"أجبرني الملك على التطبيع، ولحظة التوقيع كانت مؤلمة" رئيس الوزراء المغربي السابق، سعد الدين العثماني، يستفيق بعد فوات الآوان، ويتبرأ من اتفاقية التطبيع مع الاحتلال الصهيوني التي وقعها بخط يده قبل عامين، تبرأ رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية سابقا، من الخطوة وقال إنه "أُجبر عليها باعتبارها سياسة دولة وبقرار من الملك". وسئل العثماني في حوار مع قناة العربي الجديد "ألا يتعارض ما قام به كرئيس للحكومة مع كل المبادئ التي كان يطرحها شخصيا في العلاقة بالقضية الفلسطينية، وأيضا في العلاقة بالتطبيع مع إسرائيل، وأيضا مواقف حزب "العدالة والتنمية" ذي المرجعية الإسلامية الذي يمثله؟".
مساومة أمريكية "تلك اللحظة كانت مؤلمة وصعبة، لكن هذا قرار دولة، وأنا كنت رئيس حكومة" هكذا برر العثماني، دخول المغرب حظيرة التطبيع الصهيوني، وأضاف "الأهم هو أن الملك في اتصاله بالرئيس الأمريكي اتُفق آنذاك على اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء من خلال بيان رئاسي صدر بعد فترة وجيزة". يقول الناشط السياسي عبد الله محمود " ليس المرء بمؤلفاته أو جاهه أو منصبه المرء بالتشبت والثباث على القيم والمبادئ هو كان يعلم سلفا ما يروج من تحضير للتطبيع أواخر سنة 2019 ولو فضل الإستقالة ساعتها لاحترمه المغاربة رغم أخطائه الكثيرة خلال ولايته للحكومة ، لكنه فضل أن تخلد ذكراه بين المطبعين والمتصهينين في كتب التاريخ". ويرى العثماني أن حزب العدالة والتنمية الذي قاد الحكومة طوال 10 سنوات مارس السلطة في حدود الممكن وفي إطار ظروف وتوجهات الدولة المغربية، رافضا ما يردده منتقدون من أن الحزب تخلى عن كثير من مبادئه وشعاراته عندما تولى رئاسة الحكومة لفترتين متتاليتين. ويؤكد أن قضية التطبيع مع كيان العدو الصهيوني كانت قرار دولة نتيجة سياقات خاصة بالمغرب، ويصف القرار بأنه "لحظة مؤلمة وصعبة" ولكنه شدد على أن موقف حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح لم يتغير، وظهر ذلك من خلال البيانات التي صدرت مرارا وأكدت دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته واستنكار الانتهاكات الإسرائيلية للفلسطينيين والمسجد الأقصى. واستبعد أن تكون قضية التطبيع قد أثرت على حزب العدالة والتنمية في انتخابات الثامن من سبتمبر 2021، التي مني فيها بهزيمة ساحقة، قائلا "قد تكون مؤثرة لدى البعض، ولكن هل البدائل التي صعدت في تلك الانتخابات كانت ضد التطبيع؟ مشيرا إلى أن الأهم للحزب هو أنه قام بما يستطيع وحافظ على اللحمة الوطنية، وأن المغرب يعيش وسط ظروف إقليمية صعبة ومعقدة. ويقلل الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية من أثر الهزيمة الانتخابية الأخيرة على مصير حزبه، مؤكدا أن الهزيمة ليست نهاية العالم، وأن الحزب يمكنه أن يسترد مكانته في المدى المتوسط، عن طريق مراجعة بعض توجهاته وبناء أطروحة جديدة للمؤتمر المقبل أو عبر ضخ دماء جديدة فيه، على حد رأيه. وبرز أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور خليل العناني بعض مآخذه على حزب العدالة والتنمية، ومنها ما يتعلق بالهوية في موضوع قانون استعمال اللغة الفرنسية وفي عدم محاربته للفساد وفي موضوع الديمقراطية والحريات، وهو ما كان له أثر سلبي على أداء الحزب. غير أن العثماني يؤكد في رده أن حزبه لا يتحمل المسؤولية وأنه ليس هناك قانون لتعليم الفرنسية، بالإضافة إلى أن الحزب لم يتول وزارة التعليم في أي مرحلة، كما شدد على أنه لا سبيل للحزب لمعارضة الأحكام القضائية فلا يمكن للجهاز التنفيذي التدخل في عمل القضاء، وذلك في رده على موقف الحزب من قضايا الحريات والحقوق التي صدر بها حكم قضائي.
