رفع السودان دعوى ضد دويلة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية على خلفية التواطؤ في جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب السوداني. وقالت السودان إنها تواجه الإمارات أمام محكمة العدل الدولية ضمن "معركة قانونية لكشف الحقيقة".
وأعتبر مراقبون أن ما أقدمت عليه السودان خطوة غير مسبوقة، حيث اتهمت الحكومة السودانية الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، بدعم مليشيا الدعم السريع بالأسلحة والتمويل، ما أسفر عن ارتكاب جرائم إبادة جماعية وانتهاكات جسيمة في السوان وفي دارفور.
وقال مراقبون ومحللون سودانيون إن هذه الدعوى تمثل لحظة مفصلية، ليس فقط في سياق الصراع السوداني، ولكن أيضًا في فضح تورط قوى إقليمية في تأجيج الحروب الداخلية عبر دعم المليشيات الخارجة عن القانون.
دلالات الدعوى
وقال محللون إنه منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، لم تتوقف الأدلة المتراكمة التي تشير إلى دعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، بدءًا من التقارير الأممية، مرورًا بتصريحات مشرعين أمريكيين، وصولًا إلى تحقيقات صحفية موثقة كشفت طرق تهريب السلاح عبر ليبيا وتشاد، وتمويل مستمر ساعد المليشيا على الصمود رغم العقوبات الدولية. وبالرغم من النفي الإماراتي المتكرر، جاءت هذه الدعوى لتضع الأمور في سياقها القانوني أمام أعلى سلطة قضائية دولية.
وأشار المحللون إلى أن الدعوى ليس مجرد خطوة رمزية، بل هو تحرك استراتيجي يحمل أبعادًا متعددة: 1.إثبات تورط الإمارات دوليًا: حتى لو استغرق الحكم النهائي سنوات، فإن القضية ستشكل ضغطًا سياسيًا ودبلوماسيًا مستمرًا على الإمارات، مما قد يحدّ من قدرتها على الاستمرار في دعم المليشيا. 2.إعادة تشكيل الخطاب الدولي حول الحرب: طيلة الأشهر الماضية، حاولت بعض الأطراف الترويج لرواية أن الصراع في السودان "حرب أهلية" أو مجرد "خلاف داخلي"، لكن هذه الدعوى تضع الأمور في نصابها الحقيقي، كحرب تشارك فيها أطراف خارجية لها أجندات خفية 3.إجراءات طارئة محتملة: السودان يطالب المحكمة بفرض إجراءات فورية لوقف أي دعم إماراتي للمليشيات، وإذا تم الاستجابة لهذا الطلب، فقد يكون لذلك تأثير مباشر على توازن القوى في ساحة المعركة
https://x.com/TaybaSD/status/1897758215754104929
كسب القضية
الكاتب السوداني مكاوي الملك لفت إلى أن محكمة العدل الدولية لا تصدر أحكامها بناءً على التقديرات السياسية، بل بناءً على الأدلة القانونية. وإذا نجح السودان في تقديم الأدلة الدامغة – وهي متوفرة بالفعل من مصادر أممية وصحفية موثوقة – فقد يكون لذلك تداعيات خطيرة على الإمارات، من فرض عقوبات دولية إلى إحراجها دبلوماسيًا أمام العالم.
وأضاف أن الخطوة تأخرت ولكنها حتمية، موضحا أن الدعوى ضد الإمارات تمثل لحظة فارقة في معركة السودان ليس فقط ضد المليشيات، ولكن ضد كل من تورط في تمويلها وتسليحها. قد تحاول الإمارات المماطلة، وقد تحاول جهات أخرى الالتفاف على القضية، لكن مجرد وصولها إلى محكمة العدل الدولية يعني أن الملف قد خرج من دائرة النفوذ السياسي إلى ساحة العدالة الدولية، حيث لا مجال للتستر على الجرائم".
وأعتبر أنها " معركة طويلة، لكنها ضرورية، والأهم أنها تضع السودان على المسار الصحيح نحو كشف الحقيقة، ومحاسبة كل من تاجر بدماء الأبرياء لصالح أجنداته الخاصة".
كابوس سياسي
في أول رد فعل رسمي، سارعت الإمارات إلى وصف الدعوى بأنها "حيلة دعائية خبيثة"، وهو تصريح يعكس مأزقها القانوني والسياسي. فمن جهة، تحاول أبوظبي التنصل من مسؤوليتها رغم التقارير الموثقة، ومن جهة أخرى، تواجه تحديًا جديدًا يتمثل في إثبات براءتها أمام محكمة دولية لا تعتمد على الدعاية السياسية، بل على الأدلة القانونية القاطعة.
وقال المحلل السواني أحمد شوماخ عبر @ahmadshomokh إن "وجود قضية مرفوعة في محكمة العدل الدولية تتهم الإمارات بخرق معاهدة منع الإبادة الجماعية سيمثل كابوس سياسي وقانوني وإعلامي ودبلوماسي للدويلة في حد ذاته، فكيف لواحة الاستقرار والانفتاح والحريات مجرد أن تكون مواجهة بهذه التهمة الفظيعة والكبيرة، وردة فعلها الصاخبة والمنزعجة تشي بأنها لم تتوقع قيام الحكومة بهذ التصعيد".
وأشار إلى أنه "ستسعى أبوظبي وبكل ما أوتيت من موارد وعلاقات ولوبيهات إعلامية وسياسية للضغط ضد الذهاب بالقضية للأمام، وأتمنى أن تكون الحكومة قد وضعت استراتيجية، وتعاقدت مع مكتب محاماة معتبر. ".
وأكد أن "قضية السودان ضد دولة الشر، فإن التغطية الإعلامية ستتأثر بعوامل متعددة، منها مدى تبني مؤسسات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية لها، وقدرة الحكومة السودانية على إيصالها إلى الرأي العام العالمي. غياب التغطية الإعلامية الكافية قد يجعل القضية أكثر صعوبة في تحقيق مكاسب سياسية حتى في حال نجاحها قانونياً، مما يجعل من الضروري تبني استراتيجية إعلامية قوية لكسر حاجز التعتيم وضمان وصول صوت السودان إلى المنصات الدولية.".
وأشار إلى التعتيم الإعلامي بحق قضايا السودان قائلا: "..جنوب افريقيا لديها منصة أخلاقية دولية مهمة، وقوة ناعمة معتبرة في قضايا محاربة الظلم والعنف المؤسسي، ويجب أن نضمها لمجهود السودان وقضيته العادلة المحقة بشكل من الأشكال. نحن في السودان نتعرض لتعتيم إعلامي متعمد ومقصود، فبجانب الحرب العسكرية والدبلوماسية، فنحن مواجهين بحرب السرديات التي تساوي بين الضحية والجلّاد، بل وتسعى لشرعنة الجلّاد، وعلينا العمل الجادّ لكسر حاجز الصمت المتعمد هذا بطرق إبداعية، فنحن دخلنا مرحلة جديدة في الصراع السوداني الإماراتي.".