نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا سلطت خلاله الضوء على الظروف المأساوية والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون في سجون عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري. ونقل التقرير عن أهالي المعتقلين روايات مروعة عن انتهاكات قوات أمن الانقلاب بحق المعتقلين ، والتي تشمل التعذيب والصعق بالكهرباء والإهمال الطبي ومنع التريض والحرمان من الطعام. وبحسب التقرير، ففي كل مرة مثل فيها أمام النيابة العامة خلال 21 شهرا من الاحتجاز، كان لدى أحمد عبد النبي، وهو صاحب مطبعة يبلغ من العمر 61 عاما من الإسكندرية، قصة أكثر إثارة للقلق ليرويها. وخلال الأسابيع الثلاثة الأولى، كان محبوسا في زنزانة ضيقة وقذرة بدون ضوء، كما قال لمحاميه وأسرته، ولم يتبق سوى الاستجواب الذي تعرض خلاله للتعذيب بالصدمات الكهربائية، وضرب زوجته والتهديد باغتصابها. وبعد حرمانه من الأدوية لعلاج مرض السكري وأمراض القلب وارتفاع الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم على الرغم من الطلبات المتكررة، استمر في الإغماء خلال ال 40 يوما الأولى، لم يحصل هو وزميله في الزنزانة على أي طعام، وعاشا على بقايا الخبز التي مررها السجين المجاور من خلال حفرة. قال محامي عبد النبي، شروق سلام كان يقول "أنا أموت موتا بطيئا ، سأموت وقد لا أتمكن من الوصول إلى المرة القادمة، أنا أتعرض للتعذيب ومحروم من الدواء ومحروم من الطعام" هذه أشياء قالها مليون مرة. وكان عبد النبي، الذي اعتقل في حملة استمرت لسنوات لإخماد المعارضة للحكومة، واحدا من آلاف السجناء السياسيين المحتجزين دون محاكمة لأسابيع أو أشهر أو سنوات بسبب جرائم بسيطة مثل الإعجاب بمنشور مناهض للحكومة على فيسبوك. وأضاف التقرير أن العديد من المحتجزين محبوسون لفترات طويلة في زنازين تفتقر إلى الفراش أو النوافذ أو المراحيض، ويحرمون من الملابس الدافئة في الشتاء والهواء النقي في الصيف والعلاج الطبي، بغض النظر عن مدى مرضهم، وفقا للمحتجزين السابقين وعائلاتهم ومحاميهم وجماعات حقوقية. ويقولون إن "التعذيب أمر شائع وتحظر الزيارات بصورة روتينية والبعض الآخر لا يغادر أبدا". وتنتشر هذه الظروف على نطاق واسع، وفقا لسجناء سابقين ومحامين وجماعات حقوقية، قال العديد من المعتقلين السابقين وعائلاتهم إن "تجاربهم لم تكن قاسية، لكنهم وجماعات حقوقية ومحامين قالوا إنهم كانوا الاستثناءات". ولقي أكثر من ألف شخص حتفهم في مراكز الاحتجاز منذ وصول الاستبدادي عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 2013، بسبب المعاملة التي تقول جماعات حقوقية إنها "ترقى إلى مستوى الإهمال المميت". وأوضح التقرير أن كل ذلك جزء من نظام قضائي ساعد السيسي على كبح جماح المعارضة، وردع أولئك الذين قد تغريهم سياسات المعارضة، وتقدر جماعات حقوقية أن مصر تحتجز الآن نحو 60 ألف سجين سياسي ويمثل ذلك نحو نصف إجمالي عدد نزلاء السجون الذين قدر مسؤول حكومي عددهم بنحو 120 ألفا في أكتوبر. وقد حوكم بعضهم وحكم عليهم، لكن حكومة السيسي ملأت السجون بالمنتقدين بشكل رئيسي من خلال نظام الاعتقالات السابقة للمحاكمة الذي يسجن الناس إلى أجل غير مسمى دون محاكمة. ولا توجد سجلات عامة لعدد السجناء العالقين في نظام الاحتجاز السابق للمحاكمة، لكن تحليلا أجرته صحيفة نيويورك تايمز وجد أن ما لا يقل عن 4,500 شخص احتجزوا دون محاكمة في فترة ستة أشهر فقط ، العديد منهم في ظروف بائسة وأحيانا تهدد الحياة. لا تستطيع السجون مواكبة ذلك قامت سلطات الانقلاب ببناء 60 سجنا جديدا على مدى السنوات ال 11 الماضية، جميعها تقريبا في عهد السيسي، وفقا لتقارير مصرية والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان التي تتخذ من القاهرة مقرا لها، والتي أغلقت هذا العام بعد مضايقات حكومية لا هوادة فيها، واعتبارا من عام 2021 كان لدى البلاد 78 سجنا، على حد قول المنظمة. في ربيع هذا العام، أضرب أشهر سجين