الارتفاع الجنوني والمتواصل في الأسعار جعل المصريين يعيشون أزمة يومية تتمثل في توفير الطعام للأسر والأبناء، فلم تعد الأسر قادرة على شراء أي من الأطعمة والمواد الغذائية، حتى ما كان يُعرف بالأكلات الشعبية ارتفعت أسعارها. ولم تعد هذه الأسر قادرة على شراء الفول والطعمية أو "سواقط" اللحوم كالفشة، والكرشة، والممبار، أو هياكل الدواجن والأجنحة والأرجل. ورغم أن المصريين "رضوا بالغلب ولم يرضَ الغلب بهم"، فقد ارتفعت أسعار أرجل الدواجن وهياكلها، بعد أن تخطى سعر كيلو الدجاج الأبيض 100 جنيه، واتجه البعض إلى تناول العدس والفول والكشري كبدائل للحوم. لكن هذه الأكلات الشعبية لم تنجُ من ارتفاع الأسعار، حيث زاد سعر العدس بنسبة 100% مقارنة بالعام الماضي، وارتفع سعر كيلو الفول من 50 جنيهاً إلى 70 جنيهاً، ويصل إلى 90 جنيهاً للكيلو المغلف في المحال التجارية. كما بلغ سعر كيلو القمح 50 جنيهًا، فيما وصل العدس الأصفر إلى 80 جنيهًا. هذه الأوضاع تدفع المصريين للتساؤل: ماذا نأكل؟ وهل تدرك الحكومة حجم المأساة التي نعيشها؟ وإلى متى ستستمر هذه الكوارث؟ الهياكل والأرجل حول هذه الأوضاع، قالت منال أحمد، ربة منزل متزوجة منذ 18 عامًا ولديها أربعة أبناء: "أنزل أسبوعيًا إلى سوق الأميرية الذي يضم محلات لبيع أرجل الدجاج وبقايا الأطعمة." وأضافت: "أرجل الدجاج أصبحت ملجأنا للتغلب على ارتفاع الأسعار، خاصة بعد وصول سعر كيلو الدجاج لأكثر من 90 جنيهًا، ولا يستطيع زوجي توفيره إلا مرة في الشهر." وأكملت منال: "أشتري دجاجة ومعها هياكل لتكون وجبة دسمة لأبنائي الأربعة، وبعدها أتوجه للسوق أسبوعياً لشراء الهياكل التي يصل سعر الكيلو منها إلى 45 جنيهًا، أما الأجنحة والأرجل فتتراوح بين 35 و40 جنيهًا." على باب الله في سوق الثلاثاء بالجيزة، أكدت "أم عزة"، ربة منزل، أن زوجها يعمل بالأجر اليومي قائلة: "باجي السوق أشوف الموجود وأشتري منه، الحاجة هنا رخيصة وتسد الجوع، أجيب جبنة ولانشون وزيتون للفطور والعشاء والغداء، وكل مرة تختلف الأسعار، أحيانًا أجد لحمة مستوية من بقايا الفنادق لكن لازم أشتريها بدري عشان متفسدش بسرعة، وبصراحة السوق ده موسع علينا." وتابعت: "أشتري هياكل الدجاج بعد أن ارتفعت أسعار الدجاج المجمد الذي كان يقترب من نهاية صلاحيته، والذي كنا نشتريه سابقًا بأرخص الأسعار، أما الآن فأسعاره ارتفعت ولم أعد أستطيع شراءه." الأسعار اشتعلت قالت "أم مصطفى" من دار السلام: "حتى هياكل الدجاج لم تسلم من ارتفاع الأسعار، حيث وصل سعرها إلى 50 جنيهًا بعد أن كانت بعشرة جنيهات فقط قبل عدة أشهر". وتساءلت: "إذا كانت الحكومة سعيدة بالجسور والمدن الجديدة، فهل ترى ماذا فعلت بالشعب الذي لم يعد يستطيع حتى شراء الطعام؟". وشكت نجوى فتحي، موظفة، من حالها قائلة: "أصبحنا نُعاني بشدة، وبدأت الخلافات تداهم بيتي، فزوجي يطالبني بتدبير أمور المنزل بمبلغ معين، والأسعار اشتعلت فماذا أفعل؟". وأكدت أنها حصلت على إجازة بدون راتب لرعاية طفلتها ولتوفير تكاليف الحضانة والمواصلات، مشيرة إلى أن مصروف البيت لم يعد يكفي لسد مصاريف الطعام والشراب فقط، فكيف نعيش؟ زوجي أرزقي في سوق السيدة عائشة، قالت "أم بلال"، 50 عاماً: "عندي ثلاثة أولاد محتاجين ثلاث وجبات يومياً، وزوجي أرزقي وأنا أساعده في مصاريف البيت، وبنعمل جمعيات عشان نقدر نعيش. كل دخلنا لا يتعدى 3000 جنيه، بنعيش في شقة إيجار ب1500 جنيه، والباقي نصرفه على مدارس الأولاد والأكل والشرب والعلاج". وأضافت: "أنا مش بقول عايزين ناكل لحمة وفراخ، لكن العدس والباذنجان والفول أصبحوا بهذه الأسعار؟ مبقيناش قادرين على تمنهم خلاص. شوفوا كرتونة البيض بكم؟ والزيت بكم؟ وكيلو العدس بكم؟". جمبري الغلابة في سوق الأحد بمنطقة شبرا، قالت ربة منزل، 55 عامًا، ولديها أسرة من خمسة أفراد: "إحنا نسينا طعم السمك، وبقيت أدور على البدائل، زي البساريا اللي بنسميه (جمبري الغلابة) واللي وصل سعره ل50 جنيهاً بعد ما كان 20 جنيهاً." وأضافت: "إذا أردنا تذوق اللحم، أذهب إلى المدبح وأبحث عن (ترويق اللحم) أو (التقاطيع)، التي تشمل الماسورة والعصب والقطعة التي يوضع عليها الختم، أحياناً ألجأ إلى (عفشة المواشي) مثل الفشة، والكرشة، والممبار، والطحال وغيرها من أحشاء الماشية، التي أصبحت بديلاً عن اللحم الأحمر الذي وصل سعر الكيلو منه إلى 400 جنيه." الأكلات الشعبية أكدت إيمان رضا، ربة منزل ثلاثينية، أن الأكلات الشعبية أصبحت واقعًا على المائدة المصرية بسبب غلاء المعيشة، وقالت: "المشكلة هي الزوج والأولاد الذين يشترطون وجود اللحم، لكن أعتقد الآن، بسبب الضائقة المالية التي نشعر بها جميعاً، تغير الوضع." وقالت: "في نهاية الشهر أشتري هياكل الدجاج لعمل شوربة للأولاد، وأعتبره بروتين وأفضل من لا شيء، كما أننا نسعى لتقليل احتياجاتنا حتى نتمكن من العيش في ظل هذه الظروف الصعبة." بكلم نفسي في سوق الناصرية وسط القاهرة، قالت "أم ياسمين": "بلف السوق مرتين وثلاثة أبحث عن الحاجة الأرخص حتى لو كانت رديئة، هاعمل إيه؟". وأضافت: "الواحد ماشي يكلم نفسه من الغلاء، بطلت أشتري لحمة بلدي وبشتري كيلو من الجمعية كل شهر، مرة أطبخ خضار ومرة عدس." وتساءلت: "من يصدق أن كيلو البطاطس يصل إلى 40 جنيهاً، والأرز نفس السعر، والبصل 25 جنيهًا؟". وأكدت أنها كانت تشتري كميات معينة من الخضار واللحوم، لكنها اضطرت لتقليلها مع ارتفاع الأسعار، واستغنت عن شراء اللحوم والسمن البلدي، واكتفت بالسمن النباتي وزيت التموين. الكرشة والفشة في سوق المدبح، قالت الحاجة سعدية: "زوجي يعمل باليومية ولا نستطيع شراء اللحمة." وأضافت: "كنت أشتري الكرشة والفشة والممبار بدلاً منها، لكن أسعارها ارتفعت أيضًا، حيث وصل سعر كيلو الممبار إلى أكثر من 80 جنيهًا، والكرشة والفشة إلى 70 جنيهًا، حتى لحمة الرأس وصل سعرها إلى 150 جنيهًا، أما الكوارع فقد وصل سعرها إلى 300 جنيه، وكذلك العكاوي." وأشارت الحاجة سعدية إلى أن هذه الأسعار جعلت لحوم الفقراء للأغنياء القادرين على شرائها، أما نحن فلا ناصر لنا.