غادة زين العابدين تكتب: التعليم الطبي وحقوق المرضى «3»    وليد عبدالعزيز يكتب: المشكلة في التجار وليست في الأسعار    السيسي وأردوغان يرفضان سياسات الحصار والتجويع للشعب الفلسطيني    بوتين: ينبغي على روسيا أن تسعى جاهدة للبقاء في صدارة ديناميكيات الاقتصاد العالمي    أليجرى: ميلان يسعى للتأهل لدوري الأبطال بأي ثمن ومودريتش إضافة استثنائية    اتحاد جدة يسقط أمام الوحدة في ظهوره الأول بدوري أبطال آسيا    السيطرة على حريق في 7 منازل بسوهاج.. ونفوق مواشٍ (صور)    دوافع الغيرة والحقد| اعترافات المتهمة بقتل زوجها وأبنائه بالمنيا    الشيخ عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد يكتب: من مصر.. حيث يتحدث الإبداع بلغة النيل    أسامة شلش يكتب: الحلم.. الحقيقة    "سلسلة نمبر وان وإطلالات غريبة".. محمد رمضان ينشر 15 صورة في أمريكا    احذر هذه المشروبات .. أضرار بالغة تصيب الجهاز الهضمى    مونشنجلادباخ الألماني ينافس الأهلي على التعاقد مع مدير فني .. مالقصة؟    وزير الري: المياه عصب الحياة للمشروعات التنموية والعمرانية    المجلس الأعلى للنيابة الإدارية يعقد اجتماعه بتشكيله الجديد برئاسة المستشار محمد الشناوي    جريمة تهز الوراق.. شقيقان ينهيان حياة شقيقتهما والسبب صادم    تسمم 3 شقيقات بسبب وجبة كشري في بني سويف    حماس: شعبنا ومقاومته ماضون في الدفاع عن أرضهم    حزب الله يعلن استعداده لخوض الانتخابات النيابية في لبنان    موفد مشيخة الأزهر ورئيس منطقة الإسماعيلية يتابعان برامج التدريب وتنمية مهارات شيوخ المعاهد    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    خالد الجندي يرد على شبهة "فترة ال 183 سنة المفقودة" في نقل الحديث    رابطة الأندية تخاطب اتحاد الكرة بشأن حكام مباراة الأهلي والزمالك    "مدبولي" يعلن بدء تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بالمنيا    ضبط طن لبن غير صالح للاستهلاك الآدمي خلال حملة رقابية بأسيوط    تكريم حفظة القرآن الكريم في مركزي كوم أمبو و إدفو ب محافظة أسوان    أبوريدة نائبًا أول لرئيس الاتحاد العربي لكرة القدم    مؤتمر ألونسو: هناك شيء لم يتغير في كارباخال.. ومبابي أحد قادة الفريق    رئيس مجلس الوزراء يقرر مد فترة توفيق أوضاع وتقنين إقامة الأجانب لمدة عام    الصين تهدد باتخاذ إجراءات مضادة بعد دعوة ترامب لفرض رسوم على بكين    بكين تحقق مع نيفيديا وسط تصاعد التوتر التكنولوجي مع واشنطن    مصدر أمني ينفي ادعاء شخص بتسبب مركز شرطة في وفاة شقيقه    تقديم الخدمات الطبية ل1266 مواطناً ضمن القافلة المجانية بقرية طاهر في كفر الشيخ    بتكلفة 15 مليون جنيه.. افتتاح توسعات طبية بمستشفى فيديمين المركزي في الفيوم    الفجر بالإسكندرية 5.16.. جدول مواعيد الصلوات الخمسة في محافظات مصر غداً الثلاثاء 16 سبتمبر 2025    رئيس هيئة قناة السويس يكرم المرشدين من أصحاب الكفاءات ومسيرة العطاء المتميز    الدكتور هشام عبد العزيز: الرجولة مسؤولية وشهامة ونفع عام وليست مجرد ذكورة    حاكم يوتا الأمريكية يكشف أسرارًا عن المتهم بقتل تشارلي كيرك.. ما هي؟    أرباح شركة دومتي تتراجع بنسبة 94% خلال النصف الأول من عام 2025    الاحتلال يكثف إجراءاته بالضفة.. مئات الحواجز والبوابات الحديدية    تعليق مفاجئ من آمال ماهر على غناء حسن شاكوش لأغنيتها في ايه بينك وبينها    طبيب نفسي في ندوة ب«القومي للمرأة»: «لو زوجك قالك عاوزك نانسي عجرم قوليله عاوزاك توم كروز»    الحكومة تستعد لطرح فرصًا استثمارية في قطاع إنشاء وتشغيل المستشفيات    رابط نتائج الثالث متوسط 2025 الدور الثاني في العراق    قيمة المصروفات الدراسية لجميع المراحل التعليمية بالمدارس الحكومية والتجريبية    إسماعيل يس.. من المونولوج إلى قمة السينما    نشر الوعي بالقانون الجديد وتعزيز بيئة آمنة.. أبرز أنشطة العمل بالمحافظات    «التضامن»: صرف «تكافل وكرامة» عن شهر سبتمبر بقيمة تزيد على 4 مليارات جنيه اليوم    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    رضوى هاشم: اليوم المصرى للموسيقى يحتفى بإرث سيد درويش ب100 فعالية مختلفة    صوفيا فيرجارا تغيب عن تقديم حفل جوائز إيمي 2025.. ما السبب؟    