في ظل أوضاع مالية مزرية تعيشها الدولة المصرية، وبعد فشل السيسي ونظامه الانقلابي، في إدارة شئون مصر، بدأت تتصاعد مبادرات وجهود السيسي، لجذب أموال المصريين بالخارج، التي تراجعت بصورة كبيرة خلال الشهور الماضية. تارة باسم مبادرة السيارات للمغتربين، وتارة باسم دعم صندوق مصر والتبرع له، وتارة باسم فرض إجبار المصريين على تحويل نصف رواتبهم بالدولار الأمريكي، وتارة أخرى باسم وثائق دولارية مرتفعة الفائدة لنحو 7%، وتارة أخرى باسم شراء أرض وشقق وعقارات للمغتربين بالدولار، وصولا إلى الإعلان عن وثيقة للمعاش للمغتربين بالدولار. تلك المبادرات والمحاولات اليائسة لم تحقق على ما يبدو الهدف المرجو منها ، نظر لفقدان المصريين الثقة في نظام السيسي بالأساس. وتواجه مصر مشكلة شح في العملات الصعبة خلال الفترة الأخيرة، وفقد الجنيه أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ مارس 2022 بقرارات من البنك المركزي، لتحقيق شرط مرونة سعر الصرف الذي وضعه صندوق النقد الدولي لإقراض القاهرة مجددا.
فنكوش المعاش الدولاري ولأول مرة في مصر، أعلنت وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، والهيئة العامة للرقابة المالية، الإثنين 14 أغسطس، إطلاق أول وثيقة معاش تقاعدي بالدولار للمصريين بالخارج، وذلك تحت اسم "معاش بكرة بالدولار"، بهدف تحفيز المصريين في الخارج على فتح حسابات دولارية في البنوك الوطنية. يشار إلى أن البنوك المصرية، لا تصرف الحوالات الواردة لأسر المغتربين في مصر بالدولار أوالعملة المحول بها، إنما يجري صرف الحوالات بالجنيه المصري، فسعر البنك، الذي لا يتجاوز سعر الدولار فيه 31 جنيها، بفارق 10 جنيهات عن السوق الموازية ، وهو ما يعني فقدان المصريين نحو 27% من قيمة أموالهم وتحويلاتهم، وهو ما دفع ملايين المصريين لتحويل أموالهم لأسرهم بمصر، عبر تجار السوق الموازية، وهو ما حرم البنك المركزي المصري من تحويلات دولارية تصل لنحو 30% وفق إحصاءات شهر يوليو الماضي. ونشر حساب مجلس الوزراء على موقع فيسبوك بيانا حول الوثيقة، قال فيه: إنها "تهدف إلى توفير الحماية الاجتماعية للمصريين بالخارج، من خلال توفير معاش إضافي للمستفيدين منها، وصرفه بالعملة الأمريكية". في السياق اعتبرت الوزيرة سها جندي أن طرح شهادة المعاش بالدولار يأتي ضمن المكاسب التي تحققت للمصريين العاملين بالخارج. وأشارت وزيرة الهجرة إلى أن المبادرات الوطنية استهدفت تحفيز المصريين في الخارج على فتح حسابات دولارية بالبنوك الوطنية، وإصدار شهادات دولارية بعائد تنافسي مرتفع. كما تم إطلاق مبادرة منح الإعفاءات الجمركية لسيارات المصريين بالخارج، التي تسمح لهم بإدخال سيارات دون جمارك، مقابل إيداع وديعة بالعملة الصعبة في البنك المركزي. من جانبه، قال العضو المنتدب لشركة مصر تأمينات الحياة، أحمد عبد العزيز: إن "هناك إمكانية لحصول العميل على وثيقتي تقاعد بحد أقصى، والقسط الأدنى 500 دولار أمريكي، ويمكن زيادة المدفوع بطرق مختلفة، من خلال تطبيق الهاتف أو موقع الشركة، وبحد أقصى الوثيقة الواحدة خلال العام 10 آلاف دولار". كما أوضح عبد العزيز أنه يمكن شراء وثيقة المعاش بالدولار للأشخاص من عمر 18 حتى 59 سنة، والحد الأدنى لعمر الوثيقة 5 سنوات، ويمكن الاشتراك في وثيقتين اثنتين للشخص الواحد بحد أقصى. وذكر أنه يمكن الاشتراك دون الالتزام بدورية محددة للدفع من جانب المشتركين، كما يتم صرف المعاش إما دفعة واحدة، وإما من خلال معاش شهري ثابت يصرف لمدة 10 أو 15 عاما.
غضب من تدني المعاشات وعقب الإعلان عن الوثيقة الجديدة، تصاعد الغضب وسط شكاوي ملايين المصريين من تدني معاشاتهم الأساسية، وحسابها وفق رؤية مغلوطة من الدولة، حيث يعاني ملايين المصريين المحالين على المعاش من الظلم والغبن، وتعددت مظاهرات الملايين منهم لنيل حقوقهم، إذ يجري الخسف بحقوق العاملين داخل مصر عند إحالتهم للتقاعد. كما أن ملايين المصريين طالبوا في أوقات سابقة وزارة الهجرة ووزارة الخارجية لممارسة أدوارها ، للضغط على الدول العربية والأجنبية لمنح العاملين المصريين بالخارج معاشات تكافئ خدمتهم، في تلك الدول، والتي تصل بين عشرين وثلاثين عاما، وهو ما يؤكد أن الدولة لا تراعي حقوق أبنائها بالخارج، بقدر أنها تريد تقليب المغتربين في دولاراتهم، وفق مراقبين. وفي يوليو الماضي، أعلن بنك مصر والبنك الأهلي المصري، أكبر مصرفين حكوميين في مصر، طرح شهادتي استثمار دولارية لثلاث سنوات، الأولى بعائد سنوي 7%، والثانية بعائد سنوي 9% يصرف تراكميا بنسبة 27% مقدما بالعملة المحلية، ولحق بهما البنك العربي الإفريقي الدولي في مصر، وأصدر شهادة ادخار لثلاث سنوات بعائد تراكمي 40% يُصرَف مقدما. وتسعى سلكات السيسي ، بوسائل عدة، إلى جذب الأموال الساخنة، التي تمثل عبئا كبيرا على اقتصاد البلاد، إذ تواجه القاهرة عجزا في صافي الأصول الأجنبية، وصل خلال مايو الماضي، إلى 24.4 مليار دولار. وبدلا من أن يجهد السيسي وحكومته أنفسهم في تخليق فرص استثمارية حقيقية بمصر، تجذب العملات الأجنبية، ينصب دورهم وجهدهم على تحصيل الأموال من جيوب المواطنين، سواء عبر الضرائب التي تصل ل87% من إيرادات الموازنة العامة، أو عبر فرض رسوم وإتاوات وجبايات على كافة الخدمات الحكومية ، كالتعليم والصحة واستخراج الأوراق الرسمية والبطاقات والشهادات وغيرها، أو عبر تقليب المصريين بالخارج في دولاراتهم. بينما تخرج أموال المصريين المنهوبة من قبل النظام وأساطينه، في طائرات خاصة من مطار القاهرة، إلى وجهات مجهولة أو عبر شركات العرجاني والصافي، أبرز الواجهات الاقتصادية للتجارة الحرام التي يعاقرها السيسي وشقيقه وأبنائهم.