لم يترك السيسي بابا إلى الله ، إلا وسعى في إغلاقه أو التضييق عليه، فالمساجد باتت مراقبة بالأمن الوطني ومخبرين سواء من عاملين أو مرشدين سريين، والكتاتيب بات مضيقا عليها، ومسابقات القرآن باتت نوعا من الإرهاب، ودروس المساجد أصبحت حكرا على شيوخ السلطان الذين يغيبون الناس عن واقعهم المرير ويبررون للسلطة جرائمها بحق الشعب، بل أغلق السيسي أكثر من 10 آلاف زاوية ومسجد صغير ومنع إقامة الصلوات فيه وأزال آلاف المساجد من الوجود من أجل محاور مرورية، وحارب السيسي الأزهر وشيوخه وحولهم لداعمين للإرهاب والتطرف، وأهانهم على منابر إعلامه التي لا تدين إلا بالاستبداد والقمع الفكري والعلمانية المقيتة، وتحول الحجاب رمزا للإسلاميين يجب محاربته، حتى وصل الأمر إلى من يرغب في حج بيت الله أو الاعتمار إليه، فكشف السيسي الفاشل سياسيا واقتصاديا عن مطامع غير مشروعة لتحصيل الأموال وابتزاز المصريين وإجبارهم على دفع أموال طائلة من أجل أداء العمرة ، وفق قانون ما يعرف ببوابة العمرة. وعلى إثر خلافات إدارية بين وزارة الحج السعودية ووزارة السياحة المصرية، فتحت السعودية أبواب العمرة والحجز أونلاين مباشرة، عبر تطبيقات اعتمرنا وتوكلنا للمصريين، حتى قبل دخولهم السعودية للحجز بشكل مباشر وأخذ التصريحات والسفر مباشرة للملكة.
جباية الحج والعمرة هذا القرار لم يعجب نظام الانقلاب الذي لا يريد سوى تحصيل الأموال والجبايات ونهب جيوب المصريين، الذي يرى في حبهم لأداء العمرات وزيارة بيت الله الحرام، ترفا يجب أن يعاقبوا عليه، وأن عليهم أن يضخوا تلك الأموال في عاصمة السيسي أو صندوقه تحيا مصر، ويذهبوا للصلاة في أكبر مسجد "الفتاح العليم" بالعاصمة الإدارية ، ويطوفون حول البرج الأيقوني ، أكبر برج في إفريقيا. فبعد عامين من إيقاف تأشيرات العمرة بسبب تداعيات فيروس كورونا ، تفاجأ المصريون بقرارات عسكرية من قبل السيسي، بتعريض من يريد العمرة للمنع من السفر وعقوبات أخرى ، بحجة مخالفة قانون بوابة العمرة الذي صدر في 20 يونيو من العام الماضي 2021. وتفجر غضب المصريين، بعدما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تغريدات ومنشورات عن خلافات بين وزارة الحج السعودية ووزارة السياحة المصرية حول تأشيرات العمرة، حيث جاء قرار الوزارة السعودية بمنح تأشيرات العمرة للراغبين مباشرة عبر موقعها الإلكتروني، دون الحاجة للحصول عليها عبر شركات السياحة. وهو الأمر الذي يتعارض مع الترتيبات التي وضعتها مصر من خلال قانون بوابة العمرة، كما أنه يضر شركات السياحة المصرية التي تعتمد غالبيتها على نصيبها من تأشيرات العمرة والحج السنوية لتحقيق أرباح، خصوصا في السنوات الأخيرة في ظل تراجع حركة السياحة الوافدة إلى مصر، ويضر وزارة السياحة نفسها التي تحصل على نسب من تلك الشركات. وكشف مسئول بوازة السياحة بحكومة الانقلاب بأن لديهم تعليمات تم تعميمها على مختلف المنافذ الجوية والبرية والبحرية بمنع سفر أي مواطن مصري إلى السعودية يحمل تأشيرة عمرة أو حج دون أن يكون معه الكود التعريفي "الباركود" الخاص ببوابة العمرة المصرية الذي يوضح بيانات المعتمر والشركة التي قامت بتسفيره. وبحسب مسئولين بغرفة السياحة، فالمشكلة لها أكثر من وجه، أولها وأهمها أن رحلات العمرة والحج ظلت لعقود من الزمن هي المنفذ الأساسي لأغلب الشركات السياحية في مصر لتحقيق أرباح طائلة، لأن المسألة بالنسبة لها كانت في غاية السهولة ، إذ لا باب للعمرة والحج إلا من خلال شركات السياحة.
