تخيل أن ملاكمين أحدهما أقل قوة وجاهزية لكن لديه إصرار وعزيمة، والثاني ضخم غضنفر مدجج بالسلاح لكنه جبان، وكل الرهانات تشير لفوزه، لكن الأول الأضعف بادر بتوجيه ضربة وصفعة قوية للثاني أفقدته توازنه من الجولة الأولى. هذه هي حقيقة معركة الحرب الرابعة بين حماس وقوى المقاومة من جهة والعدو الصهيوني المدعوم غربيا من جهة ثانية، التي أطلقت عليها المقاومة "سيف القدس". فبينما الصهاينة يختالون بقوتهم ويعتدون علي المصلين في المسجد الأقصى ويطردون أهالي حي الشيخ جراح من منازلهم لمزيد من تهويد المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى، والقادة العرب يلفهم الصمت والتواطؤ مع المحتل، بادرت حماس لتغيير معادلة الردع مع العدو من (ضرب المستوطنات لو ضربت إسرائيل غزة) إلى ضرب تل أبيب لو اعتدى الصهاينة على القدس. في بداية الأزمة استخف بها الاحتلال الصهيوني فأعطته كتائب القسام مهلة حتي السادسة من يوم 10 مايو لينسحب من الأقصى، وحين لم يفعل قامت بالضربة القاضية مباشرة بتوجيه صواريخها نحو القدس لتنقل رسالة للمحتل أنها جاهزة بقوة أكبر. هذه الصفعة المبكرة أو الضربة القاضية اعترفت بقوتها وسائل الإعلام الصهيونية وقالت إنها هي ما سيبقى في الذاكرة الصهيونية حتى ولو حاول نتنياهو وقادته تحقيق أي مكسب بهدم أكبر قدر من مباني غزة ليبدو كأنه هو المنتصر. ضربة النصر في أول ستوديو تحليلي على القناة 13 العبرية في اليوم الأول للحرب عقب ضربة القدس أجمع من استضافتهم القناة من الخبراء الصهاينة من الشخصيات الأمنية والسياسية علي أن حماس هي الرابح الأكبر للأسباب التالية: (أولا): استطاعت حماس أن تسجل "نصر الصورة"، ويقصد بها الضربة التي تم توجيهها للقدس بعد تحذير القسام للصهاينة يوم الإثنين 10/5/2021م، وهذا يعني أن كل المنجزات أو الإخفاقات في الحرب لاحقا ستكون دائما ملزمة بصورة النصر الثابتة هذه وهي ضربة القدس. (ثانيا): اجمع المحللون الصهاينة على أن قيادة حماس للمعركة مع الغرفة المشتركة للمقاومة في غزة، حظيت بصدقية لدى الشعب الصهيوني بأكثر من صحف إسرائيل وكانوا ينتظرون بيانات القسام والجهاد ليعرفوا الحقيقة، بل إن بيانات الجيش الصهيوني كانت تبلغ الصهاينة أن حماس والمقاومة رفعوا حظر التجول في تل أبيب ساعتين ثم سيضربون بعدها، وخلال الساعتين عقد نتنياهو مؤتمرا صحفيا ثم نزل للملجأ!! قالوا إن ما يميز قيادة حماس للمعركة اليوم هو إمكانية وصولها للجمهور الفلسطيني في الداخل المحتل، وتشكيل رأي عام مقاوم ورافض للاحتلال الصهيوني، عدا عن عودتها الواضحة إلى سياق المواجهة في الضفة الغربية، وإعادة بوصلة الرأي العام العربي بما يتوافق مع الطرف الحمساوي للوضع الفلسطيني. (ثالثا): مثل فرض حماس حظر التجول في إسرائيل وفرضها حظر طيران علي سمائها بقصف مطارتها ثم فرضها حظر علي تصدير نفطها بضرب مصافي النفط في البحر المتوسط وإيقاف عمل منصة حقل تمار انتصارات غير مسبوقة. إعلان منع التجول على العاصمة السياسية للكيان الصهيوني "تل أبيب"، ومنع أو السماح للجمهور الصهيوني بالحركة بما يتوافق مع قرارات قيادة القسام، وأيضا بما يتوافق مع الرشقات الصاروخية على المواقع والمدن الصهيونية، كان أمرا يشير بوضوح لمعالم الضربة القاضية الأولي والانتصار بصرف النظر عن محاولة الصهاينة جباية أي نصر بقتل الأبرياء وهدم المباني. (رابعا): أدى