رأي في مصر، الناشط السياسي والمفكر البريطاني المصري علاء عبد الفتاح، عن الطعام في زنزانة صغيرة بدون سرير أو فراش، وقالت أسرته إنه "حرم لعدة أشهر من الكتب والصحف والراديو والماء الساخن وممارسة الرياضة في ساحة السجن، رغم أن السلطات خففت بعض القيود وسط ضغوط دولية لإطلاق سراحه". ولفترة من الوقت، كان عبد الفتاح يتقاسم مجمع سجون مع مرشح رئاسي سابق، هو عبد المنعم أبو الفتوح البالغ من العمر 71 عاما، والذي يعاني من ظروف وصفتها الأممالمتحدة بأنها تهدد حياته، بما في ذلك الذبحة الصدرية وأمراض البروستاتا وحصوات الكلى، وقالت الأممالمتحدة إنه "لم يتلق أي رعاية طبية تقريبا باستثناء الاختبارات الأساسية، لكن السلطات لا تحتفظ بمثل هذه المعاملة للسجناء البارزين فقط". جريمته الاحتجاج استقل أحمد عبد النبي وزوجته ريا حسن رحلة جوية من القاهرة إلى إسطنبول في ديسمبر 2018، وقالت ابنتهما نسيبة محمود، إنهما كانا يخططان للتوقف في تركيا في طريقهما لزيارتها في دالاس، لكن في اسطنبول لم ينزلوا أبدا من الطائرة. وبعد ثلاثة أسابيع من الجنون، سمعت الأسرة أن محامي الدفاع رصد الزوجين في مكتب المدعي العام المصري، وكان ضباط الأمن قد اعتقلوهم قبل الإقلاع. وعندما تمكنت محامية عبد النبي من رؤيته، أفادت بأنه واجه صعوبة في تحريك الجانب الأيسر من جسده، الذي كان مغطى باللون الأحمر، وتسبب في حروق ناجمة عن الصدمات الكهربائية المتكررة، وأنه بالكاد يستطيع أن يرى. وقالت المحامية، البالغة من العمر 37 عاما "مجرد فكرة أنهم لم يتناولوا أدويتهم، وأنهم كانوا تحت هذا الضغط النفسي الهائل وأنهم لم يأكلوا ولم يستحموا ولا يغيرون ملابسهم، ناهيك عن أنك لا تعرف أين هم وما يحدث لهم ، إنه أمر صادم ، أنت لا تعرف ما إذا كان أحباؤك سيخرجون أم سيقتلون". وأضافت أن طلبات التعليق المرسلة إلى النائب العام المصري ومسؤولي السجون والرئاسة من خلال متحدث باسم الحكومة لم تتلق أي رد، لكن مسؤولين قالوا إن "بعض الاعتقالات ذات الدوافع السياسية ضرورية لاستعادة الاستقرار بعد اضطرابات ثورة الربيع العربي عام 2011". وكان عبد النبي قد سجن في عهد الزعيم الاستبدادي السابق لمصر بعد طباعة منشورات للمتظاهرين ، على حد قول عائلته ومحاميه، بدا المدعون مهتمين بأسباب انضمامه إلى الاحتجاجات التي قادها الإسلاميون ضد استيلاء الجيش على السلطة عام 2013. وأشار التقرير إلى أن الاحتجاجات في ميدان رابعة في القاهرة كانت من بين الأكثر إثارة للجدل في التاريخ الحديث، ودعا المتظاهرون إلى إعادة الرئيس محمد مرسي، الذي انتخب في أول انتخابات حرة في البلاد بعد إجبار الرئيس السابق حسني مبارك على التنحي في انتفاضة عام 2011. كان مرسي زعيم جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة إسلامية كانت حكومة مبارك العلمانية، التي ينتمي إليها السيسي، تخشاها وتقمعها لعقود. وفي عام 2013، استولى الجيش على السلطة وشرع في تشويه سمعة جماعة الإخوان المسلمين وتفكيكها وقمعت بوحشية اعتصام رابعة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 800 شخص في يوم واحد. وبعد الانقلاب عليه واحتجازه، سقط مرسي في قاعة محكمة بالقاهرة وتوفي في يونيو 2019 وكان قد حرم من العلاج من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم لمدة ست سنوات. وحتى يومنا هذا، يمكن أن يؤدي تصنيفك كإسلامي إلى إطلاق النار وتجميد الأصول وحظر السفر، فضلا عن أسوأ معاملة يمكن أن تتعرض لها في سجون السيسي، وفقا للمحتجزين السابقين وعائلات السجناء الذين اعتقلوا بسبب صلاتهم بجماعة الإخوان المسلمين، وهي جريمة في نظر الحكومة، التي تصور أعضاء الجماعة على أنهم "إرهابيون". وقالت السيدة محمود، ابنة عبد النبي، إن "والدها لم ينضم أبدا إلى جماعة الإخوان، على الرغم من أنه تعاطف مع بعض أهدافها وصوت لصالح مرسي". وأطلق سراح والدتها ريا حسن، لكن والدها نقل إلى سجن طرة سيئ السمعة في القاهرة، حيث احتجز في سجن العقرب 