في شهر ديسمبر الماضي "2021" أعلنت الحكومة النرويجية برئاسة يوناس غار ستوره (يسار الوسط) أن الحكومة ستساهم في دفع فواتير الكهرباء لمواطنيها حتى شهر مارس 2022، في "خطوة استثنائية" لتخفيف تكاليف المعيشة إذ يتوقع أن يوفر الدعم الحكومي المخصص لسداد نصف تكاليف الكهرباء فوق الحد الأدنى للسعر خلال الأشهر المقبلة مئات الدولارات على كل منزل. ووفقاً لما نشرته صحيفة The Times البريطانية، فإن الحكومة النرويجية ستتكفل بسداد أكثر من ثلث فواتير الكهرباء العادة، وهو ما يكلف خزانة الدولة حوالي 886 مليون دولار، منها 529 مليونا كإعانات مباشرة للمواطنين ونحو 198 مليون دولار في صورة إعفاءات ضريبية. وقال رئيس الحكومة النرويجي إن "الأوقات الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية. ونحن نرى الناس العاديين ونتفهم الوضع الذي يمرون به". وتنقل التايمز البريطانية عن وزير المالية النرويجي قوله إن المنزل المنفصل سيحصل على مساعدات شهرية تقدر بحوالي 119 دولاراً شهرياً، وأن الشقق ستحصل على حوالي 53 دولاراً. ويُتوقع أن تكون الإعانات الفعلية أعلى بكثير في ظل استمرار ارتفاع الأسعار. خلاصة هذا الخبر أن الحكومة التي انتخبها الشعب تعمل لخدمة الشعب، وتبذل قصاري جهدها من أجل تخفيف المعاناة عن المواطنين ورفع الإصر والاغلال التي تحاصرهم؛ أما الحكومات المستبدة التي تسطو على الحكم بالحديد والنار والإرهاب فإنها تتعامل مع شعوبها على أنها قطعان من المواشي والأغنام. خطوة الحكومة النرويجية قد تكون أكثر دهشة للمواطن المصري عندما نعلم أن الحد الأدنى للأجور بها يصل إلى 20 دولارا في الساعة الواحدة، بمعنى أن العامل النرويجي البسيط الفقير يتقاضى نحو 3.360 دولار في الشهر بما يساوي نحو 52 ألف جنيه مصري شهريا، بينما يرتفع أجر عامل النظافة تقديره لدوره العظيم إلى نحو 60 ألف جنيه مصري شهريا. عندما نضع هذه المعلومات على جانب، ثم نفكر في أوضاعنا كمصريين تحت حكم الدكتاتور العسكري عبدالفتاح السيسي، سندرك الفرق الجوهري بين نظام انتخبه الشعب كما في النرويج ونظام فرض نفسه بالعنف والإرهاب واغتصب الحكم بقوة الدبابات والبنادق. نظام السيسي الذي احتفل قبل أيام برفع الأدنى للأجور إلى 2700 جنيها، حرر أسعار الوقود والكهرباء والمياه وجميع السلع والخدمات الرئيسية على نحو يسحق المصريين سحقا؛ ويكفي أن نشير إلى أن السيسي رفع أسعار الكهرباء في مصر خلال السنوات القليلة الماضية بنحو 860%، وبلغت مخصصات دعم الكهرباء صفرا رغم حالة الفقر المدقع التي يمر بها أكثر من نصف المصريين. فقد أرتفعت أسعار الكهرباء ثمان مرات خلال السنوات القليلة التي تلت انقلاب يوليو 2013م، كان آخرها في يوليو 2021م. الغريب في الأمر أن حكومة السيسي في ذات الوقت الذي تسحق فيه الفقراء راحت تدعم القطاع الصناعي (الأثرياء وأصحاب المصانع) بذريعة احتواء تداعيات أزمة كورونا من خلال تخفيض أسعار