ودَّع الفلسطينيون عام 2022 وقد سجَّلوا تحولاً ملموساً ومهماً في مسار الصراع مع الاحتلال، بالتزامن مع صعود بنيامين نتنياهو سدة الحُكم للمرة السادسة في حياته ليرأس حكومة إسرائيلية جديدة تبدو الأكثر يمينية وتطرفاً على الإطلاق، ما يعني أن آفاق التوصل إلى تسوية تتهاوى أكثر فأكثر. الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية خلال العام المنتهي 2022، تؤكد أن ثمة انتفاضة فلسطينية مشتعلة فعلياً ضد الاحتلال، وأن الإسرائيليين بدؤوا دفع ثمن يزداد يومياً لاحتلال الضفة الغربية، وهذا تحول بالغ الأهمية على المستوى الاستراتيجي، إذ أنه في حال أصبح احتلال الضفة مكلفاً بالنسبة للإسرائيليين فهذا يعني أن ثمة مأزق يلاحقهم هناك، وأنهم سيضطرون، ولو بعد حين، للبحث في سبل الخلاص أو التهدئة. المؤشرات كافة، تدل على أن المواجهة بين الفلسطينيين والاحتلال تتجه إلى الاتساع، ولا يلوح في الأفق أي أمل بالتهدئة أو العودة إلى المفاوضات أو التوصل إلى التسوية خلال العام الماضي 2022 نفّذ الفلسطينيون 285 عملية إطلاق نار في الضفة الغربية، حسب البيانات الرسمية التي أعلنها جيش الاحتلال، وهذا يعني أن الإسرائيليين – جيشاً ومستوطنين- أصبحوا يواجهون ما بين خمس إلى ست هجمات أسبوعياً، أي أن العمليات الفلسطينية كانت حدثاً شبه يومي خلال عام 2022، وهذه حالة لم تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ سنوات، ففي عام 2021 تم تسجيل 61 عملية إطلاق نار فقط في الضفة الغربية، وفي عام 2020 تم تسجيل 31 عملية، وفي عام 2019 تم تسجيل 19 عملية فقط. وخلال عام 2022 أسفرت الهجمات الفلسطينية عن مقتل 31 إسرائيلياً، بينهم عدد من الجنود، بينما قتل الفلسطينيون في العام السابق أربعة إسرائيليين، وفي عام 2020 قُتل ثلاثة إسرائيليين فقط. البيانات الإسرائيلية تؤكد أن وتيرة الصراع المسلح في الأراضي الفلسطينية ترتفع ولا تنخفض، وأن حالة الاشتباك بين الفلسطينيين والإسرائيليين تتصاعد وتزداد ضراوة في الضفة الغربية، وهذا يؤكد الاستنتاجات السابقة، بأن الأراضي الفلسطينية تشهد انتفاضة شعبية ثالثة حالياً، ولكن هذه الانتفاضة أو هذه الهبَّة تختلف عن الجولات السابقة من حيث الشكل والمضمون والوسائل والأساليب. وما يؤكد أن الفلسطينيين يودعون عام 2022 وهم يخوضون «انتفاضة ثالثة» لكنها مختلفة الشكل والأساليب، هو أن كل الانتفاضات السابقة كانت تختلف كل واحدة عن الأخرى، ففي عام 1936 كانت انتفاضة الفلسطينيين عبارة عن «إضراب عام»، وفي عام 1987 كانت الانتفاضة الكبرى والأشهر عبارة عن «انتفاضة حجر»، ثم في عام ألفين كانت انتفاضة شعبية مختلفة تماماً وانتهت باجتياح إسرائيلي شامل للمناطق (أ) ومن ثم اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. أما أهم ما يميز الموجة الأخيرة من الاشتباك مع الاحتلال فهو أنها عبارة عن عمليات منفردة وليست منظمة، إذ لا علاقة للفصائل الفلسطينية بها، وليست ناتجة عن قرار، وهو ما يعني أنها عمل شعبي فردي وموزع، وهذا النوع من العمليات لا يُمكن للجيش النظامي أن يتصدى له، ولا تستطيع الأجهزة الأمنية الرسمية والتقليدية أن تنجح في إحباطه سلفاً، كما أن توجيه ضربة عسكرية لأي حركة أو فصيل لا يمكن أيضاً أن يُضعف هذه الهبّة، بل ربما يغذيها ويؤدي إلى التهابها أكثر. ومع عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية مجدداً، وصعود اليمين الأكثر تطرفاً وتحكمه في الحياة السياسية الإسرائيلية، فإن هذه الانتفاضة الفلسطينية مرشحة لمزيد من التصعيد، والاشتباك المباشر مع الاحتلال في الضفة الغربية مرشح لمزيد من التوسع، فضلاً عن أن دخول قطاع غزة على خط المواجهة وارد في أية لحظة، وكذا الحال بالنسبة لجنوب لبنان، ما يعني في نهاية المطاف أن الاحتلال الإسرائيلي يدفع ثمناً متزايداً لاحتلال الأرض وارتكاب الانتهاكات اليومية، بما في ذلك الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، والمسارعة إلى تغيير الواقع الديمغرافي في مدينة القدس. ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن تزايد العمليات الفلسطينية عام 2022 جاء متزامناً مع الارتفاع الحاد في الاعتداءات الإسرائيلية، ورداً عليها، حيث يودع الفلسطينيون العام الأكثر دموية منذ أكثر من عقدين، حيث استشهد 224 فلسطينياً في اعتداءات الاحتلال المختلفة (53 شهيداً في غزة و171 في الضفة الغربية). والخلاصة هي أن المؤشرات كافة، تدل على أن المواجهة بين الفلسطينيين والاحتلال تتجه إلى الاتساع، ولا يلوح في الأفق أي أمل بالتهدئة أو العودة إلى المفاوضات أو التوصل إلى التسوية، كما أن السياسة الإسرائيلية أصبحت واضحة وتقوم على عدم الاعتراف بأي حق فلسطيني، وعدم الاكتراث بالدم الفلسطيني، وتقوم على فرض أمر واقع جديد بالقوة، والتهامُ مزيدٍ من الأرض في الضفة الغربيةوالقدس، وتهجير السكان ما استطاع الاحتلالُ إلى ذلك سبيلا. ………