بعد أن قدم الشعب الكيني درسا مهما للشعوب التي ترزح تحت نير الاستبداد والاحتلال العسكري للسلطات، بثورته ضد القانون الحكومي القاضي بزيادة الضرائب والرسوم، وتحدي السلطات الأمنية وكسرها، ما أرضخ الحكومة لرغبة الشعب وإلغاء القانون المرفوض شعبيا، جاء الدرس الأكبر من بنجلاديش، حيث ثار الشعب البنجلاديشي، على حكومة حسينة أحمد ، وأطلق احتجاجات شعبية وطلابية عارمة ضد نظام المحاصصة التمييزية لصالح توفير الوظائف للعسكريين وقدامى المحاربين، الذين حاربوا ضمن حرب استقلال بنجلاديش عن باكستان. وطوال اليومين الماضيين، تصاعدت الاحتجاجات الشعبية بالبلاد، وتحولت لمواجهات عنيفة بين الطلاب والمحتجين، وقوى الأمن والسلطات البنغالية، فيما فرضت حكومة بنغلاديش حظر تجوال في عموم البلاد، وانتشرت دوريات للجيش يوم السبت 20 يوليو 2024، بعد اتساع نطاق احتجاجات بقيادة الطلاب على نظام الحصص في الوظائف الحكومية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص. وأعلنت الحكومة حظر التجول ونشر الجيش وسط احتجاجات عنيفة وانقطاع الإنترنت، وذلك وسط إجراءات للحد من الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي، مثل حجب المواقع الإخبارية المعنية ببنجلاديش والتي مقرها خارج البلاد، حسب وكالة الأناضول. ويطالب المحتجون في الاحتجاجات التي انطلقت مطلع الشهر الجاري، بإنهاء نظام المحاصصة في التعيينات بالقطاع العام، الذي أقرته حكومة الشيخة حسينة. ويخصص نظام المحاصصة، 56 % من الوظائف الحكومية لفئات ديموغرافية معينة، بينها عائلات قدماء المحاربين الذين شاركوا في حرب الاستقلال عام 1971، التي انفصلت بموجبها البلاد عن باكستان والتي يصل حصة هذه الفئة من الوظائف الحكومية إلى 30% وفقا للوكالة ذاتها. وفي وقت سباق، قال آصف محمود أحد منسقي الاحتجاجات: إنهم "أعلنوا وقف العمل في أنحاء البلاد، مشددا على أنهم لن يسمحوا لجميع المؤسسات والمنظمات بالعمل باستثناء المستشفيات وخدمات الطوارئ". وكان الطلبة المحتجون دعوا إلى إضراب شامل في البلاد، ما تسبب في توقف خطوط المواصلات مع دخول الاحتجاجات أسبوعها الثالث. وأعلنت العديد من الجامعات بما في ذلك جامعة "دكا"، التي شهدت احتجاجات طلابية، الإغلاق لأجل غير مسمى، حسب صحيفة "دكا تريبيون". ورغم إغلاق الجامعات أبوابها رفض الطلاب مغادرتها، وأمرت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة بتشكيل لجنة، من أجل التحقيق في مقتل الطلاب خلال الاحتجاجات. وشهدت العاصمة دكا التي يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة، مواجهات جديدة مع إطلاق الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع، بالتزامن مع إقدام الطلبة المشاركين بالاحتجاجات على إغلاق الطرقات. وقال المتحدث باسم الشرطة: إن "السلطات اعتقلت روح الكبير رضوي أحد قادة الحزب القومي البنجلادشي المعارض، موضحا أن الأخير يواجه مئات القضايا، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. رضوخ الحكومة ورفض الشعب وأمام الاحتجاجات المتصاعدة بشكل غير مسبوق، وسط أنباء عن هروب حسينة إلى أسبانيا، رضخت الحكومة لمطالب الشباب، الذين يطالبون بالتوظيف على أساس الجدارة، معتبرين