في احتلال جديد، وارتهان لقرار مصر ورهن سيادتها لإسرائيل، وعلى الرغم من العنجهية والفخامة الكبيرة في مباني الرئاسة وأحاديث المنقلب السفيه السيسي عن مصر جديدة تكون "أأد الدنيا"، تفاقم الخضوع المصري لتل ابيب، والتي باتت تتحكم في مصر الدولة الكبرى في المنطقة. ورغم تفاخر السيسي بإحراز مصر جون كبير في مرمى إسرائيل، بعد عقد اتفاق لاستيراد الغاز من إسرائيل، مدعيا أنه سيحوّل مصر لمركز إقليمي وعالمي للغاز الطبيعي، وأن مصر حققت الاكتفاء الذاتي، من الغاز وأنها ستصدر الطاقة لأوربا وللدول العربية ، كلبنان والأردن والسعودية والسودان وغيرها من الدول. ورغم تلك الكلمات الخادعة، باتت مصر أكثر ارتهانا للغاز الإسرائيلي، الذي تستعمله إسرائيل للضغط على مصر، خاصة في الملفات الإقليمية الحساسة، كحربها في غزة ومحور فلادليفيا ومعبر رفح، وهو ما يضعف موقف مصر وقرارها في مواجهة انتهاكات واعتداءات إسرائيل. ويوم 19 ديسمبر الجاري، صادقت الحكومة الإسرائيلية، على إنشاء ثالث خط أنابيب غاز يربط إسرائيل بمصر، بهدف مضاعفة كمية الغاز التي تستقبلها القاهرة من تل أبيب، والتي تصل حاليا إلى نحو 10 مليارات متر مكعب، ما يجعل القاهرة رهينة لغاز دولة الاحتلال وفق بعض المحللين، بعدما كانت إسرائيل تستورد الغاز من مصر حتى عام 2012. وبذلك تصبح إسرائيل موردا رئيسيا للغاز الطبيعي لمصر منذ يناير 2020، حين بدأ إنتاج الغاز من حقلي تمار وليفياثان البحريين الواقعين شرق البحر المتوسط، بمعدل نحو خمسة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، ارتفعت إلى 10 مليارات هذا العام، وذلك عبر خط أنابيب تحت البحر يربط إسرائيل وشبه جزيرة سيناء المصرية. ووفق اقتصاديين ، فإن موافقة إسرائيل على الخط الثالث تزيد من جعل مصر رهينة للغاز الإسرائيلي، وسط مخاوف أن يكون "سلاح اقتصادي" تستخدمه تل أبيب مستقبلا، مثلما حاولت مصر، ولكن قُطع عن إسرائيل عقب ثورة يناير 2011. وأنهت مصر اتفاقا طويل الأجل كانت تزود بموجبه إسرائيل بالغاز الطبيعي بعد أن تعرض خط الأنابيب العابر للحدود لأعمال تفجير وتنحي الرئيس السابق محمد حسني مبارك في فبراير 2011 وذلك وفقا لما أعلنه التليفزيون المصري 23 إبريل 2012. وقد لمح وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، لهذا الدور السياسي للغاز الإسرائيلي، وهو يعلن قرار إنشاء الخط الثالث، حيث كتب يقول معلقا على إنشاء الخط، عبر منصة "إكس"، إن "الطاقة الإسرائيلية قوة سياسية". وأضاف الوزير، وهو رئيس سابق للمخابرات الإسرائيلية (الموساد): "يعتبر الغاز الطبيعي رصيدا استراتيجيا، ويعزز مكانتنا الاقتصادية والسياسية في العالم بشكل عام وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، ولهذا أعمل على زيادة تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا ودول المنطقة، لأن من شأن هذا أن يعزز موقفنا السياسي". وتعتمد مصر على الغاز الإسرائيلي لتلبية جزء من الطلب المحلي، مع تصدير الفائض على شكل غاز مسال إلى أوروبا بشكل أساسي خلال أشهر الشتاء فقط، عبر مصانع التسييل بطاقة إنتاجية 2.1 مليار قدم مكعبة يوميا، وبسبب تراجع إنتاج حقل "ظهر" البحري أوقفت مصر أي تصدير للغاز وخصصت الإنتاج