نشر موقع الجزيرة تقريرا باللغة الإنجليزية سلط خلاله الضوء على السر وراء حالة العشق الكروي بين الجماهير الجزائرية والشعب الفلسطيني. وبحسب التقرير الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة"، فمع انطلاق الصفارة الأخيرة على استاد البيت في الخور القطري يوم السبت الماضي، معلنة فوز الجزائر ببطولة كأس العرب لكرة القدم 2021، ثار مقهى ماهر البقعة على شاطئ البحر في مدينة غزة فرحا. وكان زبائنه يلوحون بالعلم الجزائري وهم يرقصون الدبكة على أنغام "1، 2، 3 تحيا الجزائر"، كما تم توزيع الشوكولاتة والحلوى. وأضاف البقعة "رغم وجود المنتخب الفلسطيني في مراحل المجموعات، إلا أننا ننظر إلى فريق الجزائر على أنه فريقنا، وانتصاره مثل فريقنا، إنهم يدعموننا ويحبوننا أكثر من أي بلد أو فريق عربي آخر". وطوال البطولة التي استمرت 18 يوما والتي استضافتها قطر، كان الدعم المقدم لفلسطين في حالة من الاندفاع خلال حفل الافتتاح، جاءت أعلى صرخة ابتهاج من المعجبين بحضور الحفل وذلك خلال النشيد الوطني الفلسطيني. الجميل في نهائي الكأس بين تونسوالجزائر أن الفائز سيرفع علم فلسطين، ومبروك للشعب الفلسطيني الفوز بدعم ومحبة الشعوب المحررة. كما كان العلم الفلسطيني حاضرا في الملاعب التي لوّح بها أنصار اللعبة الجميلة، ولكن بالنسبة للمنتخب الجزائري ومشجعيه، قد يخطئ المرء حين يتصور أنه يمثل فلسطين. في مقابلة أجرتها معه بعد المباراة، بعد أن أخرجت الجزائر المغرب في ربع النهائي، أشار المدافع حسين بن عيادة إلى الأعلام الجزائريةوالفلسطينية التي كان قد لفها فوق جسده، وقال "نحن لا نلعب لأي مكافأة، بل نلعب من أجل هذين العلمين". وبعد المباراة النهائية أمام تونس، أهدى المدرب الجزائري ماجد بوجيرا فوز بلاده لفلسطين ولقطاع غزة على وجه الخصوص.
سر الدعم ولكن من أين يأتي هذا الدعم المفتوح والعاطفي غالبا لفلسطين مقارنة بالدول العربية الأخرى؟ ووفقا لتغريد العامور، الصحفي الرياضي وعضو مجلس إدارة نادي الهلال الفلسطيني لكرة القدم، فإن التضامن الجزائري من أجل فلسطين منتشر بين الحكومة والجمهور في تناقض صارخ مع أغلبية الحكومات العربية التي عزلت نفسها عن الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، والتي إما طبعت العلاقات مع الاحتلال أو لها تعاملات عبر القنوات الخلفية. وأضاف أن التأكيد على التضامن يتم تمثيله، أو نستطيع أن نقول إنه "قد اكتمل، من خلال الرياضة،" كما قال العامور ، متحدثا من مدينة غزة. في المقابل، العلم الجزائري موجود خلال مختلف الأحداث في ساحات ومراكز ومتاجر المدن مثل رام الله ومدينة غزة والقدس، بل إنه رفع خلال الاحتجاجات في الضفة الغربيةالمحتلة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وتابع ، إن الدعم الجزائريلفلسطين في مجال كرة القدم كان دوما سببا في لفت الانتباه إلى ضرورة استمرار الدعم العربي لحق تقرير المصير لفلسطين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأن الذين يعدون انتصارهم بأعلام فلسطين و وشاح الكوفية يفعلون ذلك لإرسال رسالة دم واحد، رمز الوحدة العربية، ورفض الاستعمار والتطبيع. ويرى حفيظ دراجي، أحد المعلقين في شبكة بي إن سبورت، أن تضامن الجزائر مع فلسطين "أمر جوهري بالنسبة لكل طفل جزائري". وقال لقناة الجزيرة إنه "موجود في الأسرة و الشارع و المسجد و المدرسة، و التي تغرس قيم المقاومة والحرية وحب ودعم كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال".