أن نظام المحاصصة يعطي الأفضلية لأبناء أنصار رئيسة الوزراء الشيخة حسينة التي تحكم البلاد منذ عام 2009، ويتهمها المعارضون بالرغبة في القضاء على كل المعارضة لتعزيز سلطتها. فيما قالت الحكومة: إنها "مستعدة لإجراء محادثات مع المتظاهرين، لكنهم رفضوا لإن المناقشات وإطلاق النار لا يسيران جنبا إلى جنب. وأصيب ما لا يقل عن 300 شرطي بجروح خلال المواجهات التي وقعت الجمعة مع متظاهرين في عدة مواقع من عاصمة بنغلادش، على ما أفاد به متحدث باسم شرطة دكا لوكالة "فرانس برس" السبت. وقال المتحدث فاروق حسين: إن "150 شرطيا على الأقل نقلوا إلى المستشفى وتلقى 150 آخرون العناية الأولية"، مشيرا إلى أن قوات حفظ النظام تواجهت مع مئات آلاف من المتظاهرين في صدامات أوقعت 105 قتلى على الأقل، وفق تعداد لوكالة فرانس برس. وقال علي رياض، أستاذ السياسة في جامعة إلينوي: إنها "فورة السخط الكامن بين الشباب الذي تراكم على مر السنين، بسبب حرمانهم من حقوقهم الاقتصادية والسياسية، وأصبحت حصص التوظيف رمزا لنظام مزيف". اقتحام السجون وفي وقت سابق، يوم الجمعة، اقتحم متظاهرون في بنجلادش سجنا وأطلقوا سراح مئات من نزلائه قبل أن يضرموا النار في المبنى، بينما سعت الشرطة لقمع التظاهرات التي عمت البلاد، وخصوصا في العاصمة دكا، رغم فرضها حظر على التجمعات. كما اقتحم طلاب متظاهرون سجنا في منطقة نارسينغدي بوسط البلاد وحرروا مجموعة من نزلائه قبل أن يضرموا النار فيه، بحسب ما أفاد به ضابط شرطة لوكالة "فرانس برس". وتتهم جماعات حقوق الإنسان حكومة الشيخة حسينة بإساءة استخدام مؤسسات الدولة لتعزيز قبضتها على السلطة، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء لنشطاء المعارضة. وأمرت إدارتها هذا الأسبوع بإغلاق المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى في الوقت الذي كثفت فيه الشرطة جهودها، للسيطرة على الوضع المتدهور في مجال القانون والنظام. وتعطلت الاتصالات الهاتفية مع الخارج والاتصالات عبر الإنترنت يوم الجمعة، وتعذر تحديث المواقع الإلكترونية للعديد من الصحف، التي أصبحت أيضا غير نشطة على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي. إلى ذلك، قال صحفي من رويترز: إنه "لا يتم إلا عدد قليل من المكالمات، وحتى الرسائل النصية لم يعد من الممكن إرسالها، وإن القنوات التلفزيونية الإخبارية وهيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية (بي تي في) توقفت عن البث". درس للمستبدين ويقدم الشباب البنغالي درسا شديد اللهجة للمستبدين، في كل مكان، ولمن يعتمدون على توسيع سلطاتهم خارج القانون بالقوة والعسكرة، بأن الصبر الشعبي، لا محالة سينفجر في أي لحظة، وسيهدد عروش الطغاة والمستبدين، حتى لو كان القتل هو الثمن أو الحرق أو اقتحام السجون. يشار إلى دولة كمصر باتت العسكرة فيها عنوان كل شيء، فبات التعيين للعسكريين وأبنائهم، وكذا التعليم العسكري والالتحاق بالوظائف المرموقة، وغيرهم من الشعب للوظائف الدنيا، التي لم تترك على حالها، بل يلزم على من يريد التوظيف المرور على الأكاديمية العسكرية لتعلم الولاء للسيسي وللعسكر. ومن ثم باتت مصر الأقرب لسيناريو بنحلاديش أكثر من أي وقت مضى.