جرى ما توقعناه بعد حادث تصادم قطاري سوهاج، الذي أدى إلى وفاة نحو 32 وإصابة 185 آخرين. قلنا إن النظام العسكري قد يتخذ من هذه الحوادث ذريعة لإسراع عمليات الخصخصة التي بدأها بالفعل؛ فقد أعلن وزير النقل بحكومة الانقلاب الجنرال كامل الوزير، يوم الأربعاء 21 أبريل 2021م، عن منح إدارة مشروعات السكة الحديد لشركات عالمية، والشراكة مع القطاع الخاص في قطاع نقل البضائع، في تمهيد لشروع الوزارة في عمليات خصخصة واسعة النطاق لهذا المرفق الحيوي والإستراتيجي، على خلفية حادث انقلاب "قطار طوخ" هذا الأسبوع، والذي أودى بحياة 23 شخصاً، فضلاً عن إصابة 139 آخرين. وبحسب بيان الوزير فإنه منذ تكليف الدكتاتور عبدالفتاح السيسي له بتولي حقيبة وزارة النقل فإنه قد وضع في مقدمة أولويات الوزارة الاهتمام بإعادة تأهيل وتدريب العنصر البشري على النظم التكنولوجية، وإسناد عدد كبير من مشروعات الوزارة إلى شركات عالمية متخصصة في الإدارة والتشغيل لمدة محددة، بهدف تقديم مستوى أعلى من الخدمات، ونقل الخبرات الحديثة إلى الجانب المصري". وأضاف: "تعاقدنا مع شركة RATP الفرنسية لإدارة وتشغيل الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة، والشركة نفسها لإدارة وتشغيل القطار الكهربائي LRT (السلام/ العاصمة الإدارية الجديدة/ العاشر من رمضان)، وجار التفاوض مع شركات عالمية لإدارة وتشغيل خطي مونوريل العاصمة الإدارية، والسادس من أكتوبر، وكذلك إدارة وتشغيل القطار الكهربائي السريع (العين السخنة/ مرسى مطروح)، وتنفيذ وإدارة وتشغيل الأتوبيس الترددي BRT على الطريق الدائري". ووفقا لمزاعم بيان الوزير فإن "الاتفاق مع الشركات العالمية يتضمن نقل الخبرات للجانب المصري، من خلال الاعتماد على العمالة المصرية بنسبة لا تقل عن 90% في جميع المستويات الفنية والإدارية والتشغيلية والإشرافية طوال مدة التعاقد، والتي تبلغ 15 عاماً. وإسناد أعمال التشغيل والإدارة لعدد من القطارات الجديدة إلى شركات عالمية متخصصة في الإدارة والتشغيل، لا سيما مع توريد 6 قطارات متكاملة من شركة تالغو الإسبانية". وزاد قائلاً: "من المقرر إسناد تشغيل عربات النوم الجديدة بواقع 200 عربة نوم، والتي سيتم التعاقد عليها قريباً، لإحدى الشركات العالمية المتخصصة في إدارة وتشغيل قطارات النوم، وجار تحويل قطاع نقل البضائع بهيئة السكة الحديد إلى شركة مملوكة للدولة، بالشراكة مع القطاع الخاص كمرحلة تدريجية، وكذلك تحويل بعض الورش المتخصصة في إصلاح الجرارات والعربات إلى شركات خاصة، وذلك لزيادة الإنتاجية، ورفع مستويات الجودة". السيسي يرعى الخصخصة وكان رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي قد كشف عن نواياه حول خصخصة قطاع السكة الحديد في تصريحات له في مارس 2018م في أعقاب حادث تصادم قطار في محافظة البحيرة أدى إلى مقتل 22 مواطنا، حيث قال: "إعادة تأهيل شبكة السكك الحديدية تحتاج الكثير من الأموال، ومش معانا فلوس للتطوير.. أنا مش هادفع حاجة من جيبي، واللي جاي يقعد (المواطن) من سيدفع ثمنها". وقال السيسي وقتها، على هامش افتتاح بعض المشروعات بمنطقة العلمين، إن تكلفة تطوير السكك الحديدية تحتاج من 200 إلى 250 مليار جنيه، مضيفاً "فلوس إعادة التأهيل مش موجودة، ولا بد من مواجهة الواقع بتاعنا بشكل حقيقي.. والناس ممكن تقول أنتم سايبين السكة الحديد (خربانة)، وبتعملوا مدن جديدة ليه؟