فيما لا يزال الرأي العام يعيش صدمة جريمة القتل المروعة التي شهدتها محافظة الإسماعيلية حيث قام شاب بذبح جاره والتمثيل بجثته أمام المارة؛ شهدت محافظة كفر الشيخ جريمة أخرى قتل فيها طالب في المرحلة الثانوية على يد زملائه بعد تنمرهم عليه والشجار معه. في التفاصيل تعرض الطالب إلى إصابة بجرح قطعي في الرقبة على يد ثلاثة من زملائه في المدرسة، وفق إدارة البحث الجنائي. وأوضحت الجهات الرسمية أن الطالب إبراهيم عطية البالغ من العمر 18 عاما ، وأن سبب الواقعة هو قيام ثلاثة من الطلاب بالتنمر على القتيل ودفعه وضربه. في المقابل، حاول الضحية الدفاع عن نفسه إلا أن أحد الطلاب قام بكسر زجاجة واستخدامها لطعنه في الرقبة، وحاول الطالب الهروب منهم، لكنه سقط بعد أقل من 10 أمتار غارقا في دمائه.
جريمة الإسكندرية القصة تتشابه برغم تبادل المحافظات، فقد سبقتهما قصة ذبح بائع في الإسكندرية على يد 5 أشخاص ، حيث أقدم 5 أشخاص على ذبح بائع في منطقة أبو سليمان شرق الإسكندرية، فى يونيو 2021 بعد نشوب خلاف بينهم فقرروا التخلص منه بتحريض من زوجة شقيق المجني عليه. وكشفت التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة وجود خلافات سابقة بين المتهمين والمجني عليه، حيث تبين أن زوج شقيقة المجني عليه أرشد المتهمين عن مكان وجوده حيث توجهوا إليه، وما إن أبصرهم لجأ إلى محل جزارة للاختباء به، ألا إنهم تتبعوه وانهالوا عليه بأسلحة بيضاء وذبحوه.
سنوات انقلاب السيسي الأمر برمته يجرنا إلى تنفيذ تطبيقي لما يشاهده المصريون خاصة سن المراقهين والعاطلين للأفلام والمشاهد التي تذاع ليل نهار. وانتشرت جرائم القتل داخل الأسر المصرية بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الثمان الماضية، الإحصاءات تشير إلى ارتفاع مخيف في نسبة الجرائم الفردية والأسرية، فوفقا لآخر تصنيف لقاعدة البيانات العالمية نامبيو، الخاص بتصنيف الدول حسب معدلات الجريمة، جاءت مصر في المرتبة الثالثة عربيا، وال24 عالميا، وكشفت دراسات بجامعة عين شمس أن جرائم القتل الأسري في مصر تُشكل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل وهو معدل ضخم للغاية. و أكدت دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن نسبة 92% من هذه الجرائم تتم بدافع العرض والشرف نتيجة الشك وسوء الظن والشائعات، فضلا عن أن العامل الاقتصادي من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي، لما أحدثه من مشكلات اجتماعية خطيرة.
فتش عن الأخلاق الاستشاري النفسي على عبد الراضي، ذكر أن هناك عددا من التداخلات طرأت خلال الفترة الأخيرة على سلوك المجتمع المصري، أدت لظهور جرائم عنيفة والتي لم تكن موجودة من قبل، وحمَّل عبدالراضي في تصريحات صحفية، مؤسسات الدولة عن مسئولية انتشار هذه الجرائم بتلك الصورة المرعبة خصوصا وزارة الثقافة تليها المؤسسة الدينية ثم الإعلام، والسينما والمسرح، مؤكدا أن هذه المؤسسات من المفترض أن تعمل على تشكيل ما يسمى بالوعي المجتمعي، وهي مسئولة عن كل ما يتم تقديمه وتناوله من أعمال درامية وسينمائية. وكشف أن الأعمال الدرامية أو السينمائية التي يتم تقديمها تشجع على أعمال العنف وتساهم في انتشاره، لافتا إلى أن هناك دراسة تشير إلى أن أكثر من 95% من الأعمال الدرامية التي تقدم على الفضائيات فيها شكل من أشكال الجريمة والعنف والبلطجة والتعديات على قيم المجتمع أو انتهاك قيمه، والرغبة في الثراء السريع. وتابع، هكذا ضربة وراء ضربة في البناء الأخلاقي والقيم الثقافية والرقي الاجتماعي يحدث له تآكل وانهيار وتصدع فينتج عنه الكثير من الجرائم الأسرية التي يشهدها المجتمع.
صورة الدم في المقابل، ذكرت الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن المجتمع المصري يعاني من ضغوط في أكثر من ناحية منها: الاقتصادية، وأزمة القيم التي تحمي المواطن والمجتمع، فمن الممكن أن يكون المرض النفسي انتشر وأصبحت له معدلات أعلى مما سبق، فضلا عن وجود عامل آخر مهم جدا هو الإدمان، غير الميديا والتي تُظهر صورة الدم والعنف بشكل متكرر، بحيث يستقر في وجدان المواطن، ويبدأ يتجرأ على الجريمة؛ لأن ثقافة الصورة لها دور كبير في أن يقوم بالفعل من غير قرار وتلقائيا لأن عينه أخذت على العنف والدم. وتابعت: عندما يكون شخص يعاني من مرض نفسي ويتعاطى أي نوع من أنواع الإدمان ويشاهد الميديا بشكل مستمر فيها العنف والدم فضلا عن غياب القيم؛ كل ذلك مع التنشئة الاجتماعية التي يكون فيها عنف والتي يشب فيها الطفل ميالا للعنف، عندما تتشابك كل هذه العوامل تخلق مناخا جاهزا ليرتكب أبشع الجرائم. وحملت أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي، المؤسسة الدينية مسئولية ما يحدث موضحة أن القيم المعنوية الرفيعة والتسامح وضبط النفس ومنع الغضب كل هذه الأمور مهمة؛ ودور المؤسسة الدينية أن تعمل على ترسيخها داخل وجدان المصريين.