حرق أشرعة سفن السلطة في رام الله، كما يقول الأسير إسلام حسن حامد، لوضعها في زاوية الاتهام بالعمالة للعدو الصهيوني، وإسقاط نموذج جيش "لحد" العميل لإسرائيل بجنوب لبنان عليها، وتمرد المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية على السطوة الأمنية التي تم فرضها من قبل السلطة على مدار السنوات الماضية، حتي أن "رويترز" قالت إن هناك جنودا تابعين للسلطة بدؤوا ينشقون عليها لأن دورهم بات خدمة الكيان وقمع شعبهم. (خامسا): كشفت الحرب التي اندلعت في الداخل الصهيوني (أرض فلسطينالمحتلة 1948) عن زيف التعايش السلمي بين المجتمع الفلسطيني في الداخل ومكونات الجمهور اليهودي؛ حيث تم العمل على إنهاء الهوية الفلسطينية من وجدان المجتمع الفلسطيني منذ نشأ الاحتلال فجاءت معركة وهبة القدس وحرب غزة وتضامن كل الفلسطينيين في أرض 48 و67 والضفة وعلى الحدود لتؤكد أن الضمير الوطني الفلسطيني متجذر في وجدان الشعب وأن صورة التعايش ما هي إلا غشاوة ضبابية فرضها الاحتلال، أم الخسائر فهي ما يتم دفعه دائما من أرواح الشهداء المباركة وحجارة المنازل والتي تدفع ثمنا للانتصار. ربح إستراتيجي حماس حققت ربحا إستراتيجيا سيبقى في وضع معادلة جديدة للصرع وظهرت كحامي للشعب الفلسطينيوالقدس في ظل خيانة الأنظمة العربية، بينما إسرائيل تحاول الظهور كرابح مؤقت أو أنها حققت "انتصارا تكتيكيا" يتمثل في قصف الأبراج السكنية وهدم البيوت وإتلاف المحاصيل الزراعية والمصانع المحلية في غزة، وهدم أبنية سلطة غزة. وقد تباينت ردود الفعل في الوسط الإسرائيلي، بين المحللين السياسيين والصحافة، وتضاربت واختلفت الآراء بين المؤسسة السياسية والعسكرية في اليوم السابع حول الحرب العسكرية على قطاع غزة، فيما شكك البعض بأهداف الحرب ونتائجها، وقد ظهر ذلك على وجوه المراقبين من النخب الإسرائيلية على كافة المستويات، نتيجة استمرار إطلاق الصواريخ على غزة، وادعاء الساسة بشكل مستمر على القضاء على المنصات الصاروخية في قطاع غزة. هدف حماس واضح وكسبته "يديعوت أحرونوت" قالت في تقرير لها إنه "في غضون 4 أيام فقط، بلغت الأضرار في "إسرائيل" جراء التوتر الأمني مع غزة أكثر من نصف أضرار حرب الجرف الصامد 2014 التي استمرت 51 يوما" الخبير شاؤول اريئيلي شكك في لقاء مع القناة (11) بأهداف المعركة العسكرية قائلا: "أهداف المعركة عند إسماعيل هنية واضحة وهي القدس والأقصى وأرض فلسطين، أما عند نتنياهو فغير واضحة". وتابع: "وعد نتنياهو بردع حماس لا يعتمد عليه، وهو مكرر ولن يؤدي إلا لاستمرار تعاظم حماس". وأكد بأن انجاز حماس الأبرز هو أنها أصبحت العنوان الرئيسي للدفاع عن الأقصى والسبب هو إجراءات الحكومة وقيودها على الأقصى. والمراسل العسكري للقناة (11) أشاد بإنجاز حماس الإستراتيجي وهو فتح خمس جبهات ضد إسرائيل، بينما لا يوجد أي إنجاز إسرائيلي يمكنه أن يغطي على هذا الاستنتاج الإستراتيجي. وقال المحلل العسكري ليديعوت أحرونوت: "الجيش الصهيوني في سباق مع الزمن لتحقيق إنجازات في مجال الوعي والذاكرة" بعد فشله في اصطياد قادة حماس في الأنفاق التي قصفها بعنف. وعلق الخبير الأمني رونين بريجمان في "يديعوت أحرونوت" بأن عملية الخداع التي قام بها الجيش من خلال التصريحات للناطق باسم الجيش للإعلام الأجنبي تسببت بأضرار كبيرة "لإسرائيل" في مجال العلاقات العامة. الكاتب الإسرائيلي