الجهد الفائق (العالي) والمتوسط للقطاع بقيمة 10 قروش للكيلوواط، وهو ما يحمل خزانة الدولة نحو 22 مليار جنيه قيمة خفض أسعار الكهرباء للقطاع لمدة 5 سنوات مالية، بدءاً من السنة المالية الجارية (2020-2021). معنى ذلك أن السيسي يأخذ من جيوب الفقراء ليمنحها للأثرياء وأصحاب المصانع والشركات. في ذات الوقت جرى التصديق في يونيو 2021م على القانون رقم 70 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون الكهرباء رقم 87 لسنة 2015، والهادف إلى "خصخصة" خدمات المرفق من خلال الفصل بين أنشطة نقل وإنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية، وتحويل سوق الكهرباء من سوق حكومية إلى سوق تنافسية، ارتباطاً بتحرير سعر بيع الكهرباء للمستهلكين، وهي الخطوة التي ستهسم في المزيد من سحق الفقراء سحقا يخلو من الرحمة والإنسانية. والجمعة 04 فبراير 2022م، رفعت حكومة السيسي أسعار الوقود بأنواعه ما عدا السولار 25 قرشا، وارتفع سعر لتر البنزين 80 أوكتان إلى 7.25 جنيهات تعادل 0.4615 دولار(كان سعره في إبريل 2021 نحو 6.25 جنيهات)، و92 أوكتان إلى 8.5 جنيهات، و95 أوكتان إلى 9.5 جنيهات، في حين تم تثبيت سعر السولار عند 6.75 جنيهات. (الدولار= 15.71 جنيها). وتعتبر هذه المرة الرابعة تواليا التي يتم فيها رفع أسعار الوقود؛ وبذلك يرتفع سعر الوقود بمعدل جنيه خلال السنة الماضية، في الوقت الذي أرتفع فيه سعر برميل النفط إلى 90 دولارا لأول مرة منذ سنة 2014م. بهذه الأسعار تكون حكومة السيسي قد رفعت سعر بنزين (80 أوكتان) الذي يستخدمه الفقراء وسيارات الأجرة من 6.25 جنيهات لليتر في إبريل 2021 إلى 7.25 جنيهات حالياً على 4 مرات، بزيادة تقدر ب16%، وبنزين (92 أوكتان) من 7.50 جنيهات إلى 8.50 جنيهات لليتر، بزيادة تقدر ب13.3%، وبنزين (95 أوكتان) من 8.50 جنيهات إلى 9.50 جنيهات لليتر، بزيادة تقدر ب11.7%. ونلاحظ أن نسبة الزيادة الأكبر كان في الوقود الذي يستخدمه الفقراء وسيارات الأجرة. وقلصت الحكومة المصرية مخصصات دعم المواد البترولية في موازنة العام 2021-2022 إلى 18.4 مليار جنيه (1.2 مليار دولار تقريبا)، مقارنة ب28.1 ملياراً في العام 2020-2021، و53 ملياراً في العام 2019-2020، و89 ملياراً في العام 2018-2019، و145 ملياراً في العام 2017-2018، أي أنه تراجع بنسبة تزيد على 87% خلال أربعة أعوام مالية فقط.وتفرض وزارة المالية رسماً ثابتاً بقيمة 30 قرشاً على كل ليتر يباع من البنزين بأنواعه، و25 قرشاً على كل ليتر من السولار، ما يعد بمثابة "ضريبة مقتطعة" تفرضها الحكومة على المنتجات البترولية، بغرض تثبيت سعر البيع محلياً في حال تراجُع الأسعار العالمية للوقود عوضاً عن خفضه. وفي المقابل، رفع السعر على المواطنين مع كل زيادة في أسعار خام "برنت" عالمياً. فهل هناك حكومة تسحق شعبها على هذا النحو المتوحش؟ عفوا إنه عصابة وليست حكومة، ألم يغتصبوا الحكم بانقلاب عسكري؟!