، لاء، اللي هايقعد في العلمين الجديدة هايدفع". ورداً على احتياج نظام الإشارات الكهربية لمبلغ 10 مليارات جنيه لتطويره، قال السيسي في 14 مايو 2017،: "العشرة مليارات دول لو حطيتهم في البنك هأخد عليهم فايدة 2 مليار جنيه في السنة، ولا بد من رفع سعر تذكرة القطارات، لتمويل هذا التطوير.. ولو المواطن يقولي أنا غلبان أديك منين، هاقوله ما أنا كمان غلبان!". وتأكيدا على إصرار النظام نحو خصخصة مرفق السكة الحديد سن النظام التشريعات والتعديلات التي تقنن خصخصة مرفق السكة الحديد؛ وجرى ذلك بعد تصريحات السيسي بثلاثة أيام فقط، حيث وافق البرلمان في 4 مارس 2018م على تعديل بعض أحكام القانون رقم 152 لسنة 1980، الخاص بإنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، والذي يقضي بإشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل وصيانة مشروعات البنية الأساسية، وشبكات هيئة السكك الحديدية على مستوى الجمهورية، إيذاناً بتحرير أسعار تذاكر القطارات من جهة، والدخول في مرحلة خصخصة المرفق من جهة ثانية. وركز التعديل على شقين، أولهما "الاستناد إلى قانون المزايدات والمناقصات، بالنسبة للمستثمرين الذين سيُعهد إليهم بعض الالتزامات، وفقاً لمواد القانون"، والثاني في أنه يجوز لهيئة السكك الحديدية "إنشاء شركات مساهمة بمفردها، أو مع شركاء آخرين، وجواز تداول أسهمها بمجرد تأسيسها في البورصة، وللعاملين في الهيئة أولوية شراء نسبة لا تتجاوز 10% من تلك الأسهم". تعزو الحكومة تقدمها بالتعديل إلى "تبني الدولة خطة إستراتيجية شاملة تستهدف تحقيق المعادلة الصعبة، بإشراك القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة، دون مساس بطبيعة هذه المشروعات، كونها مرافق عامة، وأملاكاً للدولة، "بدعوى أن الهدف من المشاركة هو "التوسع، وزيادة الاستثمارات، وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية". ومنح التعديل للهيئة الحكومية حق إبرام عقود التزام لأعمال إنشاء، وإدارة، وتشغيل، وصيانة كل مرافق السكك الحديدية، التي كانت حكراً على الهيئة، بما يخلق فرصاً لجذب استثمارات أجنبية ومحلية تسهم في تطوير خدمات السكك الحديدية، وإنفاذ حكم الفقرة الأخيرة من المادة (32) من الدستور، المتعلقة بمدة منح التزام المرافق العامة بناءً على قانون، لمدة لا تتجاوز خمسة عشر عاماً. زيادات بالأسعار وفي 2018م أقرت حكومة السيسي زيادات كبيرة في أسعار تذاكر القطارات، من دون أي تحرك في تطوير قطاع السكك الحديدية، وجرى تطبيق هذه الزيادات اعتباراً من أول يوليو 2018م، بنسب بلغت 200% للقطارات العادية (يرتادها ملايين الموظفين ومتوسطي الدخل والفقراء يومياً)، و40% لقطارات الدرجة الأولى (مكيفة)، و60% للدرجة الثانية، و20% لقطارات (VIP). وبهذه القرارات يتحمل الشعب وحده تكاليف صيانة المرفق من جهة. وتحويل المرفق من خدمي إلى استثماري من جهة أخرى بما يحقق أرباح للحكومة وهو ما يتسق مع توجهات السيسي في ظل توقعات بزيادات كبيرة على أسعار تذاكر القطارات مستقبلا بما يغري القطاع الخاص والشركات الأجنبية بشراء المرفق. والمخصصات الضخمة التي يجري حاليا إنفاقها على المرفق تستهدف بالأساس تهيئته ليكون مغريا في سوق الخصخصة خلال الشهور والسنوات المقبلة. ويحذر مراقبون من أن خصخصة مرفق السكة الحديد سوف يؤدي إلى زيادات هائلة في أسعار التذاكر؛ الأمر الذي يفوق قدرات الغالبية الساحقة من الشعب التي تئن في حالة من الفقر والجوع في أعقاب قرارات البرنامج الاقتصادي في 3 نوفمبر 2016م، فقد تفشى الغلاء ، وارتفعت معدلات الفقر وزادت مستويات البطالة في الوقت الذي تضخمت فيه الديون إلى حدود غير مسبوقة.