يوسي جوربتش نسف دعاوي الاحتلال بأن حماس تطلق صواريخها من داخل المناطق المدنية المأهولة قائلا: هذا كذب، لأنه لا يمكن إطلاق الصاروخ من داخل مبنى دون أن يتم تدمير هذا المبنى والحقيقة أن إطلاق الصواريخ من مناطق مفتوحة وحفر". حماس أصبحت المدافع عن الأقصى بدأ محللون صهاينة يتحدثون عن المنتصر في المعركة وبحث كل طرف عن انتصار وهدف كبير يحققه ليعلن به انتصاره. كتب المحلل الصهيوني اليكس فيشمان في صحيفة يديعوت أحرونوت يقول: "تستطيع حماس بالفعل الإشادة بإنجازها الرئيسي حيث نجحت الحركة في إطلاق أعداد هائلة من الصواريخ على إسرائيل على الرغم من الأعمال العسكرية، كما أعادت حماس تسمية نفسها بأنها المدافع عن المسجد الأقصى وبطل القضية الفلسطينية". وقال: "يمكن لحماس أن تدعي انتصارها من خلال ضرباتها الصاروخية المتكررة على وسط البلاد وإعادة تسميتها كمدافع عن الأقصى ولكن ليس لها نجاح عسكري في الترويج لها، بينما يجب على الجيش الإسرائيلي أن يظهر أنه حقق أهدافه في تدمير قدرات حماس، بما يلحق بها أضرارا بالغة تدفعها لعدم شن هجمات مستقبلية. وأضاف أنه من حيث المكاسب العسكرية، لم تحقق الجماعة نجاحات كبيرة؛ لا في هجمات الطائرات بدون طيار ولا في التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية عبر الأنفاق الهجومية أو من البحر، على الرغم من محاولتين منذ اندلاع القتال. وقال محللون آخرون: "تبحث إسرائيل عما تصفها ب "صورة انتصار" في عدوانها على غزة، من أجل أن تلوّح بصورة كهذه عندما توافق على وقف إطلاق نار". ويعتبر الإسرائيليون أن "صورة انتصار" حققتها حركة حماس منذ بداية العدوان، عندما أطلقت مقذوفات باتجاه القدس، في "يوم القدس" الإسرائيلي، وتسببت بتفريق مسيرة المستوطنين وإخلاء باحة حائط البراق ومنعت استمرار الاحتفال بذكرى احتلال القدسالشرقية وفقا للمحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل. قال هرئيل إن إسرائيل لا يمكنها أن توافق على مطلب حماس بشأن تغيير الترتيبات في المسجد الأقصى، وأن من شأن هذا المطلب أن "يُعقد المفاوضات، بوساطة مصر والأمم المتحدة. ولفت هرئيل إلى أن "إسرائيل خرجت، أو استدرجت، إلى معركة هدفها الردع، وليس الحسم والأمل بأن هجمات مفاجئة أخرى، واغتيالات مؤلمة أخرى، ستُحسن بشكل جوهري توازن الردع وتطيل المدة التي ستطلبها غزة لنفسها حتى المعركة القادمة، لا يلغي المخاطر المقرونة باستمرار القتال". واعتبر المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، أن هناك "إخفاق استخباراتي" إسرائيلي، بسبب عدم توقع "عزم حماس على بدء حرب"، وعدم نجاح عمليات عسكرية إسرائيلية عديدة خلال العدوان الحالي. وأضاف: "ستروي حماس لنفسها قصة انتصارها التي ستشمل حقيقة أنها تحولت إلى حامية القدس وفي هذا الوضع واضح جدا أن الأثمان سترتفع جدا واحتمال أن توافق حكومة مؤقتة على هذه الشروط، في ظل معارضة واضحة من جانب الشاباك، ضئيل للغاية" لا تنتظروا انتصارا كتب شمعون شيفر في يديعوت أحرونوت يقول: "لا تنتظروا صورة انتصار.. أيضا في حالتنا، هناك حروب ليس فيها صورة انتصار"، وتشير إلى أن الإنجاز الأهم لحماس يتجلّى في الحريق الذي أشعلته في المدن المختلطة. وقال: رغم التدمير، فإن قصف الصواريخ سيستمر لغاية الإعلان عن وقف النار، فقد أحيت حماس الهوية الفلسطينية التي حاولنا طمسها".