استغلال تعلق المصريين بالأراضي المقدسة فالكثير من المصريين يرغبون في أداء مناسك الحج أو العمرة، ويزيد عدد الراغبين على عدد التأشيرات المسموح بها، ولهذا كانت الشركات تحصل أرباحا هائلة تغطي تكاليف تشغيلها عن باقي السنة، لكن أغلب الشركات تعرضت لنكسة مخيفة عندما أصدرت السلطات السعودية قبل عامين قرارا بوقف تأشيرات العمرة والحج، وعندما أعادته كانت السلطات المصرية قد انتبهت ل"الكنز" الذي يمكن أن تجنيه من وراء رحلات الحج والعمرة، فقررت الدولة استحداث قانون بوابة العمرة لتتمكن من جني الأموال من شركات السياحة التي اضطرت بدورها لرفع أسعارها لتغطية المصروفات التي تسددها للدولة ممثلة في وزارة السياحة من جهة، وكذلك تغطية النقص الواضح في أعداد تأشيرات العمرة التي حصلت عليها مصر والتي لم تزِد عن 20 ألف تأشيرة لعمرة رمضان. وبالتالي وصل نصيب بعض الشركات الصغيرة إلى 15 تأشيرة فقط، كما أن وزارة السياحة والآثار حددت فئات الرسوم المقررة على كل شركة سياحية خلال موسم عمرة 1443 هجرية، وهي 2000 جنيه رسم اعتماد أو تصديق عقد الشركة السياحية إلكترونيا مع الوكلاء السعوديين على البوابة المصرية للعمرة، و500 جنيه رسم إصدار اسم مستخدم وكلمة مرور للبوابة، و500 جنيه رسم استخراج شهادة خاصة ببيانات الشركة السياحية على البوابة، أي أن كل شركة عليها أن تدفع 3 آلاف جنيه قبل أن تباشر عملها حتى بخلاف الرسوم التي تم دفعها في بداية الاشتراك في البوابة والتي تبلغ 7 آلاف جنيه. ويجري تحميل كل هذه المصروفات على "الزبون" وهو المعتمر، حيث ارتفعت أسعار عمرة العشر الأواخر من رمضان إلى حوالي 70 ألف جنيه لفئة الثلاثة نجوم والتي تعني سكنا في غرفة رباعية وسفرا على الدرجة السياحية، بينما تصل تكلفة العمرة ذات الخمسة نجوم إلى 150 ألف جنيه وتتضمن الطيران على الدرجة الأولى، وإقامة لمدة 15 يوما في فنادق تطل على الحرم مباشرة ومطعم مفتوح 24 ساعة ومميزات أخرى، وهي أسعار خرافية مقارنة بما كان عليه الحال قبل سنوات حين كانت عمرة ال3 نجوم لا تتجاوز 10 آلاف جنيه في حدها الأقصى.
