهجن حملة مكثفة ضد المقاومة، وتحديدا حركة حماس ضمن مساعي الضغط عليها وتحميلها مرة أخرى مسؤولية الدماء المهراقة؛ من زاوية أن العرض المقدّم هو الفرصة الأخيرة لوقف الحرب، وهي حملة شارك فيها، كالعادة، مسؤولون "إسرائيليون" ووسائل إعلام عربية، ونشطاء على وسائل التواصل يدورون في فلك الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

فهل العرض فعلا منطقي وواقعي؟ وهل هو قادر فعلا على وقف إطلاق النار؟

في المقام الأول، وبافتراض أننا تخطينا مسألة كون دول عربية وسيطا بين أشقائها وقاتليهم، فإن العرض الأخير يشكل خروجا تاما عن نسق المفاوضات التي بدأت مع الحرب باتجاه مواضيع خارج إطار التفاوض، ما يعني تأزيم المسار لا تسهيله. كما أن طرح مسألة تعدُّ من المحرمات مثل سلاح المقاومة، هو شرط تعجيزي لا يصدر عمن يريد الوصول لاتفاق.

سؤال وجيه وجوهري يرتبط بضمانات وقف إطلاق النار، في حال قبلت المقاومة الفلسطينية نقاش مسألة السلاح. وما زال سلوك الاحتلال بعد الاتفاق الأول شاهدا، من عدم الالتزام لإعاقة البروتوكول الإنساني، إلى عدم الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، فضلا عن تأكيد مسؤولين، على رأسهم نتنياهو، نيّة حكومة الاحتلال استئناف الحرب بعد حصولها على الأسرى.


ثم سيكون هناك سؤال وجيه وجوهري يرتبط بضمانات وقف إطلاق النار، في حال قبلت المقاومة الفلسطينية نقاش مسألة السلاح. وما زال سلوك الاحتلال بعد الاتفاق الأول شاهدا، من عدم الالتزام لإعاقة البروتوكول الإنساني، إلى عدم الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، فضلا عن تأكيد مسؤولين، على رأسهم نتنياهو، نيّة حكومة الاحتلال استئناف الحرب بعد حصولها على الأسرى.

وإذا كان هذا أداء الاحتلال في الحرب الحالية، فإن تاريخه حافل بنقض الاتفاقات والتنصل من الالتزامات، وفي خصوصية السلاح تحديدا، ما زال التاريخ شاهدا على مجزرة صبرا وشاتيلا التي خططت لها ونفذتها وشكلت غطاء لها قواتُ الاحتلال مع اليمين الانعزالي اللبناني، بعد خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان بعد التفاهمات التي أبرمها المبعوث الأمريكي فيليب حبيب في 1982.

وبافتراض تجاوز كل ذلك، على صعوبته، ما هي المعايير العملية لمنطق "تسليم السلاح"؟ وما هو المقصود بالسلاح الذي يُطلب من الفلسطينيين تسليمه، وهم لا يملكون طائرات ولا سفنا ولا دبابات ولا أيا من أنواع السلاح الثقيل بل والمتوسط، وجلُّ ما بيدهم يدرج ضمن السلاح الفردي؟ وعليه، من الذي سيضمن إقرار "إسرائيل" في أي مرحلة من المراحل بأن الفلسطينيين قد سلموا فعلا ما لديهم من سلاح، وهي صاحبة السجل التفاوضي المعروف منذ ما قبل أوسلو وبعده وحتى اليوم؟!!

لذا، بالعودة لمنطق حملات الضغط والبروباغندا ضد المقاومة الفلسطينية، كيف يمكن تحميل الأخيرة مسؤولية عدم وقف الحرب واستمرار الاعتداءات "الإسرائيلية" بسبب رفضها إلقاء السلاح وخروج قيادات المقاومة لخارج غزة، وغير ذلك من الشروط التعجيزية التي قد يطرحها الاحتلال لاحقا، كما رفع مرارا سقف الشروط بعد التوصل لتفاهمات خلال هذه الحرب؟

يعيدنا ذلك إلى منطق تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية الإبادة الحاصلة؛ لأنها نفذت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ابتداء، وكأن الإبادة رد فعل منطقي ومتوقع على العملية، أو كأن كل ما مارسته "إسرائيل" حتى اللحظة سببه العملية وفقط!!


لقد اجتاحت "إسرائيل" لبنان في 1982 بذريعة "محاولة اغتيال" سفيرها في لندن شلومو أرغوف، وشنت حربها على لبنان عام 2006 بعد أسر حزب الله جنديين "إسرائيليين"، أي إنها شنت أكبر عدوانين لها على لبنان في حين لم تسفك نقطة دم واحدة من طرفها!!

أكثر من ذلك، فقد عمّقت دولة الاحتلال حربها على لبنان في الحرب الحالية رغم التزام حزب الله، خطابا وفعلا، بجبهة إسناد لم تكسر التوازن أو المعادلات القائمة، فضلا عن أن تهددها بشكل جذري، كما شنت أكبر عملية في تاريخها ضد سوريا بعد سقوط نظام الأسد، رغم أن القيادة الجديدة ليست في وارد الدخول معها في صراع من أي شكل حاليا، ورغم تأكيداتها المتكررة بهذا الخصوص، فضلا عن حربها المفتوحة في الضفة الغربية المحتلة التي لا تمتلك أي أسلحة كاسرة للتوازن.

