طالب قانونيون بتخصيص "شرطة قضائية" لتنفيذ الأحكام على المتهمين، وتفعيل آليات استقلال السلطة التنفيذية عن القضائية، من أجل تطبيق القانون على الجميع، والتحول نحو دولة ديمقراطية جديدة بعد الثورة. وأكد القانونيون أن تنفيذ أحكام القانون مسئولية "السلطة التنفيذية" المتمثلة فى إدارة تنفيذ الأحكام بوزارة الداخلية بالدرجة الأولى، مشيرين إلى أن تراجع دور جهاز الشرطة بشكل ملحوظ بعد الثورة جعله غير قادر على تنفيذ الدور المنوط به فى تنفيذ أحكام القانون. وأشاروا إلى أن عدم استقلال السلطة القضائية فى العهد السابق كان من أهم الأسباب لإهدار أحكام القانون، مشددين على أن تنفيذ الأحكام دون تمييز يدفع البلاد نحو دخول مرحلة جديدة من الديمقراطية واحترام أحكام القانون. وأكد المستشار أحمد سليمان رئيس محكمة استئناف القاهرة أن تنفيذ الأحكام على الأفراد هو اختصاص أصيل للسلطة التنفيذية، مشيرًا إلى أن عدم القبض على متهم ما هو إلا تقصير من هذه السلطة فى عملها. وأضاف سليمان أن وضع الشرطة كسلطة تنفيذية بعد الثورة أصبح ضعيفًا ولم تعد تؤدى دورها المطلوب منها على الوجه المطلوب، بالإضافة إلى انتشار الجرائم شبه المنظمة فى كل مكان، مما أثر بالسلب على هذا الدور، وجعلها لا تستطيع القيام به خاصة فى هذا الشأن. وأشار إلى أن أحد المتهمين قد يلجأ إلى أحد أقاربه ممن لديهم الحصانة، كرجال القضاء على سبيل المثال، لعدم الاقتراب منهم أو القبض عليهم، مشيرًا إلى أن إخفاء المتهم فى حد ذاته يعد جريمة بعيدًا عن المجرم الأصلى، إلا أن هناك بعض نصوص بمواد قانون العقوبات تعفى من يقوم بإخفاء المتهم من العقوبة، مما يعد سببًا أيضًا فى عدم تنفيذ أحكام القضاء. وأوضح أن هذا الأمر يمكن تلافيه بالحصول على إذن من المجلس الأعلى للقضاء بالدخول إلى منزل هذا القاضى والقبض على المتهم المختبئ لديه. وعن الآليات الهامة التى يجب تحقيقها واتباعها فى الوقت الحالى لتنفيذ أحكام القضاء شدد على ضرورة استعادة الشرطة لدورها، لأن هذا أمر هام للغاية، أما الآلية الثانية فتتعلق بدور وسائل الإعلام بكافة أنواعها حكومية أو خاصة بأن تقوم بدورها فى توعية الناس بضرورة الانصياع للقانون وأحكامه، إضافة إلى أهمية مشاركتهم ومساعدتهم وتضافر جهودهم مع الشرطة ومعاونتهم على تنفيذ هذه الأحكام. وأشار سليمان إلى أن بعض أفراد المجتمع يكونون أحيانًا عائقًا أمام السلطة التنفيذية خلال قيامها بتنفيذ أحكام القانون. وفى هذا السياق أكد نبيه الوحش المحامى أنه لن تكون هناك فعالية لتنفيذ أحكام القضاء إلا إذا تم تخصيص "شرطة قضائية للتنفيذ"، مشيرًا إلى أنه إذا ظلت "إدارة تنفيذ الأحكام تابعة لوزارة الداخلية"؛ ستظل الأحكام القضائية بجميع أنواعها "حبر على ورق" ليس لها حجية. وناشد الوحش كلًّا من المستشار أحمد مكى وزير العدل والمستشار محمود مكى نائب رئيس الجمهورية، بالاهتمام بموضوع تنفيذ الأحكام؛ لأن قوة الحكم القضائى تكمن فى تنفيذه بوجود شرطة قضائية تابعة لوزارة العدل مباشرة، لأنه إذا لم ينفذ فهو حبر على ورق. وقال: "نريد ثورة تشريعية بشكل كامل، وأن تكون السجون التى ينفذ فيها الأحكام تابعة بشكل كامل لوزارة العدل لا الداخلية"، مشيرًا إلى أن هناك نصوصا فى القانون تجعل الإشراف على السجون للنيابة العامة كل أسبوع ووزارة الداخلية، ومن حق القاضى أن يقوم بالإشراف على السجن التابع له هذه المحكمة بشكل دورى كل شهر، إلا أن هذا الإشراف غير مفعل. وأضاف أن سبب عدم التفعيل هو أنه لم تكن لدينا فى النظام السابق مؤسسات دستورية أو تشريعية، ولكن كان لدينا عدة أشخاص يحكمون مصر. وتابع الوحش أن "عدم تنفيذ بعض أحكام القضاء فى مثل قضية مرتضى منصور وغيره؛ كان بسبب القضاء غير المستقل عن السلطة التنفيذية"، متهما أيضا المجلس الأعلى للقضاء بالتقاعس، لعدم استخدام سلطاته وإصداره إذنًا باقتحام منزل من يؤوى متهمين حتى لو كانوا يتميزون بالحصانة. ومن جانبه أوضح الدكتور أحمد رفعت -عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة- أن تنفيذ أحكام القضاء له طريقة واحدة ألا وهى "السلطة الجبرية"، فلا شىء يتم من خلاله تنفيذ حكم على شخص والتغاضى عن آخر. وقال رفعت: "إذا كان هناك تمييز بين بعض من صدر ضدهم أحكام وآخرين بحيث ينفذ الحكم ضد البعض ولا ينفذ ضد البعض الآخر أو التساهل معهم؛ فهذا لا يستقيم مع دولة القانون ويعد انتهاكًا صريحًا له". وأشار إلى أن السلطة التنفيذية فى العهد السابق كانت تنصاع لتعليمات رئيس الحكومة الذى يتبع هو الآخر توجيهات رئيس الجمهورية، وكانت تقوم بالتعامل مع بعض الأشخاص بالقانون على من ليست لهم حيلة، والتساهل مع البعض الآخر من أصحاب الحظوة، مستشهدًا بأنه كانت فى بعض الحالات لا تنفذ أحكام القضاء على من ينتسبون للحزب الوطنى المنحلّ. وطالب بأن يكون تطبيق الأحكام على الجميع دون تفرقة بعد الثورة، مشيرًا إلى أنه إذا تمت هذه التفرقة؛ فيجب محاسبة وزير الداخلية بالأساس على هذا الأمر. وأضاف أن مسألة تنفيذ الأحكام لها ارتباط وثيق بالقضاء فمسئوليته متشابكة مع السلطة التنفيذية، موضحا "إذا استقام القضاء والسلطة التنفيذية فى تنفيذهما للأحكام بشىء من العدالة المطلقة دون تمييز بين جميع الأطراف فى المجتمع أيًّا كان انتماؤهم؛ فإننا بذلك نكون قد دخلنا فى مرحلة جديدة من الديمقراطية".