نبيل الكوكي يعالج الأخطاء الدفاعية فى المصري بعد ثلاثية الزمالك    ضبط ومصادرة 90 من المخالفات فى حملة لشرطة المرافق وحى غرب سوهاج    البنك الأهلي المصري يتعاون مع «أجروفود» لتمويل و تدريب المزارعين    بسنت النبراوي: تركت مهنتي كمضيفة جوية بسبب ظروف صحية والتمثيل صعبة للغاية    بفرمان النحاس .. برنامج بدنى مكثف لتجهيز أحمد عبد القادر فى الأهلى    رياضة ½ الليل| سر إصابة زيزو.. الأهلي في الفخ.. شكوى جديدة لفيفا.. ودرجات مصر ب «تشيلي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد هنيد يكتب: الخلل القاتلُ
نشر في بوابة الحرية والعدالة يوم 22 - 01 - 2022

أسئلة تتردد أكثر من مرّة في وعي الشعوب السطحي أو في وعيها الباطن: لماذا تقدّم الآخرون وبقينا نحن في ذيل الأمم؟ لماذا لا تنجح الثورات ولماذا تفشل الإصلاحات ولماذا لا يُزهر غير الانقلاب والاستبداد في بلاد العرب؟
كانت هذه الأسئلة وكثيرة أخرى متفرعة عنها الشغلَ الشاغل لأجيال من الباحثين والدارسين والمصلحين لفهم سبب الانحطاط الذي وصلت إليه الأمة وشعوبها منذ عقود طويلة. تباينت الأجوبة والأطروحات واختلفت القراءات والمقاربات ومشاريع التحرر من الإسلامي إلى القومي إلى اليساري إلى اللبرالي إلى غيرها من المشاريع والرؤى والتصورات. لكنّ القاسم المشترك بينها أنها ركّزت على الجوانب الموضوعية المتعلقة بالمجتمع والاقتصاد والسياسة في الداخل أو الجوانب الخارجية المتعلقة بالتدخلات الأجنبية في البلاد العربية.

لقد أتاح سياقُ الثورات وما أعقبها من ردّة انقلابية استهدفت تصفيتها دورةً تاريخية مكتملة لطور من أطوار التغيير الاجتماعي والسياسي الفاشل. أي أنّ السنوات العشر من عمر الربيع العربي تمثل حقبة تاريخية صغرى قابلة للتفكيك والقراءة عساها تجيب عن السؤال المركزي في سبب تخلف الأمة.
لماذا فشلت الثورات؟

صحيح أن هذا الاستفهام يمثل جزءا من الإجابة فقط لأنه يستبطن الاعتراف بفشل الثورات في حين ترى مقاربات كثيرة أن الإقرار بالفشل مقولة نسبية إذ تقتصر على الإقرار بعجز الحراك الشعبي عن تحقيق مطالب الجماهير في المدى القريب. في حين أن قراءة التغيرات الاجتماعية على المدييْن المتوسط والبعيد وما أحدثته من رجّة عميقة في بنيان النظام الرسمي العربي تُقرّ بأنّ التحركات المجتمعيّة لا يمكنها أن تحقق النجاح المطلق إلا عبر موجات متعاقبة تراكم خلالها الشعوب الوعي بأسباب الفشل لكي تتجاوزها ما دامت شروط الثورة قائمة.
قراءات أخرى ترى أن الثورات قد أُفشلت بتحالف الداخل والخارج أمام جماهير ونخب تفتقد للخبرة اللازمة لإنجاح مساراتها نحو التحرر والانعتاق. كما أنّ انعدام الوعي بشراسة النظام الرسمي العربي وتشعباته العميقة في مفاصل الدولة وأجهزتها ساهم بقوّة في تخبط القائمين على المسارات الانتقالية وسرّع من وتيرة الانقلابات.
فشلت الثورات إذن في تحقيق مطلب الحرية على المدى القصير لكنها نجحت في تحقيق رصيد ضخم من الوعي الجمعي بتفاصيل مكونات المشهد العربي وبطريقة اشتغال الفواعل داخله. هذا الوعي الجديد هو أعظم نجاحات الثورات وهو الذي سيكون محور التحركات القادمة ومحركها الأساسي لأن عمر الاستبداد الحقيقي والافتراضي لا يمكن أن يطول فشروط الانفجار لا تزال قائمة بل لقد ازدادت حدّة.