ما حال دون إبادة كاملة وتهجير شامل حتى اللحظة، ليس إنسانية الاحتلال ولا عجزه ولا الضغط الدولي عليه، وإنما أوراق القوة النسبية القليلة المتوافرة في يد المقاومة، وهي: سلاحها والأسرى وصمود حاضنتها الشعبية في القطاع والتفافها حولها. وهذا ما يضغط الاحتلالُ وحلفاؤه والمتعاونون معه عليه بكل قوة في الآونة الأخيرة.


بكلام آخر، لقد شنت "إسرائيل" دائما حروبها الأوسع والأكبر والأكثر فتكا وسفكا للدماء وفق أجندتها الذاتية وخططها المسبقة، وإن تذرعت أحيانا بخطوة هنا أو عملية هناك، وهو ما أكدته تصريحات سموتريتش وبن غفير بخصوص الضفة خلال الحرب، وتصريحات نتنياهو في الأمم المتحدة قبلها. فكيف يستقيم لأي تحليل رصين وتقييم موضوعي، أن يجزم بأن حرب الإبادة "الإسرائيلية" ضد غزة سببها -وليس ذريعتها- عملية السابع من أكتوبر، وأنها لم تكن لتكون في توقيت آخر وسياق مختلف بذريعة أخرى؟ ومن ثم كيف يستقيم إذن تحميل الفلسطينيين مسؤولية الجرائم التي ترتكب ضدهم؟ فضلا عما في ذلك من "تطبيع" للإبادة وتبرير أفعال الاحتلال، ضمنا لا صراحة طبعا.

جزء مما يدفع البعض لسوء التقدير في السياق الحالي، هو إغفالهم أن "إسرائيل" قد تغيرت جذريا. أيَّدْتَ عملية طوفان الأقصى أم عارضْتَها، أحببتَ حماس أم كرهْتَها، لا ينبغي عليك أن تغفل أن هذه الحرب قد غيرت كل شيء، ووضعت دولة الاحتلال والقضية الفلسطينية والمنطقة برمتها في سياق مختلف تماما، لم تعد تصلح له ومعه التقييمات السابقة على الحرب.

الكل يدعو لوقف الحرب "بأي ثمن"، والمقاومة ليست استثناء في ذلك، فهي أيضا تريد وقف العدوان بأي ثمن، لكن المهم والمؤثر هنا هو "وقف العدوان" أكثر من "الثمن"؛ لأن الأثمان المقترحة غير قادرة على وقف الحرب. فالعوامل والتطورات التي يمكن لها أن توقف الحرب أو تساهم في ذلك، ما زالت على حالها منذ بداية الحرب، وهي تعرُّض "إسرائيل" لخسائر كبيرة تدفع لقرار وقف الحرب من المستوى السياسي أو المؤسسة العسكرية، أو بسبب الضغوط الشعبية الداخلية، أو موقف عربي– إسلامي حقيقي ضد الإبادة ومع وقف الحرب وإدخال المساعدات، أو قرار أمريكي بوقف الحرب. وأي من هذه العوامل لم يحدث حتى اللحظة بالدرجة المؤثرة المنشودة.

أما أي مرونة وتنازلات فلسطينية، فلم تؤد حتى اللحظة لتغير جوهري في موقف الاحتلال، بل لعلها أدت إلى تصلب موقفه باتجاه استمرار الحرب، وقد استشهد نتنياهو سابقا بكتابات ومناشدات على وسائل التواصل، عدَّها مؤشرا على ضعف المقاومة و/أو الشعب، فدعا لتكثيف الحرب ومواصلة الضغط، وليس العكس.

وعليه، ينبغي تركيز جهود من يريد وقف الحرب، فعلا وحقا لا مناكفة واستغلالا، على ما يمكن أن يوقفها.

إن ما حال دون إبادة كاملة وتهجير شامل حتى اللحظة، ليس إنسانية الاحتلال ولا عجزه ولا الضغط الدولي عليه، وإنما أوراق القوة النسبية القليلة المتوافرة في يد المقاومة، وهي: سلاحها والأسرى وصمود حاضنتها الشعبية في القطاع والتفافها حولها. وهذا ما يضغط الاحتلالُ وحلفاؤه والمتعاونون معه عليه بكل قوة في الآونة الأخيرة: السلاح والأسرى والجبهة الداخلية في غزة، بينما ينبغي لأي مخلص وجادٍّ في حرصه على دماء الناس وحريتهم وقضيتهم، أن يعزز أوراق القوة هذه، وأن يضغط على المعتدي لا الضحية.

يدرك الجميع أن المقاومة لن تسلم سلاحها، وأن الشعب نفسه لن يرضى بذلك، ومن ثم، فوقف العدوان لا يتأتى بهذه الطريقة، وإنما بإلزام الاحتلال بما اتفق عليه، ولجْمِهِ عن العدوان بكل السبل المتاحة وهي كثيرة بالمناسبة، لمن صدق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.