التضييق على أصحاب الشركات ويضيق قانون بوابة العمرة على أصحاب الشركات السياحية المنظمة للعمرات والحج، لأن كل شركة حاليا لها كود تعريفي على البوابة، لا يمكن تغييره وإلا تعرضت الشركة وصاحبها للحبس مدة لا تقل عن سنة كاملة، وهذا جعل الشركات الصغيرة في ورطة، لأن تنظيم رحلات الحج والعمرة لعدد قليل من الأشخاص غير مجد ماليا من الأصل، فما بالك الآن بعد أن أضيفت أعباء مالية جديدة ممثلة في رسوم تلتزم بدفعها الشركات الراغبة في تسجيل نفسها على بوابة العمرة، منها رسم اعتماد أو تصديق عقود الكترونية مع الوكلاء السعوديين بما لا يجاوز 5000 جنيه، ورسم إصدار اسم مستخدم وكلمة مرور للبوابة بما لا يجاوز 1000 جنيه، ورسم استخراج شهادة خاصة ببيانات الشركة السياحية على البوابة بما لا يجاوز 1000 جنيه، بخلاف الرسوم التي تتقاضاها في كل موسم للعمرة. ويتضمن قانون بوابة العمرة الذي صدق عليه زعيم عصابة الانقلاب السيسي في يونيو من العام الماضي 2021، العديد من المواد منها "مع مراعاة القواعد المعمول بها في المملكة العربية السعودية في شأن منح التأشيرات التي تسمح بأداء العمرة تسري أحكام هذا القانون على طالبي الحصول على تأشيرات العمرة باستثناء تأشيرات الزيارة العائلية والتجارية ورجال الأعمال والمؤتمرات والترانزيت، وكذا تأشيرة الإقامة، والتأشيرات الممنوحة لحاملي جوازات السفر الرسمية الدبلوماسية والخاصة وجوازات المهمات، والتأشيرات الممنوحة للوفود الرسمية". وفي المادة الخامسة "لا يجوز تنفيذ رحلات العمرة إلا من خلال الشركات السياحية المرخص لها بمزاولة النشاط وفقا لأحكام القانون رقم 37 لسنة 1977، ويصدر بالقواعد والإجراءات المنظمة لتنفيذ الرحلات المشار إليها سنويا قرار من الوزير المختص بالتنسيق مع غرفة شركات السياحة". وفي المادة السادسة، تلزم الشركات السياحية بسداد تأمين مؤقت عن رحلات العمرة التي تنظمها ويصدر بتحديد قيمته وقواعد حسابه واسترداده قرار من الوزير المختص بعد أخذ رأي الغرفة المختصة، ويحصل التأمين نقدا أو بأي وسيلة من الوسائل المنصوص عليها بقانون تنظيم الدفع غير النقدي. وفي المادة العاشرة، فإنه للوزير المختص بقرار مسبب إيقاف نشاط الشركة السياحية كليا أو جزئيا عن ممارسة نشاط العمرة لمدة لا تجاوز عاما في حالة مخالفة القواعد والإجراءات المشار إليها، وفي حالة تكرار المخالفة يلغى ترخيص شركات السياحة. وفي المادة 12، يعاقب بغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، ولا تزيد عن 2 مليون جنيه، كل من نفذ رحلات أداء مناسك العمرة بالمخالفة لهذا القانون، وفي حالة التكرار يضاعف الحدان الأدنى والأقصى للغرامة. وفي المادة 16 تؤول حصيلة الرسوم المقررة في هذا القانون إلى موازنة الوزارة المختصة بشؤون السياحة، وتوزع مناصفة فيما بين وزارة المالية وصندوق السياحة، وذلك بهدف دعم وتمويل الأنشطة التي تعمل على تنمية السياحة وتطوير الخدمات والمناطق السياحية. ووفق مراقبين ، فإن القانون الذي يبدو منظما للقواعد العامة، إلا أنه مشحون بالمصروفات والرسوم التي تحمل في النهاية على العميل، من يرغب في العمرة والحج، وهو ما يقف حجر عثرة أمام زوار بيت الله الحرام، ويقلل فرص الحج والعمرة للمصريين، ويتماشى القانون مع سياسات السيسي المالية، التي تفرض على المصريين أنواعا شتى من الرسوم والضرائب والغرامات المستحدثة والمغلظة لتمويل عجز الموازنة الذي بات بابا لتعذيب المصريين ليل نهار.