محليا، ما زاد من عبء فاتورة الطاقة، فرفعت أسعار الوقود على المصريين ثلاث مرات هذا العام، وتم قطع التيار الكهربائي قرابة عام مدة 2-4 ساعات يوميا وربما أكثر. ووفق بيان ل"منصة الطاقة المتخصصة"، ومقرها واشنطن، في أكتوبر 2024 سيسمح خط الأنابيب الثالث لنقل الغاز الإسرائيلي لمصر بتوسيع الحد الأقصى لقدرة توريد الغاز من مشروع ليفياثان من نحو 1.2 مليار قدم مكعبة يوميا إلى نحو 1.4 مليار قدم مكعبة يوميا. وفي 21 أكتوبر 2021، كشفت وكالة "رويترز" أن إسرائيل ومصر تعقدان محادثات بشأن خط أنابيب بري جديد، وأكدت أن وزارة الطاقة الإسرائيلية أرسلت لها بيانا تؤكد فيه أنها تدرس إنشاء خط أنابيب جديد (ثالث) لتعزيز صادرات الغاز إلى مصر"، في ظل اعتماد مصر المتزايد على الغاز الإسرائيلي. ونقلت "رويترز" عن "مصادر صناعية" إسرائيلية إن تكلفة خط الأنابيب الذي سيربط شبكتي الغاز الطبيعي الإسرائيلية والمصرية عبر شمال شبه جزيرة سيناء تقدر بنحو 200 مليون دولار، وتوقعت أن يعزز الخط الثالث، الذي سيكون مملوكا لشركة التوزيع الوطنية الإسرائيلية "خطوط الغاز الطبيعي الإسرائيلية"، الصادرات الإسرائيلية بنحو ثلاثة إلى خمسة مليارات متر مكعب سنويا، وقد يبدأ تشغيله خلال 24 شهرا (أي عام 2023). وقالت: إن "خط الأنابيب البري الجديد، إلى جانب خطط لبناء خط أنابيب بحري ثان إلى مصر في غضون بضع سنوات، سوف يعزز مكانة إسرائيل مركزا رئيسيا للطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو الأمر الذي يأتي عكس تطلعات مصر التي كانت تطمح لهذا المركز لكنها تحولت لمجرد مستهلك أو موزع للغاز الإسرائيلي، وقد تعطل إنشاء هذا الخط الثالث، الذي أعلن عنه 2021، بحيث ينتهي في عام 2023 حتى العام المقرر أن ينتهي تشييده فيه". فيما كشفت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في يوليو 2023، عن بدء العمل في بناء خط الأنابيب الثالث من حقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز بتحالف من شركات: نيوميد إنيرجي وشيفرون ميديترانيا المحدودة وريشيو إنيرجيز لزيادة الإنتاج من حوالي 12 مليار متر مكعب إلى 14 مليار متر مكعب سنويا بداية من عام 2025، وفي أكتوبر 2024، قررت شركة شيفرون الأميركية، المشغلة لحقل ليفياثان الإسرائيلي، تعليق أعمال مد خط أنابيب النقل البحري الثالث إلى المنصة لمدة ستة أشهر، حتى إبريل 2025 بسبب استمرار حرب غزة، وفق بيان للشركة، ثم صادقت الحكومة الإسرائيلية يوم 19 ديسمبر الجاري، على إنشاء الخط ليربط إسرائيل بمصر، بهدف مضاعفة كمية الغاز التي تستقبلها القاهرة من تل أبيب. فشل السيسي يشار إلى أن مصر كانت تصدر الغاز المنتج من حقولها أو تعيد تصدير الوارد إليها من إسرائيل بعد تسييله في منشآتها وتحميله على الناقلات البحرية، لكنها أصبحت مستوردا صافيا من إسرائيل وموردا رئيسا للغاز الإسرائيلي للخارج مع تراجع إنتاجها المحلي، وبعدما كانت من أكبر مُصدري الغاز في المنطقة، عادت إلى وضعيتها السابقة بما هي مستورد صاف للغاز، تعتمد على عائد تأجير وحدات تسييل الغاز لإسرائيل، وبات الغاز الوارد من تل أبيب يغطي 18% من الطلب المحلي، وهي نسبة مرتفعة جدا، وفق خبراء الطاقة. ووفقا لتقرير نشره موقع "ميز" (MEES)، الذي يرصد بيانات النفط والغاز في الشرق الأوسط، يناير 2024، بات إنتاج مصر من الغاز الآن في أدنى مستوى له منذ عام 2017. حيث تراجع إنتاج حقل "ظهر" المصري من تسعة مليارات قدم مكعبة يوميا، وقت اكتشافه عام 2015، إلى 5.82 مليارات فقط عام 2023، ثم تراجع إلى ملياري قدم مكعبة فقط في إبريل 2024، بحسب "منصة الطاقة المتخصصة" وبسبب هذا التراجع، أصبح الحقل المصري، الذي كان يُعد أكبر حقول الغاز المكتشفة في البحر المتوسط، في المرتبة الثالثة بعد حقلي ليفياثان وتمار الإسرائيليين. والسبب، وفق تفسيرات تنكرها الحكومة المصرية، هو تعرض إحدى الآبار في الحقل لتشققات، وتسرب مياه البحر إلى داخلها وتوقف الإنتاج تماما، وقد بدأت مصر في نوفمبر الماضي محاولات مع شركات أجنبية لحفر آبار أخرى فيه لعودة زيادة إنتاجه، وبسبب ذلك شهدت مصر عام 2023 أكبر انخفاض في صادرات الغاز الطبيعي المسال على أساس سنوي، إذ وصلت إلى 3.7 ملايين طن متري بانخفاض أكثر من 50% بالمقارنة مع صادرات الغاز عام 2022، وفقا لبيانات "ستاندرد أند بورز غلوبال" في فبراير 2024. ولتعويض النقص، بعدما وصل الطلب المحلي إلى 6.1 مليارات قدم مكعبة يوميا، ولم تعد مصر تنتج سوى خمسة مليارات قدم مكعبة، ضاعفت مصر وارداتها من الغاز الإسرائيلي بغرض توفير قرابة 1.1 و1.15 مليار قدم مكعبة من إسرائيل، ومن 2.2 مليار متر مكعب كانت تحصل عليها في بداية الاستيراد من إسرائيل عام 2020، ضاعفت مصر وراداتها أكثر من ثلاث مرات في غضون ثلاث سنوات، لتصل إلى 8.6 مليارات متر مكعب، عام 2023، ثم قرابة 10 مليارات عام 2024، وفق إحصاءات مصرية وإسرائيلية. وارتفع إجمالي واردات مصر من الغاز الإسرائيلي خلال العشرة أشهر الأولي من عام 2024، بمقدار 1.28 مليار متر مكعب، مقارنة بالمدة نفسها من عام 2023، وتوضح بيانات وحدة أبحاث الطاقة (مقرها واشنطن)، أن مصر استوردت نحو 808 ملايين متر مكعب خلال أكتوبر 2024، مقابل 841 مليون متر مكعب في سبتمبر/أيلول 2024. وقبل ذلك استوردت 782 مليون متر مكعب من الغاز الإسرائيلي في يوليو، مقابل 731 مليون متر مكعب في يونيو ، و721 مليون متر مكعب في يوليو 2023. وفي التاسع من يوليو 2024، كشف حساب السفارة الإسرائيلية في القاهرة، على منصة "إكس" أن "إسرائيل تخطط لزيادة كميات الغاز للتصدير (لمصر وأوروبا) من حقل ليفياثان العملاق بهدف تعزيز الاقتصاد والروابط الدبلوماسية "، وأكدت أن وزير الطاقة ايلي كوهين صادق على خطة لتصدير 118 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقوق إسرائيل وأكبرها حقل ليفياثان الذي يحتوي على 23 تريليون قدم مكعبة، كما أكدت السفارة أن إسرائيل تخطط لتوسيع إنتاج حقل ليفياثان تدريجيا من 12 مليار متر مكعب سنويا حاليا إلى 21 مليار متر مكعب. يشار إلى أن توقيع مصر على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص، منح إسرائيل مساحات واسعة من مياه مصر الاقتصادية، مكنها من الاستخراح من حقلي افروديت وليفيثان، الأقرب للحدود المصرية من الأراضي الإسرائيلية المحتلة، وهو ما وصفه مراقبون وقتها بأنه خيانة لمصر، يدفع من خلالها السيسي ثمنا باهظا لإسرائيل مقابل حمايته وتسويقه دوليا ودعم انقلابه العسكري.