على عكس مسار الانبطاح الذي يصر الدكتاتور عبدالفتاح السيسي ونظامه العسكري على وضع مصر فيه، تحت أقدام الاحتلال الصهيوني والمملكة العربية السعودية وخدمة مصالحهما بل والتنازل عن أراضي مصر من أجلهما في "تيران وصنافير" أو في آبار البترول وحقول الغاز في البحر المتوسط لصالح إسرائيل، تعمل كل من تل أبيب والرياض كل من جانبه لتقزيم مصر سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا في المنطقة. ورغم تميز مصر وحضورها القوي كمركز لعبور خطوط الكابلات البحرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك بسبب موقع مصر الجغرافي المتميز، و تمتّع الشركة المصرية للاتصالات المسؤولة عن هذه الكابلات، بقوة فنية ولوجستية تساعدها في الحفاظ على هذه المكانة. كذلك دخلت الشركة في عدد من الاستثمارات بالمجال إقليمياً ودولياً التي دعمت قوتها. لكن هذا الواقع قد يتغيّر قريباً بعد إعلان شركة "سباركل" قبل أشهر، ومعها شركاء آخرون، بينهم "جوجل"، إنشاء أنظمة "بلو رامان" للكابلات البحرية، التي ستربط إيطاليا وفرنسا واليونان والأراضي الفلسطينيةالمحتلة، بنظام "رامان" لربط الأردن والسعودية وجيبوتي وعمان والهند، على أن تتجنّب هذه الكابلات المرور في مصر، وفقاً لموقع "ديكود 39" التابع لمجلة "فورميكي" الإيطالية. ومن المتوقع تشغيل "بلو رامان" عام 2024، بينما سيكون الجزء الموجود في البحر التيراني نشطاً في 2022.
ربط الكيان الصهيوني بإيطاليا وحسب الموقع الإيطالي، سيربط الكابل الهندبإيطاليا ويمرّ عبر فلسطينالمحتلة، ويتجنب مصر، وهو ما "يؤكد المركزية الجديدة للبحر الأحمر، في اتصال يصوّر بشكل فعال مفترق الطرق أمام إيطاليا، الدولة الوحيدة من مجموعة السبع التي وقّعت مذكرة تفاهم مع بكين على طريق الحرير، حيث يمكن أن يكون هناك اهتمام بمشاريع البنية التحتية والاستثمارات التي يعتزم الاتحاد الأوروبي تطويرها مع الولاياتالمتحدةوالهند لتلبية مبادرة بكين". ويرجع تهميش مصر وإخراجها من استثمارات الخط الجديد، وفق ما جاء في تحليل ل"مركز الإمارات للسياسات"، ومقرّه أبو ظبي، أن السبب الأساسي سياسيّ مرتبط بالتمهيد بشكل أو بآخر للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من خلال ربط الكابل بين السعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، فيما يرجع البعض اختيار "جوجل" بشكل أساسي تغيير مسار الكابل كي لا يمرّ بمصر، سببه فرض القاهرة لرسوم مالية مرتفعة جداً من دون أي مبرّر واضح، خصوصاً أن التقارير العالمية تكشف أنّ الرسوم التي تضعها الشركة المصرية للاتصالات (المسؤولة عن الكابلات البحرية في مصر) تعتبر من بين الأعلى في العالم. بينما راى موقع "ميتربريتر" التقني، أن الازدحام الكبير للكابلات البحرية في مصر، وتكرار تعطّل عدد كبير منها بسبب حركة المرور الكثيفة في قناة السويس، يرفع من تكلفة الصيانة ويؤدي إلى خسائر اقتصادية عالمية نتيجة تعطل الشبكة، وهو ما يجعل من مصر نقطة غير مرغوبة حالياً لمد كابل "بلو رامان" الجديد. وعلى أية حال فإن استبعاد مصر من الخط ، سيكبدها خسائر مادية كبيرة، فضلاً عن خسارة جزء من دورها البارز كأحد أهم المراكز العالمية لمرور كابلات الإنترنت البحرية. إذ وفقاً لخريطة الكابلات البحرية، تحتل مصر المركز الثاني عالمياً بعد الولاياتالمتحدة، إذ يمرّ في مياهها 17 كابلاً بحرياً، ما يؤمّن لها عائدات تصل قيمتها إلى 130 مليون دولار كرسوم عبور. وقد لعب دور مصر الجغرافي مكاناً مهماً لتحولها إلى مركز لمرور هذه الكابلات. لكن هذا الموقع لم يعد ذات أهمية كبيرة بعدما دخلت إسرائيل على الخط، مقدمةً نفسها منافساً ذات موقع جغرافي قريب من الموقع المصري، لكن بكلفة أقلّ وبأسعار ورسوم تنافسية إلى حد كبير. وما أعطى دفعة إضافية للاحتلال، كان توقيع اتفقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية، وهو ما يفتح لها مجالاً لعقد اتفاقية شراكة مع عواصم عربية مختلفة.
