عل الرغم من تصدير سلطات الانقلاب المصرية لصيغة التعاون مع دول حوض النيل فيما يخص إنشاء جنوب السودان سد "واو" على حوض نهر غزال أحد روافد النيل الأبيض، بل ومشاركة شركات مصرية في التصميمات والتنفيذ المستقبلي للسد، إلا أن التوقيت المعلن فيه عن تلك الترتيبات غير مناسب بالمرة ويعبر عن غباء سياسي، لا مثيل له. فقد كان الطرف المصري يسعى للتنسيق مع جنوب السودان لتأجيل الإعلان عن تلك الخطوات إلى حين الانتهاء من أزمة التفاوض للوصول لاتفاق ملزم مع إثيوبيا قبل انتهاء الملء الثاني لسد النهضة، لا سيما وأن أزمة سد النهضة تمر بمرحلة عصيبة وخطيرة جدا على المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية، وسط تهديدات عسكرية من أديس أبابا ضد من يجرؤ على التعدي على سيادة إثيوبيا. وكان وزير الدفاع الإثيوبي هدد مؤخرا خلال حوار تلفزيوني، من أن الملء الثاني ووصول المياه المخزنة إلى 13,5 مليار متر مكعب، يمثل حصانة ذاتية للسد، لا يمكن لمصر ولا للسودان التعرض له بأي هجوم، بل إنهم سيحمونه بأنفسهم، وسيأتون إلى أديس أبابا مذعنين للتفاوض، وهي التصريحات التي لم تتحرك لها مصر إلا بتصريحات باهتة معتبرة أن إثيوبيا تستفز مصر، وأن القاهرة لن تستدرج لضرب سسد النهضة! وتضمن بيان صادر عن حكومة الانقلاب في مصر التأكيد على أنه لطالما أعلنت مصر أنها لا تمانع إنشاء مشروعات من شأنها إفادة دول حوض النيل الإفريقية من مياه النيل بشرط عدم التأثير سلبا على حصتها من مياه النهر، وهو ما يقف وراء الأزمة حول سد النهضة الإثيوبي، حيث ترفض أديس أبابا أي تنسيق من شأنه وضع الشرط المصري في الاعتبار. والسبت 26 يونيو 2021م، كشفت وزارة الموارد المائية والري بحكومة الانقلاب، عن تفاصيل تعاون مصر مع جنوب السودان لإقامة سد "واو" داخل حوض بحر الغزال، أحد روافد نهر النيل. وذكرت الوزارة، في بيانها، أن مصر وجنوب السودان وقعتا بروتوكول تعاون فنيا في مجال الموارد المائية، يتضمن إعداد دراسات جدوى إنشاء السد متعدد الأغرض بجنوب السودان. يشار إلى أن المشروع يقع على نهر سيوي، أحد فروع نهر الجور الرئيسي بحوض بحر الغزال، على مسافة 9 كيلومترات جنوب مدينة "واو" في جنوب السودان، ويهدف إلى توليد 10.40 ميجاوات من الكهرباء، بالإضافة إلى توفير مياه الشرب لنحو 500 ألف نسمة، والاستفادة من المياه فى الري التكميلي، لنحو 30 – 40 ألف فدان. وأكدت الوزارة أن خبراء المركز القومي لبحوث المياه قاموا بإعداد الدراسات الهيدرولوجية والهيدروليكية والأعمال المساحية، والخرائط الكنتورية لموقع السد وبحيرة التخزين، وكذلك الدراسات الجيولوجية والجيوتكنيكية والإنشائية والبيئية، وأعمال التصميمات المبدئية للسد، والمنشآت التابعة له. ونوه البيان إلى التعاقد مع وزارة الكهرباء والطاقة بحكومة الانقلاب بمصر لإسناد أعمال التصميمات الخاصة بالمحطة الكهربائية وملحقاتها، ودراسة الجدوى الاقتصادية لها، من خلال إحدى الشركات المتخصصة التابعة لها، والتي تعاونت مع أحد المكاتب الاستشارية الكبرى؛ لإعداد الدراسات المطلوبة. وأشارت الوزارة إلى أن كافة الدراسات الفنية والاقتصادية الخاصة بالسد سلمتها مصر إلى جنوب السودان في ورشة عمل ضخمة عقدت بمدينة واو بحضور المسؤولين الحكوميين والفنيين وممثلي المجتمعات المدنية بالولاية وبعض الشركات الاستثمارية في شهر فبراير 2015م. والغريب أن نفس المفردات جرى تصديرها أيضا للرأي العام المصري في 2015، حينما وقع السيسي مع إثيوبيا والخرطوم اتفاق المبادئ، الذي أهدر حقوق مصر المائية التاريخية لأول مرة منذ قدم التاريخ. ويقع جنوب السودان إلى الغرب من إثيوبيا وفي شماله السودان ومصر، ويتدفق النيل الأبيض عبر البلاد، وهو أحد الروافد الرئيسية التي تغذي نهر النيل، الذي يلتقي ويمتزج بالقرب من الخرطوم بالنيل الأزرق الذي يتدفق من المرتفعات الإثيوبية. وكان مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية، هدد مؤخرا أنه لا أحد يمكنه ضرب "سد النهضة" أو الاقتراب منه. وفي وقت سابق قال مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية، الجنرال "بوتا باتشاتا ديبيلي" إن بلاده مستعدة للدفاع عن "سد النهضة" ضد أي هجوم يمس سيادتها، وذلك بعد رسالة بعثت بها أديس أبابا إلى مجلس الأمن ترفض تدخله في قضية السد. وأضاف الجنرال الإثيوبي -في لقاء مع قناة "روسيا اليوم"- أنه "لا حل عسكريا لأزمة السد، مشيرا إلى أن مصر لا يمكنها تدميره حتى لو أرادت ذلك". وأكد المسؤول العسكري الإثيوبي أنه بمجرد الانتهاء من الملء الثاني لخزان السد، ستأتي مصر والسودان للتفاوض مع بلاده حول تقاسم مياه النيل وليس على مسألة السد، مشيرا إلى أن القاهرةوالخرطوم ستسعيان لحماية السد كي لا يجرفهما الطوفان إلى البحر المتوسط، في حال تدميره.