حالة من الفزع والرعب تسود الأوساط الإسرائيلية على كافة المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية، في أعقاب الفشل الذريع الذي منيت به قوات الاحتلال في جنين فجر الإثنين 19 يونيو 2023م، وتمكن المقاومة الفلسطينية من تفجير مصفحة وإعطاب آخرين وإسقاط طائرة هيلوكوبتر من نوعية أباتشي الهجومية. ثم قنص "4" مستوطنين في عملية لاحقة بإحدى المستوطنات. واجمعت كل التحليلات الإسرائيلية وتقديرات الموقف على ضرورة تعزيز دور السلطة الفلسطينية لحماية أمن "إسرائيل"! وعبر الإعلام الإسرائيلي عن هذه الحالة بوضوح شديد؛ حيث حذّر محللون عسكريون في إسرائيل من احتمال تحول الضفة الغربيةالمحتلة إلى أشبه بجنوب لبنان، من حيث استخدام العبوات الناسفة ضد الآليات العسكرية الإسرائيلية، وذلك بعد ما حصل خلال عملية اقتحام جنين الأخيرة. وقال المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" طال ليف رام "إنه لا يمكن مقارنة الإمكانات التي كانت لدى حزب الله بالتي لدى الفلسطينيين اليوم من حيث القوة التدميرية للعبوات، لكنه أشار إلى تغيير لافت في استخدام العبوات الناسفة في استهداف القوات الإسرائيلية في الشهور الأخيرة، واحتمال تصاعدها في قادم الأيام". وأشار ليف رام إلى أن عملية "السور الواقي" التي شنّها الجيش الإسرائيلي عام 2002 أحدثت تدميرا لقدرات الفلسطينيين على إنتاج عبوات ناسفة، لكن الأمر بدأ يتغير أخيرا في إطار سعيهم إلى إيقاع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي". ولم يستبعد المحللون العسكريون الإسرائيليون أن يركز الجيش في عملياته القادمة بمدن الضفة الغربية على اكتشاف مختبرات تصنيع العبوات الناسفة وتدميرها.
عباس ملاذنا! وفي سياق تعليقها وتحليلها لما جرى في جنين تقول صحيفة يديعوت أحرنوت (YNET News) في تقرير لها إن جنين أصبحت تبدو بشكل متزايد مثل غزة، وحذرت مما هو متوقع بعد غياب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وقالت الصحيفة إن تفجير مركبات "بانثر" المدرعة في جنين لم يكن نتيجة كمين مخطط له، بل نتيجة لوضع عبوات ناسفة على طول طرق الخروج من جنين، لذلك من الأهمية بمكان إجراء التحقيق الملحّ وسط الفشل الاستخباراتي في الكشف عن مواقع هذه العبوات، ولا سيما بالنظر إلى التصعيد المحتمل في العمليات المستقبلية. وفي أسى أقرت الصحيفة العبرية أن الفلسطينيين بمنطقة جنين ابتكروا تكتيكات وإستراتيجيات فعالة لمواجهة غارات الجيش الإسرائيلي وعرقلة عملياته، وحققوا هذا الهدف بتفجير عبوات ناسفة استهدفت ناقلات "بانثر" التي كانت تقلّ فريقا من حرس الحدود والقوات الخاصة التابعة للجيش الإسرائيلي. وأشارت إلى أن هذا الحادث يكشف أنه لم يكن هناك خرق استخباراتي فيما يتعلق بالتخطيط للعمليات، لكن الخلايا الفلسطينية المحلية كانت تدرس بدقة الطرق التي استخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي للدخول إلى المنطقة والخروج منها خلال العام الماضي، كما تم العثور على عبوات ناسفة مماثلة بالقرب من نابلس. ودعت جيروزاليم بوست جميع الإسرائيليين إلى النظر لما جرى في جنين لمعرفة ما ينتظرهم في اليوم التالي لغياب عباس، قائلة إن الجيش الإسرائيلي يواجه دائما بعض المقاومة: إطلاق نار، قنابل