أثار تأخر حكومة الانقلاب في إقرار قانون المسئولية الطبية انتقادات الأطباء، مؤكدين أن حكومة الانقلاب لا تريد إنصاف الأطباء، بل تريد حبسهم مع المجرمين الجنائيين في الوقت الذي تزعم فيه أن هناك عجزا كبيرا في الأطباء تعاني منه المستشفيات . وطالب الأطباء بمنحهم حقوقهم وحمايتهم من اعتداءات أهالي المرضى، مشددين على ضرورة أن تتولى مسئولية تحديد الخطأ الطبي لجنة من الأطباء دون غيرهم . وقالوا: "يجب أن تكون عقوبة الخطأ الطبي بعد ثبوته الغرامة وليس السجن، مطالبين نقابة الأطباء بإنشاء صندوق يتولى دفع قيمة الغرامات التي توقع على الأطباء في حالة حدوث خطأ طبي". يشار إلى أن مشروع قانون المسئولية الطبية تضمن خمسة فصول، تشمل التعريفات الواردة في مواد القانون، والأحكام العامة للمسئولية الطبية، وحالات انتفاء المسئولية الطبية التي ارتأى المشرع أهمية التأكيد عليها، والالتزامات الخاصة التي يتعين على الأطباء الالتزام بها. كما يحتوي موادا تخص المحظورات على الأطباء والتي تحتاج إلى تنظيم خاص ومنها حظر إفشاء سر متلقى الخدمة إلا في الأحوال التي نص عليها هذا القانون أو غيره من القوانين المنظمة في هذا الشأن. وتتضمن بنود القانون بعض الإجراءات التي يتعين على الأطباء مراعاتها أثناء تقديم الخدمة، وأخيرا حق متلقي الخدمة في قبول أو رفض الإجراء الطبي ومغادرة المنشأة خلافا لتوصية الطبيب باعتبارها من المسائل الشائعة في الوقت الحالي، وذلك بما يحقق التوازن بين الطرفين. ومن أبرز مقترحات القانون صندوق التعويضات الذي يتحمل عن الأطباء قيمة التعويضات التي يُحكم بها عليهم، وكذا تقريره لعقوبات مشددة لكل من يتعدي على الأطباء والمنشآت الطبية لمواجهة الأحداث التي وقعت مؤخرا. نقابة الأطباء من جانبه كشف الدكتور خالد أمين عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، وعضو لجنة آداب المهنة، أن تأخير إصدار قانون المسئولية الطبية أثر بشكل كبير على أوضاع الأطباء خلال الفترة الماضية. وقال "أمين" في تصريحات صحفية: إن "الأطباء يعانون من اتهامات جنائية وأحكام بالسجن نتيجة غياب قانون المسئولية الطبية، كما تعرض الأطباء للإبتزاز من قبل بعض الأهالي". وأكد أن مجلس نقابة الأطباء الحالي قام بكل الوسائل الممكنة في سبيل إصدار القانون، وأجرى مقابلات مع المختصين مثل وزيري العدل والصحة والسكان بحكومة الانقلاب، وقام بإجراء جولات في جميع محافظات الجمهورية للحوار المجتمعي حول بنود القانون الجديد. وأشار "أمين" إلى أن إصدار القانون لا يحتاج إلى خطب رنانة، ولكنه يحتاج إلى إرادة وإقرار من برلمان السيسي وحكومة الانقلاب لسرعة اتخاذ الإجراءات التشريعية. وأوضح أن القانون الجديد لا يعود فقط بالفائدة على الطبيب، لكنه يقلل التكلفة على دولة العسكر على جميع المستويات مثل تقليل حجم القضايا بالمحاكم، وبالتالي التخفيف عن القضاه، كما أنه يعتبر مرجعا للأهالي والمرضى وردعا للطبيب في حالة وقوع أي أخطاء طبية. حق إنساني وأكد الدكتور أسامة عبد الحي، أمين عام نقابة الأطباء السابق، أن غياب قانون المسؤولية الطبية يسيء الممارسة الطبية في مصر، مما يدفع الأطباء لرفض التعامل مع الحالات الخطرة التي قد يتوفى المريض فيها، وبالتالي سيدفع ثمن ذلك المرضى. وطالب عبد الحي في تصريحات صحفية باتخاذ قرار فوري بمنع عمل الطبيب أكثر من 12 ساعة في غير أيام النوبتجية "النبطشية"، وبحد أقصى 24 ساعة للطبيب النبطشي، على أن يحصل الطبيب على إجازة في اليوم الذي يليه، في جميع المستشفيات الجامعية ومستشفيات وزارة صحة الانقلاب. وتعقيبا على وفاة الدكتورة نورا نجيب الطبيبة المقيمة بقسم التخدير والرعاية المركزة بمستشفى