التضامن ضد الاستعمار فالجزائر التي استعمرتها فرنسا لمدة 132 عاما، اكتسبت لقبها بين العالم العربي بوصفها بلد المليون ونصف المليون شهيد، ووفقا لما ذكره الصحفي الرياضي الجزائري ماهر مزاحي، فإن التضامن والمحبة بين الشعب الجزائري والشعب الفلسطيني لهما علاقة بكون الجزائريين يفهمون الدمار الذي خلفه الاستعمار الاستيطاني. وأضاف متحدثا من العاصمة الجزائر "هناك شعور بالاستياء من ذلك النظام الاستعماري". ومن أشهر ما قاله الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين في أوائل السبعينيات "نحن مع الفلسطينيين، سواء كانوا مظلومين أو ظالمين". وأثرت حرب الاستقلال الجزائرية بين 1954 و 1962 تأثيرا قويا على السياسة الخارجية للبلاد ودعمها لقضية تحرير الشعب الاستعماري في جميع أنحاء العالم ولم تكن فلسطين استثناء من ذلك، حيث أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية مكتبا لها في الجزائر بعد فترة وجيزة من استقلال الجزائر. وبعد سنوات، في عام 1988، اجتمعت منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر العاصمة لإعلان إنشاء دولة فلسطينية. ويتضح أن القضية الفلسطينية مهمة جدا للشعب الجزائري في الملاعب، التي يصفها مزاحي بأنها انعكاس دقيق لما يشعر به المجتمع، بسبب اتساع حرية التعبير لدى المشجعين في ذلك الفضاء. وأكد "أن المدرج هو كقطعة تنطق بصوت يعطي شخص الطبقة العاملة في الجزائر صوتا". ويشاطره هذا الرأي دراجي الذي قال إن "الذين حضروا مباريات كرة القدم أظهروا قدرا كبيرا من الوعي". وقال دراجي "بدأت حركة الاحتجاج الجزائرية في عام 2019، إلى حد ما، في الملاعب"، في إشارة إلى الاحتجاجات التي أجبرت الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على الرحيل في غضون أشهر. وأضاف "الشباب يرفضون الانخراط في الأحزاب السياسية، لأنهم يعتبرونها متواطئة، لذا فإنهم يستخدمون الملاعب الرياضية كمنصات للتعبير عن مشاعرهم ومواقفهم".
الملاعب ليست للكرة فقط ولم تعد الملاعب مقتصرة على مساحة المسابقات الرياضية فقط، حسب قول العامور. وأوضح قائلا "أصبحت ملاعب كرة القدم من أبرز أدوات الدعم والدعوة والتوعية للعديد من القضايا السياسية والاجتماعية، من خلال الهتافات والملصقات والأغاني"، "الملاعب هي أيضا أداة لقياس وعي الجماهير الشعبية". ومن خلال هذا الفضاء، تطورت واحدة من أكثر الهتافات عضوية وشعبية بين مشجعي كرة القدم الجزائريين "فلاستين شهداء"، ومعناها "فلسطين أرض الشهداء". وتُغنى هذه الأغنية في المدرجات خلال المباريات التي تلعب فيها الفرق الوطنية أو الأندية الجزائرية. ووفقا ليوسف فاتس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة وهران، فإن فلاستين شودة يستند إلى نشيد شهداء باب العويد، الذي يشير إلى أكثر من 500 جزائري معظمهم من الشباب وأنصار كرة القدم الذين قتلتهم الحكومة في أعمال الشغب التي وقعت في عام 1988 بعد الاحتجاج على سوء أحوالهم المعيشية في حي باب العويد في العاصمة الجزائر. وقال مزاحي إن "رواية فلاستين شهداء ، بدأت في عام 1988 وهي أيضا الانتفاضة الأولى، أو بعد بضع سنوات في أوائل التسعينيات". وقال إن "هذا الهتاف هو عنصر آخر من عناصر المنتخب الجزائري، لقد أصبح الفريق الوطني الجزائري وسيلة للدفاع عن القضية الفلسطينية في كل الجزائر". واكتسبت هذه الأغنية شعبية كبيرة حتى إن المشجعين الجزائريين دعموا الفريق الفلسطيني ضد فريقهم في مباراة ودية في عام 2016، والتي شهدت حضور أكثر من 70 ألف متفرج. ثم انفجر الملعب في بهجة بعد تسجيل الجانب الفلسطيني، وبالنسبة للكثيرين، لم يكن ذلك ليعكس بشكل أفضل محبة الجزائريينلفلسطين. وقال ماهر البقعة من غزة إن "الشعور متبادل، في كل مرة يلعب فيها الفريق يكون مقهانا مليئا بالمؤيدين، رغم المسافة الجسدية بيننا، فإن الجزائر هي الأقرب إلى قلوبنا".