حارقة، أشياء ثقيلة تسقط من فوق أسطح المنازل، وابلا من الصخور، لكن ما حدث في جنين أمس -حيث فقدت السلطة الفلسطينية سيطرتها- هو مشهد مروّع لما قد يظهر في جميع أنحاء الضفة الغربية في اليوم التالي لعجز رئيس السلطة الفلسطينية عن أداء مهامه. وأضافت أنه إذا تركز عجز السلطة الفلسطينية الآن في جنين وشمال الضفة، فإن هذا العجز سوف ينتشر عبر المناطق عندما يغادر عباس المشهد. واستمرت جيروزاليم بوست في تحليلها لتقول إن الفلسطينيين ينظرون إلى القتال أمس بين جنود الاحتلال الإسرائيلي والمسلحين الفلسطينيين في جنين على أنه علامة على "ضعف" الجيش الإسرائيلي في مواجهة الجماعات المسلحة التي ظهرت في شمال الضفة الغربية خلال الأشهر ال18 الماضية، والتي يُنظر إليها أيضا على أنها مؤشر على نجاح الجماعات الفلسطينية المسلحة في تحسين وتطوير قدراتها العسكرية وتكتيكاتها الحربية. وقالت إنه يبدو أن هذه المجموعات اكتسبت خبرة كبيرة نتيجة الاشتباكات شبه اليومية مع القوات الإسرائيلية، وأصبحت عملياتها تعطي الانطباع بأن عمليات الجيش الإسرائيلي التي بدأت قبل عدة أشهر، قد فشلت في القضاء على التنظيمات المسلحة التي صارت عملياتها تخلق أيضا الانطباع بأن أجزاء معينة من الضفة الغربية، ولا سيما جنين، بدأت تشبه قطاع غزةولبنان، حيث واجه الجيش الإسرائيلي تكتيكات مماثلة من قبل الفصائل الفلسطينية وحزب الله.
لماذا جنين؟ وقالت إن وضع العبوات الناسفة يهدف في المقام الأول إلى إلحاق الأذى بالقوات المغادرة بمجرد إنجاز مهمتها في المنطقة، مضيفة أن هذه الظاهرة غائبة بشكل ملحوظ في مناطق أخرى من الضفة الغربية، حيث يجعل وجود قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية جزءا كبيرا من العمليات المضادة لجيش الاحتلال الإسرائيلي غير مجدٍ. وأكدت يديعوت أحرنوت أن منطقة جنين لا تزال تشكل تحديات، لأن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية كانت غير راغبة أو غير قادرة على مواجهة المسلحين المحليين، تاركة جيش الاحتلال الإسرائيلي لجمع المعلومات الاستخبارية وإطلاق العمليات.
هل يشن الاحتلال عملية كبرى؟ وذكرت صحيفة هآرتس (Haaretz) في تقرير أيضا أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمستوطنين يضغطون من أجل عملية عسكرية كبرى في الضفة الغربية للاستيلاء على المنطقة، لكن الجيش الإسرائيلي متردد، كما عبر جهاز الشاباك عن دعمه الحذر لهذه الخطوة، خوفا من انتشار فوضى جنين جنوبا، كما يعتقد رئيس الأركان هرتزل هاليفي أن هذا يكفي لإبقاء العنف عند مستوى "مقبول". وعلقت صحيفة جيروزاليم بوست (Jerusalem Post) بالقول إن اشتباكات جنين فجر الإثنين تمثل تصعيدا كبيرا من قبل المسلحين الفلسطينيين ضد إسرائيل، وتسلط الضوء على فشل السلطة الفلسطينية في كبح جماح "الفوضى" المتزايدة في الضفة الغربية. وحذرت في تحليل من أنه لا يمكن السماح لجنين والمناطق المحيطة بها أن تصبح غزة أخرى، حيث يخزّن الفلسطينيون الأسلحة، ويصنعون العبوات الناسفة، ويشكلون أشكالا أخرى من التهديدات. وأضافت أن من الضروري الاستمرار في تسليط الضوء على هذا التهديد لحلفاء إسرائيل في الغرب، مشيرة إلى أن تواصل السلطة الفلسطينية الأخير مع الصين ربما يكون محاولة لتأمين رعاة جدد.