عمامة التطبيع "التطبيع إبادة جماعية" كان عنوان مقال كتبه رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، في مجلة "الفرقان" قبل 24 عاما، ومضمونه نقض التطبيع مع الكيان الصهيوني، اعتبر الكاتب فيه أن التطبيع أفضل أداة تفتق عنها المكر الصهيوني، بهدف إقامة إسرائيل الكبرى؛ الحلم المعروف للصهيونية، وأنه يقوم على باطل، بحيث "يُطالب المظلوم المطارد بمصالحة الظالم وإعطائه مزيدا من الامتيازات ، وانتقد في المقال التطبيع العربي الذي يتم بينما يواصل العدو احتلاله لفلسطين وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني. لم يتغير موقف سعد الدين العثماني من التطبيع بعد أن أصبح رئيسا للحكومة المغربية بصفته الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي عرّف عن نفسه بصفته "حزبا سياسيا وطنيا يسعى انطلاقا من المرجعية الإسلامية وفي إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين إلى الإسهام في بناء مغرب ديموقراطي حديث ، فأصدر بيانا باسم الحزب يُدين التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني قبل 4 شهور، مُعتبرا التطبيع دعما للعدوان على الشعب الفلسطيني وشرعنة لاغتصاب الأراضي الفلسطينية. والجديد في الموضوع أن العثماني لم يكن يعلم – كما يبدو – أن ملك البلاد والحاكم الفعلي لها – محمد السادس – الذي ورث عن والده الملك حب الصهاينة، يُدبّر مع الأمريكيين والصهاينة مشهدا مُناقضا للمقال والبيان، تصل فيه عقدة مسلسل التطبيع إلى ذروة إثارتها عندما يلبس العثماني في المشهد عمامة التطبيع. مشهد توقيع الدكتور سعد الدين العثماني على اتفاقية التطبيع في الرباط مع ممثلي الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية، كان قد سبقه إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن حقيقة الصفقة التي يبيع فيها الغالي بالرخيص، ففي الجزء الأول منها تستأنف المملكة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، فضلا عن تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بينهما بما يخدم الاستقرار في المنطقة، والجزء الثاني منها هو الصحراء الموجود معظمها تحت السيادة المغربية فعلا، بإعلان ترامب اعتراف الولاياتالمتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية، ورفض إقامة دولة صحراوية مستقلة فيها، فظهر الإعلان والاتفاق وكأنهما مقايضة التطبيع مع الكيان الصهيوني بالاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء. يذكر أنه بعد موافقة الإمارات والبحرين على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في 15 سبتمبر ، وإعلان السودان في 23 أكتوبر، عن نفس الموقف تاركا مسؤولية إبرام اتفاق بهذا الخصوص إلى المجلس التشريعي المقبل، انضم النظام الرسمي في المغرب إلى القافلة ليكون الدولة الرابعة التي انخرطت في مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام من تنحيه عن السلطة. الاتفاق الجديد بين الرباط وتل أبيب تضمن الإعلان عن استئناف العلاقات الرسمية بين الجانبين على المستويات كافة وإعادة فتح مكاتب الاتصال وفتح مجالات التعاون في شتى المجالات، إضافة إلى استئناف الرحلات الجوية بين الطرفين، وقد تزامن هذا التطبيع مع هدية أمريكية وُصفت بأنها مقايضة مسمومة تقوم على اعتراف البيت الأبيض بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل التطبيع الكامل.