2، المعروف على نطاق واسع بأنه أقسى جناح في مصر. تلقى المعتقلون الجدد في طرة ما يسميه السجناء، بروح الدعابة المشنقة "حفلة الترحيب" وصف العديد من السجناء السابقين ومحامي الدفاع هذا الروتين "الوافدون يركضون معصوبي الأعين عبر ممر بشري من الحراس، الذين يهاجمونهم بالعصي يتعثرون حتى يسقطوا". وفي زنزانته الجديدة، قال عبد النبي لمحاميه، إنه "لم يكن لديه مرحاض أو ضوء أو فراش باستثناء بطانية رقيقة كان ينام فيها على الأرض القذرة، وفي نهاية المطاف، أحضر الحراس الطعام الجبن والخبز الذي قال السيد عبد النبي إنه وجده غير صالح للأكل، كان يأتي فقط كل أربعة أيام أو نحو ذلك. الإهمال والمعاناة ومع امتداد أسابيع الاحتجاز إلى شهور، كان عبد النبي يتضاءل ويضعف، وقالت محاميته إنه "غير متماسك وغير قادر على التحمل، عندما جعله الألم الناجم عن حصوات الكلى يصرخ، كان السجناء الآخرون يضربون على الجدران لجذب انتباه الحراس، على حد قول المحامية، لكن معظم اليوم مر قبل أن يعطى مسكنا للألم". وقالت ابنته إن "الأسرة فعلت ما في وسعها، حيث رشت الحراس بما يقرب من 1,300 دولار لإعطاء والدهم دلوا لاستخدامه كمرحاض". عندما سمحت لهم النيابة بإحضار الطعام والملابس الدافئة والأدوية في مناسبات قليلة، رفضها الحراس متذرعين بأسباب أمنية، على حد قول محاميته. وقالت المحامية إن "عبد النبي أصيب بالجرب، وهو مرض جلدي أنتج طفحا جلديا شديدا لدرجة أنه ظهر ذات مرة لجلسة استماع مغطاة بالدم المجفف من الخدش وخوفا من العدوى، أجبره المدعي العام على مغادرة الغرفة، وانتظر في الخارج بينما تم تمديد احتجازه لمدة 15 يوما أخرى". بعد ذلك ، سمح المدعي العام أخيرا بكريم موضعي، لكن عندما سلمه المحامي إلى الحراس، على حد قولها، رفضوا قبولها. البعض لا يغادر أبدا وبالنسبة للسجناء السياسيين، يمكن أن يرقى الاحتجاز إلى حد الحكم بالإعدام، ونادرا ما يحصلون على الأدوية أو العلاج في المستشفيات الخارجية عند الحاجة، حسبما وجدت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر العام الماضي، أكثر من 70 في المئة من السجناء المصريين الذين يموتون أثناء الاحتجاز يفعلون ذلك بسبب الحرمان من الرعاية الصحية، وفقا للجنة العدل ومقرها جنيف. وكان من بينهم مخرج شاب سجن بسبب فيديو موسيقي يسخر من السيسي ومواطن مصري أمريكي مزدوج الجنسية لم يعالج من مرض السكري وأمراض القلب إلى حد كبير، توفي كلاهما في عام 2020. ووجدت المنظمة أن التعذيب أسفر عن ما يقرب من 14 في المائة من الوفيات في السجون، في حين تسببت الظروف السيئة في ما يقرب من 3 في المائة. ورفض صلاح سالم، وهو طبيب وعضو سابق في المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي عينته الحكومة، الإجابة على أسئلة حول سجناء محددين دون مراجعة ملفاتهم الطبية. وقال "الموت جزء من الحياة". الطقوس الأخيرة في أحد أيام عام 2020 بعد وقت قصير من نهاية شهر رمضان، شهر الصيام المبارك، وجد أحد الحراس عبد النبي مرتبكا وينزف من عينيه، كما قالت ابنته إن "سجناء آخرين أخبروها لاحقا بجلطات من الدم تقطر من فمه، وفي نهاية المطاف، توقف عن الأكل أو الشرب وقال لمحاميه إنه يعاني من ألم شديد". عند استدعائه، قال طبيب السجن إنه "لا يستطيع فعل شيء، وفقا لأسرته، التي تحدثت لاحقا إلى محتجزين من جناحه، وبحلول 2 سبتمبر 2020، لم يستطع المشي دون مساعدة، وكان لا بد من نقله إلى مستوصف السجن". وعندما عاد، طلب من زميله في الزنزانة أن يقرأ له القرآن، وهو طقس أخير وتوفي بعد دقائق. رفضت سلطات السجن الإفراج عن جثته لأسرته، على حد قولهم، حتى يوقعوا على شهادة وفاة مشيرة إلى "أسباب طبيعية". وقبل وقت قصير من وفاة عبد النبي، أحيلت قضيته إلى المحاكمة، وقالت ابنته إنه "في الجلسة الأولى، لم تخطر المحكمة على ما يبدو بأن أحد المتهمين قد توفي، تم استدعاء اسمه ولم يجب أحد باستثناء زميل سابق في الزنزانة بدأ في البكاء فقال القاضي "أزل اسمه" وكان هذا هو الحال.