الزهراء الجامعي، شدد على ضرورة إعداد دراسة لعدد النواب المطلوبين، وعدد الأطباء المتواجدين وجداول عملهم، والمقابل المادي لهم. وقال عبد الحي: إن "تكرار وفاة شباب الأطباء في الفترة الأخيرة أصبح ظاهرة سيئة جدا، ولابد من مواجهتها بقوة ووضوح". وأضاف أن إنجلترا ودول أوروبا اتخذت قرارا منذ أكثر من 30 عاما، منعت عمل الطبيب أكثر من 12 ساعة يوميا، وذلك لسببين الأول أنه حق إنساني للطبيب كأي مواطن ينتهي من عمله ويعيش حياته الطبيعية، والثاني أنهم وجدوا أن نسبة الوفيات والمضاعفات والخطأ الطبي تزيد حال عمل الطبيب أكثر من 12 ساعة. وأشار عبد الحي إلى أن الطبيب في دول الخليج حال عمله بالنبطشيات مثلا لمدة 16 ساعة ومسموح أن تكون لمدة 24 ساعة في شهور الصيف والإجازات يلزم أن يحصل على إجازه في اليوم الذي يليه، مؤكدا أن قرار وزير صحة الانقلاب الذي صدر قبل سنوات بمنع عمل الأطباء أكثر من 12 ساعة متصلة، آخذا بالنظام العالمي، صدر دون دراسة لعدد الأطباء المقيمين بمستشفيات صحة الانقلاب، والعدد المطلوب للعمل، ما أدى إلى فشل شديد في تطبيق القرار . مطلب عاجل وأكد الدكتور محمد عز العرب رئيس وحدة أورام الكبد بالمعهد القومي للكبد، أن إقرار قانون المسئولية الطبية العلمي والعادل، هو الحل الأمثل للقضاء على الأخطاء الطبية التي تحدث في بعض المستشفيات أو من بعض الأطباء، موضحا أن قانون المسئولية الطبية مطلب عاجل، ومن يقرر الخطأ أو الإهمال هو اللجنة العليا للمسئولية الطبية ولا أحد غيرها، في ظل الفوضى التي حدثت في ذلك الملف مؤخرا. وطالب "عز العرب" في تصريحات صحفية بإلغاء الحبس الاحتياطي إلا في حالات الإهمال والتي تقع تحت طائلة المادة 244 من قانون العقوبات، محذرا من أن الأخطاء الطبية ملف شائك لا بد من دراسته جيدا لحفظ الحقوق للجميع سواء كان الطبيب أو المريض. وقال : "لابد أن يتوخى كل طبيب الحذر أثناء عمله ولا يحمل نفسه أكثر من طاقتها، ولا يتحمل أي مخاطر على الإطلاق، فعندما يعزف الأطباء عن تحمل المسئولية، سيجدون أنفسهم إما تحت تهديد أهل المريض أو يحاكمون بقانون عقيم مع المجرمين الجنائيين". وشدد "عز العرب" على ضرورة أن تتدخل الجهات المعنية لسن القوانين ومتابعة تنفيذها لحماية كل العاملين، سواء في المجال الطبي أو المرضي، لافتا الى أن هناك تبعات كبيرة لتلك الأخطاء من الاعتداءات على الأطقم الطبية وتأثيرها على المنظومة الصحية بالسلب.
عقوبة الحبس
وقال الدكتور كريم كرم، عضو المركز المصري للحق في الدواء: إن "قانون المسئولية الطبية تتم مناقشته لتعريف الخطأ الطبي ووضع حلول له". وأضاف "كرم" في تصريحات صحفية، نريد وجود طبيب يتمتع بالكفاءة، ونظام علاجي متميز يكفل منظومة علاج ممتازة، وإذا أخطأ الطبيب يحاسب ويدفع تعويضا، ولكن لن يستفيد مريض من حبس طبيب، وأشار إلى أن وجهة نظر الأطباء تقوم على أن الأخطاء الطبية واردة، وتحدث في العالم كله، لكن عقوبتها ليست الحبس وسط المجرمين، لذلك يجب أن تكون هناك عقوبة أخرى. وطالب "كرم"، بإنشاء هيئة مستقلة تحال إليها قضايا الإهمال الطبي وتنظر فيها، ويتم عمل جلسات من أطباء مستقلين لتقييم الخطأ من منظور طبي بحت، فإذا كان خطأ الطبيب يحاسب بتعويض مادي وإيقاف عن ممارسة الطب لمدة محددة، وإذا كان خطأ غير متعمد يعاقب بالتعويض فقط، وهكذا نحقق معادلة بين حقوق المريض والطبيب، ويعمل بهذه الهيئة في السعودية. وشدد على أن أهم شيء تطوير المنظومة الطبية، لأنه ليس من المنطقي، أن الطبيب يعمل 12 ساعة ونتوقع منه عدم الخطأ، لأنه ملزم ب"شيفتات" ومصاريف، موضحا أننا لسنا جلادين والأهم المواطن المصري، وحقه في رعاية صحية متميزة وكادر طبي مؤهل.