جريمة إهدار مال عام مكتملة الأركان وقعت في قصر البارون إمبان بمصر الجديدة، ذلك الأثر الجميل الذي تم افتتاحه بعد ترميمه منذ عامين ونصف، ورغم أن عملية الترميم تكلفت 175 مليون جنيه من أموال دولة العسكر إلا أن هذا المبلغ راح أدراج الرياح، حيث حدثت تشققات بجدران القصر الأثري ما يعرضه للانهيار. ويكشف ما حدث في قصر البارون عن كارثة من كوارث عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي الذي يرفض إجراء دراسات جدوى قبل القيام بأي مشروع، وهذا أدى إلى حالة التردي التي وصلت إليها عملية ترميم الآثار في مصر، كما أن عدم وجود كود للترميم الأثري يجعل كل آثارنا عرضة لنفس مثير قصر البارون. كانت مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولت صورا لظهور نشع في جدران القصر وانهيار أجزاء منه، ما أثار استياء خبراء الآثار، وفي المقابل زعمت وزارة الآثار بحكومة الانقلاب أن جدران القصر سليمة وآمنة، وما يظهر أسفل الأسوار ناتج عن الرطوبة والأملاح الناجمة عن قرب الأسوار من حديقة القصر التي كانت تروي بالغمر . كما زعمت أنه تم تغيير نظام الري بحديقة قصر البارون إمبان واستبداله بنظام الري بجانب إبعاد المسطحات الخضراء بمسافة آمنة للمحافظة على القيمة الفنية للعناصر الموجودة بالأسوار. إهمال كبير من جانبه أكد حسام زيدان باحث ماجستير بكلية آثار جامعة القاهرة، أن قصر البارون إمبان تعرض لإهمال كبير على مدى ما يقرب من 50 عاما، وكاد القصر أن ينهار تماما وكان سيصبح في عداد الآثار المفقودة، رغم أنه يمثل طرازا نادرا ما بين الآثار المصرية، حيث يمثل حضارة مختلفة هي الحضارة الهندية. وقال زيدان في تصريحات صحفية إن القصر مستوحى من معابد الأنكروات وتحمل واجهته تماثيل للآلهة الهندوسية، إلا أنه بمتابعة حالته بعد الترميم، تبين أنه يحدث فيه كل عام في نفس الموعد نوع من النشع على الجدران الخارجية، وفي أماكن تكاد تكون متكررة، والسبب قد يرجع لمياه الري، أو ارتفاع منسوب المياه الجوفية في المنطقة، رغم عدم وجود حالة مشابهة في المباني المجاورة . وأشار إلى أن الأمر يحتاج إلى لجنة هندسية أثرية مشتركة لرصد الحالة ودراستها وتقييمها ووضع علاج لها، لأن القصر قيمة أثرية معمارية يجب الحفاظ عليه، وهو طراز نادر ويعتبر أحد أهم معالم حي مصر الجديدة. المياه الجوفية وأكد أحمد عامر خبير أثري متخصص في علم المصريات أنه لا أحد يستطيع أن يحدد بسبب حدوث هذا الرشح في قصر البارون، موضحا أنه من الممكن أن تكون هذه مشكلة قديمة وظهرت بشكل عارض. وطالب عامر في تصريحات صحفية بمتابعة جميع الأعمال التي تمت في الفترات السابقة، ومعالجة أي أثر تطرأ عليه أي مشكلة، مشددا على ضرورة معالجة هذا الرشح بطريقة سليمة وفقا لطبيعة الأثر. وأوضح أن مشكلة قصر البارون هي المياه الجوفية، لكن مصدرها غير معروف،خاصة أن مصر الجديدة تعتبر منطقة صحراوية . فساد واعتبر عبد الحميد عبد القادر مفتش آثار إسلامية وقبطية، على صفحته الشخصية، ما حدث بالقصر بعد ترميمه بتكلفة 175 مليون جنيه، أكبر دليل على وجود فساد، بسبب الاعتماد على أهل الثقة على حساب أهل الكفاءة . وأكد عبد الحميد في تصريحات صحفية أن علم الترميم أصبح حبرا على ورق في زمن العسكر، والقيادات الحالية تسترزق من الآثار ومشاريع الترميم وصفقات شطب وهدم الآثار، وذلك وسط صمت الأجهزة الرقابية على الجرائم التي ترتكب في حق الآثار . وأشار إلى أن وجود الرشح في قصر البارون يعد دليلا على إهدار المال العام في مشروعات ترميم الآثار . كود الترميم وأكدت الدكتورة مونيكا حنا، عميدة كلية الآثار والتراث الحضاري بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، وجود مشكلة حقيقية في مجال ترميم الآثار في مصر، وأرجعت ذلك لعدم وجود كود مسجل لأعمال الترميم، ما ينتج عنه كوارث تفقد الأثر طابعه التاريخي، معربة عن أسفها لأن هذا يتم بموافقة المجلس الأعلى للآثار، وغالبا ما نشاهد أعمال ترميم غير دقيقة وغير مدروسة. وحول ما حدث في قصر البارون قالت «مونيكا حنا» في تصريحات صحفية إن "هذا الرشح ليس بسبب المياه الجوفية، وإنما بسبب وجود مياه تحت الأسطح نتيجة تسريبات شبكة الصرف الصحي، أو بسبب أعمال الري الخاطئ الخاص بحديقة القصر". وأشارت إلى أن المسئولين عن هذا الإهمال هم الخفراء المعينون من قبل وزارة آثار الانقلاب، بالإضافة إلى الشركة التي رممت القصر، والشركة التي أشرفت على عملية الترميم، ومسئولي وزارة سياحة وآثار الانقلاب الذين تسلموا المشروع. وأعربت «مونيكا حنا» عن أسفها لتكرار هذا الإهمال بسبب عدم وجود كود دقيق للترميم بمصر، مؤكدة أنه لن يجدي افتتاح مشاريع ضخمة بدون دراسة حقيقية للجيولوجيا المحيطة، وهو ما يؤثر بشكل كبير على استدامة أي مبنى أثري أو تاريخي، بالإضافة إلى عدم مراعاة القواعد الفنية في المعالجة، وعدم اهتمام المسئولين بوضع قواعد للترميم يتم العمل بها للحفاظ على الآثار والمباني التاريخية.