القاتل الخفيّ
ما تطرحه هذه المقاربة القصيرة هو قراءة فاعل ذاتي لا يتعلق بأسباب الفشل الموضوعية اجتماعية كانت أم سياسية أم اقتصادية بل يتمحور حول الإنسان العربي نفسه في بنيته السلوكية وفي ردود أفعاله. يتأسس هذا الموقف على جرد ذاتي لمواقف النخب والجماهير العربية خلال الثورات وبعدها وخاصة في ذروة الفعل الانقلابي سواء في مصر أو في سوريا أو ليبيا أو تونس.
ظهرت داخل المجتمعات انقسامات حادّة تتجاوز الانقسامات الأيديولوجية أو الفكرية أو السياسية إلى مواقف ذاتية تتعلق بالسلوك والأخلاق وقواعد العيش المشترك في بيئة مسلمة محافظة أو متحررة. لقد كانت مذابح سوريا ومجازر مصر وليبيا درسا في توحش الانقلاب وتغوّل النظام العربي لكنها من ناحية أخرى أبانت عن سلوكات فردية عربية صادمة.
لا يقتصر الأمر هنا على التقاتل الأهلي لأسباب طائفية كما حدث في سوريا ولكن المثال الليبي والمصري خاصة يكشفان عن الخلل الكبير في بنية الشخصية وسلوكها. كيف يمكن أن نفهم طبيعة المجازر التي حدثت هناك في بيئة اجتماعية موحّدة عقائديا وطبقيا ؟ لماذا هذا التشفي في الآخر المختلف والدعوة إلى إبادته وتحليل قتله وحتى حرقه ؟ من أين خرجت هذه السلوكات المرضيّة والأحقاد الفردية ونزعات الانتقام الدموي والفرح بإبادة الأخ والجار والصديق؟
إن عرضا سريعا لمنابر إعلامية أو لصفحات التواصل الاجتماعي يكشف بجلاء لا غبار عليه أن الشخصية العربية تعاني من مرض قاتل ومن انحراف سلوكي لا يمكن أن يصدر عن شخصية مسلمة سويّة. إن انتشار خطاب الكراهية والعنف والدعوة إلى الانتقام والقتل لمجرد الاختلاف في الرأي أو في التصوّر إنما هو أمر مؤذن بنتائج خطيرة على المستويين القريب والبعيد.
لنأخذ مثلا جماعة الإخوان المسلمين وما تعرضوا له خلال السنوات العشر الأخيرة من حملات شيطنة متوحشة خاصة في مصر وصلت إلى حدود الدعوة إلى إبادتهم على المنابر وعلى الهواء مباشرة. من جهة أولى قد يُفهم ذلك في سياق الخطاب الانقلابي الرسمي الذي يتأسس على شيطنة الخصوم إعلاميا لتبرير الانتقام منهم لكن كيف يُفهم انسياق كمّ جماهيري كبير وراء هذه الدعوات التي تطورت في الحالة الليبية إلى ما يشبه الحرب الأهلية بين شرق البلاد وغربها؟
لا توجد في الحالة الليبية مبررات طائفية أو جهوية أو عقائدية أو عرقية كافية تبرر هذا الانقسام والنزوع نحو القتل والانتقام بعد ثورة أطاحت بنظام استبدادي. لم تعرف ليبيا أو مصر طوال تاريخها هذا المنسوب الخطير من الأحقاد الاجتماعية والنزعات الانتقامية في مجتمع متجانس عقائديا ولغويا وحضاريا.
تونس أيضا التي اشتهرت عربيا بالتعليم والرقيّ الثقافي والفكري لم تخرج عن هذا المنوال خاصة بعد انقلاب 25 يوليو وما أحدثه من انقسام حادّ بين الداعمين للانقلاب والمعارضين له. كشف الانقلاب عن حجم الخلل الأخلاقي في الشخصية القاعدية حيث غرقت مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية في الثلب والتشويه والتحريض على الانتقام من الخصوم والشماتة في الآخر المختلف.
لا تقتصر خطورة هذه الظواهر المرضية على كونها تمثّل أحد أهم أسباب فشل الثورات بل إنها قادرة على فتح البلاد على الحرب الأهلية مثلما حدث في تجارب أخرى كثيرة. تعاني مجتمعاتنا العربية من أمراض أخلاقية وسلوكية خطيرة تؤثر على أدائها الاجتماعي والسياسي الفكري وهو خلل عضوي في بنية هذه الشخصية الفقيرة أخلاقيا وقيميا.
إن من بين أوكد الأولويات اليوم هو الترميم الأخلاقي للإنسان الذي شوّهته تراكمات عقود من الاستبداد وحكم الفرد الواحد المتسلط بشكل أقصى كل إمكانية للتعايش السلمي وقبول الآخر بما هو شرط شروط البناء الحضاري. دون ترميم الشخصية القاعدية سلوكا وأداء وقيما فإن كل الثورات والتغيرات سيكون مصيرها الفشل لأن مدار التغيير وشرط نجاحه هو الإنسان فالأممُ الأخلاق أولا والأخلاق أخيرا.
…………..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.