لا يوجد في زمن العسكر شئ لم يعتدى عليه؛ حتى التاريخ، ولا يوجد ممثل أو فنان يعمل لصالح عصابة السفاح السيسي يحترم تاريخه أو يحتفظ بالحياء لما يحمله من ثقافة واطلاع، ومن جملة الساقطين في هوة الانقلاب السحيقة الفنان "نبيل الحلفاوي"، أو القبطان كما ينعته الجمهور، إلا أنه لم يراجع التاريخ عندما قال إن "مصر هي البلد الوحيدة اللي محصلتش فيها مجاعة". وعندما يكتب مؤلف لصالح العسكر وشركتهم "سينرجي" فهو حتما يهدر التاريخ، وتختفي فترة من حكم مصر تولى فيها الخليفة الفاطمي المستنصر بالله والذي حدثت بعهده أكبر مجاعة لم تشهدها مصر، حتى إن المؤرخين أطلقوا عليها "الشدة المستنصرية"، والمفارقة أن الفنان الخلفاوي يقوم في المسلسل بدور مدرس تاريخ! والسؤال هل تتجه مصر إلى نفس المصير الذي لاقته وقت الشدة المستنصرية التي حدثت في مصر منذ ما يقرب من ألف عام، حين وقعت الفتن والمجاعات في عهد المستنصر بالله، وهو أحد الخلفاء الفاطميين الذين حكموا مصر منتصف القرن الخامس الهجري؟ الشدة المستنصرية تعرضت مصر لأزمة اقتصادية ومجاعة شديدة في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر، وعرفت في التاريخ الإسلامي بأسم "الشدة المستنصرية" التى تعتبر أطول وباء عرفته مصر طوال حكمها الإسلامي. وكان سبب هذه الشدة توقف فضيان نهر النيل مدة سبع سنوات متصلة، الأمر الذى أدى إلى انعدام الزراعة وخراب البلاد وموت أهل مصر جوعا وانقطاع النيل، وقد تخلل تلك المجاعة أعمال السلب والنهب وعمت الفوضى، واشتدت تلك المجاعة حتى لم يجد فيها الناس شيئا يأكلوه فأكلوا الميتة والبغال والحمير، وبيع رغيف الخبز الواحد بخمسين دينارا ذهبا. يقول أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن الأمير تغري بردي الظاهري عن "الشدة" التي ضربت مصر في عهد الخليفة المستنصر الفاطمي بين عامي 457 و464 هجرية (من أواخر 1064 إلى أواخر 1071 ميلادية): "وجلا عن مصر خلق كثير لما حصل بها من الغلاء الزائد عن الحدّ، والجوع الذي لم يعهد مثله في الدنيا، فإنّه مات أكثر أهل مصر، وأكل بعضهم بعضا. وظهروا على بعض الطبّاخين أنّه ذبح عدّة من الصّبيان والنساء وأكل لحومهم وباعها بعد أن طبخها. وأُكِلَت الدوابّ بأسرها، فلم يبق لصاحب مصر، أعنى المستنصر، سوى ثلاثة أفراس بعد أن كانت عشرة آلاف ما بين فرس وجمل ودابّة. وبيع الكلب بخمسة دنانير، والسّنّور بثلاثة دنانير. ونزل الوزير أبو المكارم وزير المستنصر على باب القصر عن بغلته وليس معه إلّا غلام واحد، فجاء ثلاثة وأخذوا البغلة منه، ولم يقدر الغلام على منعهم لضعفه من الجوع فذبحوها وأكلوها، فأُخِذُوا وَصُلِبُوا، فأصبح الناسُ فلم يَرَوُا إلّا عِظَامَهُم، أَكَل الناسُ في تلك الليلة لحومَهم". وذكر ابن إياس من العجائب التي لا يصدقها عقل زمن تلك المجاعة، ومنها: أن الناس أكلوا الكلاب والقطط، وكان ثمن الكلب الواحد خمسة دنانير والقط ثلاثة، وقيل كان الكلب يدخل البيت فيأكل الطفل الصغير وأبواه ينظران إليه فلا يستطيعان النهوض لدفعه عن ولدهما من شدة الجوع والضعف، ثم