استبعاد مصر ويعبر استبعاد مصر من خط الكابلات الجديد عن مخطط قوي وفاعل في تقزيمها، سواء عبر دعم الإمارات وإسرائيل إنشاء خط نقل النفط من دول الخليج عبر إسرائيل، من خلال مينائي إيلات عسقلان(وإيلات هي مدينة أم الرشراش المصرية المحتلة حتى اليوم)، بعيدا عن قناة السويس التي يعد نفط الخليد أحد أبرز ما يدر عليها من دخل، كما تمارس إسرائيل والسعودية والإمارات دورا مضادا للمصالح المصرية في أفريقيا وخاصة في إثيوبيا ودعم سد النهضة الذي يسبب تهديدا وجوديا لمصر ويهدد حياة مائة مليون مصري. وسبق التنسيق السعودي الإسرائيلي في ملفات عدة إقليمية ودولية حصار مصر، وتقزيم دورها، سواء في فلسطين أو ليبيا أو خط غاز ميد ايست، الذي يصل الغاز الإسرائيلي المنهوب من فلسطين، إلى قبرص واليونان وإيطاليا بعيدا عن الأراضي المصرية ما يحرمها من مصدر كبير للدخل، وذلك على الرغم من توقيع مصر اتفاقات ترسيم حدود مع اليونان وقبرص تنازلت بمقتضاهما عن نحو 100 ألف كلم مربع من مياهها الإقليمية في البحر المتوسط. وإذا وضعت "جوجل" أساسات لشبكة ألياف بصرية ستتصل لأول مرة عبر المملكة العربية السعودية وإسرائيل، بينما تفتح ممراً جديداً لحركة الإنترنت العالمية، وفقاً لما كشفته "وول ستريت جورنال" نوفمبر الماضي، عن أشخاص مطلعين على الخطط. يُعَدّ المشروع الذي يربط الهند بأوروبا أحدث جهود "جوجل" لبناء شبكات الإنترنت عبر العالم. وتأتي هذه الخطوة في إطار تنافس محتدم بين "ألفابيت" (الشركة الأم التي تملك "جوجل"، وشركة "فيسبوك") لبناء المزيد من سعة الشبكة لدعم طلب المستخدمين المتزايد على مقاطع الفيديو ونتائج البحث والمنتجات الأخرى. كذلك، سيساعد الاتصال الموسع بين أوروبا والهند "جوجل" في طرح مراكز البيانات عالمياً واللحاق بمنافسيها "مايكروسوفت" و"أمازون" في مجال الحوسبة السحابية عند الطلب. وسمّت شركة "جوجل" معظم كابلات الإنترنت الخاصة بها بأسماء العلماء، وأعطت اسم "بلو رامان" Blue Raman على المشروع الجديد، وهو اسم الفيزيائي الهندي تشاندراسيخارا فينكاتا رامان. ووفقاً لشركة الاتصالات السلكية واللاسلكية Salience Consulting، ومقرّها دبي، يمتدّ مشروع الكابلات البحرية "بلو رامان" على بعد أكثر من 5000 ميل، وسيكلف ما يصل إلى 400 مليون دولار. ومن المتوقع أن تتجه "جوجل" إلى شركاء للمساعدة في تمويل المشروع، بما في ذلك شركة الاتصالات العمانية، وشركة Telecom Italia SPA، التي ستساعد في تمويل المسار، وفقاً لمن هم على دراية بالمشروع. سيساعد هؤلاء الشركاء وغيرهم في تمويل إنشاء الكابل مع مشاركة البنية التحتية للألياف الضوئية.