في ظل التراجع الاقتصادي وانهيار العوائد الدولارية وارتفاع فاتورة الاستيراد وتراجع التصدير والإنتاج، جاء قرار البنك المركزي، أمس الخميس بزيادة الفائدة إلى 200 نقطة. ورفعت لجنة السياسة النقدية سعر الفائدة على الودائع بمقدار 200 نقطة أساس إلى 21.25% وسعر الإقراض إلى 22.25%.
لكن من المرجح، بحسب "بلومبيرج"، أن يكون القرار مؤشرا إلى أن مصر تعمل على تهيئة الظروف لتحقيق انفراجة في المحادثات الجارية حاليا في القاهرة مع صندوق النقد الدولي بشأن زيادة قرضها الحالي البالغ 3 مليارات دولار، والذي لم يتم صرف سوى القليل منه، وذلك كجزء من حزمة أوسع قد تتجاوز 10 مليارات دولار وتشمل دعم البنك الدولي.
وفي هذا الصدد، قال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في "جولد مان ساكس"، الذي توقع رفع الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، ل""بلومبيرج": إن "احتمال التوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي في الأسابيع المقبلة، سيؤدي إلى تحول متشدد في الموقف النقدي".
ولفت إلى أن زيادة بهذا الحجم سترسل إشارة نية إيجابية من جانب السلطات، وتمهد الطريق أمام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي في المستقبل القريب جدا.
ومع استمرار الأزمة الاقتصادية في مصر، أصبح النقص في العملة الصعبة خطيرا، ما أدى إلى تزايد الضغوط على الجنيه المصري بعد 3 تخفيضات لقيمة العملة منذ أوائل مارس 2022، ما أدى إلى خفض قيمته الرسمية إلى النصف، إلى نحو 30.9 جنيها للدولار. لكن في السوق السوداء، الجنيه أصبح أضعف بكثير، ويتم تداوله بين 65 و70 للدولار الواحد هذا الأسبوع.
وتركز المناقشات مع صندوق النقد الدولي على مراجعتين مؤجلتين للاتفاق الحالي الذي تم التوصل إليه قبل أكثر من عام، وتغطي المحادثات الإصلاحات التي تحتاج مصر إلى تفعيلها والتي تشمل تشديد السياسات النقدية والمالية إلى جانب التحرك نحو نظام مرن لسعر الصرف.
وفي علامة على أن مصر تحرز تقدما نحو تحقيق بعض هذه الأهداف، وافق مجلس الوزراء، يوم الأربعاء الفائت، على اقتراح لخفض الإنفاق على استثمارات الدولة ووقف المشروعات الجديدة حتى يوليو المقبل على الأقل.
سعر صرف مرن وينتظر صندوق النقد الدولي أن تسمح مصر بسعر صرف أكثر مرونة والوفاء بوعود أخرى قبل تسليم المزيد من الأموال. وفي ديسمبر 2023، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا إن مكافحة التضخم تمثل أولوية بالنسبة لمصر، حيث أظهر نمو أسعار المستهلك أخيرا علامات التباطؤ بعدما وصل إلى مستوى قياسي بلغ 38% في وقت سابق من عام 2023.
وأشار البنك المركزي في بيانه، الخميس، إلى أن "الضغوط التضخمية واسعة النطاق لا تزال مرتفعة، وتستمر في التأثير على التسعير وسلوكيات الاستهلاك".
وأضافت جوجييفا أن "حالة عدم اليقين الجيوسياسي واضطرابات التجارة البحرية المستمرة لا تزال تزيد من الضغوط التضخمية المحلية والعالمية"، في إشارة إلى هجمات الحوثيين على الشحن البحري في البحر الأحمر ردا على عدوان غزة، والتي أدت إلى انخفاض كبير في حركة المرور عبر قناة السويس.
وإلى جانب تلك التحديات تواجه مصر مخاطر العسكرة التي فاقمت من هروب الاستثمارات والأموال من مصر، وكان أبرز المصريين الذين خرجوا من مصر آل ساويرس، الذين نقلوا أغلب استثماراتهم للسعودية والإمارات ودول أفريقية، بعد تعدد أسعار الصرف بمصر، وعدم القدرة على توفير الممواد الخام اللازمة للإنتاج. ولعل إصرار نظام السيسي على الاستمرار في إنفاق الأموال المستدانة والقروض على مشاريع يقوم بها الجيش وشركاته، ما يحرم عموم المجتمع المصري من العمل والمشاركة في الإنتاج والحصول على دخل، تزيد من الاحتقان لمجتمعي والأزمات الشعبية التي تهدد الاستقرار المجتمعي.
ومن المنتظر أن تشهد معاملات الأحد ارتفاعات قياسية بأسعار العملات في مواجهة الجنيه المنهار، حيث يتوقع الخبراء تحريك سعر الدولار بالبنوك لنحو 45 جنيها، وهو ما يعتبر محاولة لتقليص الفرق بين سعري الصرف الرسمي والسوق الموازية.