اشتد الأمر حتى صار الرجل يأخذ ابن جاره ويذبحه ويأكله ولا ينكر ذلك عليه أحد من الناس، وصار الناس في الطرقات إذا قوى القوى على الضعيف يذبحه ويأكله. وذكر كذلك أن طائفة من الناس جلسوا فوق أسقف البيوت وصنعوا الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح، فإذا صار عندهم ذبحوه في الحال وأكلوه بعظامه. سقوط دولة الظلم "الشدة المستنصرية" كانت سببا في ضعف وانهيار الدولة الفاطمية التي اتسم حكامها بالظلم وقمع المصريين وانتهاء العصر الفاطمي الأول "عصر خلفاء الفاطميين الأول" الذى حكم فيه الفاطميون بتولى أمر الخلافة عدد من الخلفاء الأقوياء، الذين كانوا يجمعون السلطة كلها في أيديهم، خلافا عن العصر التاني من حكمهم الذى تحكم فيه الوزراء في الخلفاء وكانت للوزراء فيه كل السلطة فعرف بعصر الوزراء العظام. وكانت سبب بداية العصر الفاطمي الثاني "عصر نفوذ الوزراء وزول الخلافة الفاطمية" وأخذ الضعف يدب في جسم الدولة الفاطمية في عصرها الثاني، وأستاثر الوزراء فيها النفوذ والسلطان، وأصبح الخلفاء مسلوبي السلطة مع الوزراء. وقد حرص هولاء الوزراء على اختيار خلفاء صغار ضعاف يستطيعون أن ينفذوا في ظلهم ما يريدون من سياسة ويكون لهم النفوذ الفعلي في البلاد، حتي عرف هذا العصر الثاني من حكم الدولة الفاطمية بعصر نفوذ الوزراء، لقد أدى الصراع بين الوزراء في أواخر أيام دولة الفاطميين إلى نهاية الدولة وزول الخلافة الفاطمية بعد حكم تعدى القرنيين من الزمان. الشدة السيساوية لا يأبه السفاح السيسي كثيرا لمؤيديه، حيث يتحدث عن المصلحة العليا لمصر والمتمثلة في الأمن القومي ومحاربة الإرهاب؛ إلا أنه لم يفِ بأدنى درجاته، وعلى عكس المصلحة العليا لمصر قام السفاح السيسي بحفر تفريعة سماها قناة السويس الجديدة لا تقدم لموقف مصر الاقتصادي شيئا، وإلا ما جاء محمد بن راشد حاكم دبي على رأس الوفود المهنئة بالافتتاح، إذ لا تمثل التفريعة خطرا على الموانئ الإماراتية. وعلى الصعيد الآخر يمثل الأمن القومي للسفاح السيسي قتل معارضيه وعلى رأسهم الإخوان المسلمين وتهجير أهل سيناء واضطهاد أبنائها خدمة للكيان الصهيوني. نظام السفاح السيسي لا يرى خطرا في السد الذي تقيمه إثيويبا على منبع نهر النيل، والذي لا ينقص من مياه النيل فقط، بل سيجعل لأديس أبابا القدرة على التحكم في كمية المياه التي تستخدمها مصر يوميا، وهو الذي سيؤثر بدوره على كمية المياه المستخدمة في الشرب والزارعة والصناعة. مصر التي تعيش فقرا مائيا تخشى "الشدة السيساوية" التي يمكن أن تبدأ خلال فترة الامتلاء الثاني لخزان سد النهضة الإثيوبي والتي ستؤدي لجفاف بحيرة ناصر وانخفاض مستوى النيل لأدنى مستوياته، ضع نتيجة تلك الكارثة مع الاقتصاد الهش والانخفاض المستمر في قيمة الجنيه أمام الدولار والفساد المالي والإداري والتمزق المجتمعي وسرقة موارد البلاد والعباد واحتكار المؤسسة العسكرية لمعظم المشاريع والمصانع والشركات وبالأخذ في الاعتبار عدد السكان والأمراض المتفشية فستشهد مصرا هلاكا للحرث والنسل ربما تمتد آثاره لعقود من الزمن.